بن حبريش يعود من الرياض باعتراف سعودي بدور حلفه القبلي في حضرموت

استقبال المملكة العربية السعودية لرئيس حلف قبائل حضرموت عمرو بن حبريش جاء امتدادا لبحث المملكة عن طرف وازن ذي حضور فاعل على الأرض لاتخاذه محاورا موثوقا به بشأن شؤون المحافظة التي تزايد اهتمام الرياض بها، ويبدو أنّها وجدت في الحلف القبلي الشريك المنشود والبديل عن مجلس حضرموت الوطني الذي ساهمت أصلا في تأسيسه لكنّه لم يستطع أن يضطلع بالدور المطلوب منه.
سيئون (اليمن)- انطوت زيارة قام بها عمرو بن حبريش رئيس حلف قبائل حضرموت إلى الرياض على اعتراف سعودي بدور الحلف القبلي في المحافظة التي تحظى باهتمام متزايد من قبل المملكة نظرا إلى موقعها الإستراتيجي المهم بجوارها لأراضيها من جهة، وانفتاحها على بحر العرب من جهة مقابلة.
واكتست الزيارة أهمية في سياق صراع النفوذ المحتدم على المحافظة الغنية أيضا بالثروات الطبيعية، وعكست المكانة المتنامية لحلف القبائل الصاعد بسرعة كقوة وازنة ذات عمق شعبي وحضور فعلي على الأرض سعت قيادات الحلف إلى تدعيمه بإنشاء قوة مسلحة خاصة به الأمر الذي أثار امتعاض المنافس الرئيسي على النفوذ في حضرموت المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يعتبر المحافظة جزءا رئيسيا لا تنازل عنه من دولة الجنوب المستقلّة التي يسعى لتأسيسها.
وانطوت الزيارة على تفاصيل أوحت بأهميتها وأيضا بمكانة رئيس الحلف الذي يرأس أيضا مؤتمر حضرموت الجامع لدى الرياض من بينها أن الزيارة تمت بدعوة من الجانب السعودي الذي خصص طائرة عسكرية لنقل بن حبريش وقائد قوات حماية حضرموت اللواء مبارك العوبثاني إلى السعودية وإعادتهما إلى سيئون.
لكن أبرز حدث شهدته الزيارة هو اللقاء الذي جمع رئيس حلف قبائل حضرموت بوزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان والمحادثات التي أجرياها وناقشا خلالها “الأوضاع على مستوى اليمن عامة وكانت حضرموت حاضرة فيها بكل استحقاقاتها السياسية منها والأمنية والحاجات الخدمية المهمة،” وفقا لتعليق نشره بن حبريش على منصة إكس.
ورأت دوائر سياسية يمنية أن اللقاء جاء بمثابة شهادة اعتماد رسمي لحلف قبائل حضرموت وقيادته كمحاور رئيسي للسعودية بشأن حضرموت وشؤونها، الأمر الذي يعني بالنتيجة تراجعا عن إسناد هذا الدور لمجلس حضرموت الوطني الذي كانت المملكة نفسها قد أشرفت على تأسيسه دون أن يظهر له لاحقا أيّ حضور فعلي على أرض الواقع.
ولقيت عودة بن حبريش من الرياض صدى بين القبائل المشاركة في الحلف والتي نظمت له استقبالا حافلا ألقى خلاله كلمة قال فيها إنّه لمس خلال زيارته إلى السعودية “كل الجدية والتقدير” من قبل السعوديين.
ولم تخل الظروف التي حفت بالزيارة وتوقيتها بحدّ ذاته من معطيات دالة في سياق الصراع المحتدم على حضرموت وموقعها وثرواتها، حيث ترافقت مع اشتداد التوتّر بين حلف القبائل والمجلس الانتقالي الجنوبي والذي غذّته زيارة قام بها رئيس المجلس عيدروس الزبيدي إلى حضرموت وأطلق خلالها تصريحات وصفت بالنارية وأغضبت الحلف وأنصاره.
