بنوك خاصة تتبنى الشهادات الدولارية لجذب أموال المصريين بالخارج

خطت بعض البنوك الخاصة في مصر خطوة نحو طرح شهادات دولارية بعائد مغر لجذب المزيد من السيولة الأجنبية من المغتربين المصريين والعاملين في الخارج، في محاولة تعكس اهتمام السلطات النقدية بمعالجة انخفاض تحويلات العاملين في الخارج مؤخرا، ورغبتها في دخول المزيد من العملة الأميركية إلى القطاع المصرفي.
القاهرة - طرح البنك التجاري الدولي المصري وديعة دولارية لأجل عام بعائد 6 في المئة يصرف شهريًا، ويبلغ الحد الأدنى لربط الوديعة 10 آلاف دولار، وهي وعاء ادخاري متوسط الأجل، وتتيح للعملاء ادخار أموالهم دون حاجة إلى ربطها بمدة طويلة، ويمكن استردادها في أي وقت، ولا توجد مدة محددة لاستردادها مثل شهادات الادخار.
وتحوم شكوك حول نجاح الخطة الجديدة للمصارف الخاصة في جذب السيولة الأجنبية، التي تستهدف فيها المغتربين بالدرجة الأولى، لأن العائد غير مرتفع، ومتوقع أن لا يصبح إقبال المصريين كثيفا، فضلاً عن استمرار السوق السوداء (الموازية) للدولار، ما يعرقل تدفق العملة نحو خزائن البنوك ودوام الاحتفاظ بها خارج المصارف.
ويدرس بنك أبوظبي الأول طرح شهادات دولارية مرتفعة العائد على خطى بنوك أخرى هي الأهلي ومصر والتجاري الدولي، وهي أكبر البنوك الحكومية والخاصة في البلاد، بالإضافة إلى البنك العقاري المصري العربي.
وتلجأ السلطات إلى طرح شهادات دولارية في فترات ينشط فيها السعر الموازي للعملات الأجنبية، وهي محاولة لكبح جماح سوق تتاجر فيها، لكن تكلفتها عالية، لأن العائد مرتفع، بالتالي لا تحبذ البنوك الخاصة هذه الطريقة خوفًا من الوقوع في أزمة شح في السيولة وعدم القدرة على الوفاء باستحقاقات العملاء ما يعرّضها للإفلاس.
وأصدر بنكا الأهلي ومصر شهادتين ادخاريتين بعائد مرتفع للدولار، تتيح الأولى فائدة 9 في المئة تُصرف بالجنيه مقدمًا عن السنوات الثلاث أي 27 في المئة، والاقتراض بضمانها حتى 50 في المئة من قيمتها، والثانية بفائدة 7 في المئة وتصرف كل ثلاثة أشهر بالدولار.
وتهدف الخطوة إلى توفير العملات الأجنبية للنظام المصرفي، إذ خُصصت شهادات الادخار الجديدة لجذب العملات الأجنبية من التحويلات الآخذة في الانخفاض. ولم يتم الإعلان عن حصيلة بيع الشهادات بالبنوك الحكومية، لكن مصدرا مسؤولا في إحدى شركات الصرافة قال لـ"العرب" إن قيمة الدولار في السوق السوداء لم تنخفض عقب الإعلان عن طرح الشهادات الدولارية الجديدة.
وتراجعت تحويلات المصريين العاملين بالخارج بنحو 26 في المئة في الفترة بين يوليو 2022 إلى مارس 2023 في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من شح العملة الصعبة. وأظهرت بيانات البنك المركزي المصري أن تحويلات المغتربين انخفضت إلى حوالي 17.5 مليار دولار في الفترة بين يوليو ومارس من العام المالي الجاري، مقابل نحو 23.6 مليار دولار في نفس الفترة من العام الماضي.
وتواصل السلطات في البلاد تقديم مبادرات وآليات لجذب الأموال من المصريين في الخارج ولم تنجح في ذلك حتى الآن، حيث سبق ذلك فشل مبادرة تيسير استيراد سيارات المغتربين، والتي حققت نحو 800 مليون دولار فيما كانت تستهدف الحكومة منها نحو 2.5 مليار دولار كحد أدنى.