وربطت جهات مواكبة للشأن الحضرمي بين الزيارتين. وقال الكاتب عبدالله سعيد القروة في مقال له إنّ “بن حبريش زار الرياض كنوع من الرد على زيارة وخطاب نائب رئيس مجلس القيادة ورئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي إلى حضرموت وما ورد في الخطاب من تلميح حول تصرفات بن حبريش وإدارته لمشروع إعادة حضرموت إلى باب اليمن.”
وأضاف مشيرا إلى وجود “توازنات خفية في الأزمة اليمنية لا بد من ضبطها بدقة بحيث لا يشعر طرف أنه قد سُحب البساط من تحته لصالح طرف آخر،” موضحا “أقصد الخارج. أما الداخل فليس سوى أداة تنفيذية لما يصدر من الخارج.”
من المستبعد أنم يكون الانتقالي الجنوبي بصدد التسليم بالأمر الواقع ، وقيادة الانتقالي ستتخذ سلسلة من الإجراءات لمنع خروج زمام المبادرة في المحافظة من يدها
وأخرجت زيارة رئيس الانتقالي إلى حضرموت إلى العلن الصراع بين المجلس وحلف قبائل حضرموت، حيث انتقد الزبيدي الحلف واتهمه بعدم الاستجابة للحوار. وعرض ضمنا إلى مبالغته في التصعيد باستخدام مطالب أبناء المحافظة، محذّرا في الوقت نفسه من أيّ محاولات لتسليح الميليشيات أو خلق مظاهر مسلحة غير قانونية داخل المحافظة، مؤكدا أن هناك إجراءات سيتم اتخاذها قريبا لضمان استقرار الأوضاع.
جاء ذلك ردّا من قيادة الانتقالي الجنوبي على توجه حلف القبائل الواضح نحو امتلاك قوة عسكرية خاصة به وقطعه خطوة في ذلك الاتجاه بالإعلان عن تشكيله قوات حماية حضرموت اختار لقيادتها اللواء العوبثاني الذي رافق بن حبريش إلى الرياض وهو معطى معبّر بحدّ ذاته وأثار الأسئلة بشأن موقف السعودية من إنشاء تلك القوة وإن كانت بصدد الاعتراف بها والقبول بالنتيجة بسيطرة الحلف على الأرض التي بدأها بالسيطرة على منافذ وطرق نقل وتسويق النفط والتحكّم بها.
وفجرّت تصريحات الزبيدي موجة من ردود الفعل من قبل أعضاء ومقربين من مؤتمر حضرموت الجامع وحلف قبائل حضرموت. وقال عبدالعزيز صالح جابر رئيس الدائرة السياسية بالمؤتمر إنّ الأخير هو “الممثل الشرعي لحضرموت والمظلة الحقيقية لتطلعاتها المشروعة” كونه تأسس بـ”توافق واسع بين مختلف المكونات الحضرمية السياسية والاجتماعية والثقافية والمدنية.”
وعلى هذه الخلفية أثارت دعوة السعودية لبن حبريش إلى زيارتها في هذه الأجواء المشحونة سؤالا حول ما إذا كانت تعني انحيازا سعوديا إلى صف مؤتمر حضرموت وحلف القبائل على حساب الانتقالي الجنوبي باعتبار مشروع الأخير لا يتلاءم مع طموحات المملكة في حضرموت.
واستبعدت مصادر سياسية أن يكون الانتقالي الجنوبي بصدد التسليم بالأمر الواقع الذي بدأ حلف القبائل بفرضه في حضرموت، وتحدّثت عن سلسلة من الإجراءات قررت قيادة الانتقالي اتخاذها لمنع خروج زمام المبادرة في المحافظة من يدها. وربطت ذات المصادر بين الصراع المتصاعد بين الحلف والمجلس، وحملة توقيفات في صفوف قوات المنطقة العسكرية الثانية المنتشرة في ساحل حضرموت قائلة إنها جزء من عملية “تطهير” لتلك القوات من الضباط والمنتسبين الموالين لحلف القبائل، كما ربطت الصراع أيضا بقرار عيدروس الزبيدي إنشاء مجلس لمشائخ وسلاطين الجنوب تحت مسمّى “مجلس التلاحم القبلي” وذلك لمنازلة حلف قبائل حضرموت على ذات الأرضية القبلية الصلبة التي يقف عليها.