وأعلن البنك الأهلي المصري أنه لا يستبعد جذب نحو 4 مليارات دولار من العملات الأجنبية الجديدة عبر الشهادات المطروحة بعد أن قام المودعون بضخ 3.5 مليار دولار في شهادات الادخار الدولارية التي طرحها بعائد 5.25 في المئة.
وقال المحلل الاقتصادي أشرف غراب لـ"العرب" إن طرح الشهادات الدولارية خطوة تهدف إلى توفير العملة الصعبة، وتحجيم السوق السوداء للدولار، متوقعًا أن تجذب تحويلات العاملين في الخارج بدلاً من تحويلها للسوق الموازية.
وتعاني مصر من أزمة نقص في العملات الصعبة التي تفاقمت عقب اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية وارتفاع أسعار الفائدة، وخسر الجنيه نحو نصف قيمته مقابل الدولار منذ مارس 2022، وتنامت السوق السوداء التي ضاعفت الأزمة ووضعت مزيدًا من الضغوط على النظام المصرفي وتوفير سيولة نقدية للعملة الصعبة.
وأضاف غراب لـ"العرب" أنها فكرة جيدة ويمكن أن تترتب عليها زيادة الحصيلة الدولارية، لأن العائد المحدد مقبول، وربما تعزز السيولة الدولارية في البنوك التي تعتبر خطوة مهمة لمواجهة توغل السوق غير الرسمية. واستبعد محللون قدرة بنوك القطاع الخاص تقديم عوائد مرتفعة للشهادات تفوق نظيرتها في البنوك الحكومية خوفًا من التعثر وعدم القدرة على تدبير الفوائد الناتجة عن الشهادات الجديدة.
وتتيح البنوك الحكومية لحاملي شهادة الادخار الدولارية ذات عائد 7 في المئة، الاقتراض بضمانها بالجنيه حتى 50 في المئة من قيمتها الاستردادية وحد أقصى 10 ملايين جنيه وسعر فائدة يقل 2.25 نقطة مئوية عن سعر إقراض البنك المركزي المصري، أي بسعر فائدة 17 في المئة، وهي خطوة لا تحبذها المصارف الخاصة.
وأوضح أشرف غراب أن حل أزمة شح العملة لن يتأتى من الشهادات فقط أو بالاعتماد على السياسة النقدية، بل ينبغي زيادة الصادرات وتقليص فاتورة الاستيراد، مع نمو في الإنتاج والتصنيع والاستمرار في خطة الدولة بتعميق المنتج المحلي.
◙ حل أزمة شح العملة لن يتأتى من الشهادات فقط أو بالاعتماد على السياسة النقدية، بل ينبغي زيادة الصادرات وتقليص فاتورة الاستيراد
وتلعب عمليات الإقراض بالعملة الأجنبية أو الاستثمار في السندات الدولارية خارجيًا، دورًا حاسمًا في مواجهة البنوك الخاصة لأزمة فقدان القدرة على توفير العوائد على الشهادات الدولارية حال طرحها، إذ لا تقبل تلك المصارف توجيه حصيلة مدخرات العملاء لتمويل الواردات أو شراء الغذاء.
وأكد الخبير المالي والمصرفي سيد عويضي لـ”العرب” أن تحويلات المصريين بالخارج آخذة في التراجع على الرغم من انتعاش الاقتصاد في دول الخليج، ما يشي بأن العديد من المغتربين يستخدمون طرقًا غير رسمية لإرسال الأموال إلى ذويهم. ومع تحول الدولرة إلى واقع لا يمكن إنكاره، كان لزامًا على الحكومة ألا تغض الطرف أو تنكر وجود هذه الظاهرة، ولجأت لهذه الشهادات بعد أن باتت الحلول محدودة.
كما أن العديد من رجال الأعمال والمستوردين كانوا في انتظار قرارات تسمح باستخدام ما في حوزتهم من دولارات لتمويل وارداتهم ما يعني الاستيراد دون تحويل عملة، وهذا يمثل خطورة كبيرة على الوضع الاقتصادي، ولذلك جاء طرح تلك الأوعية الادخارية مع عدم اشتراط مصدر الدولار.
وذكر عويضي في تصريح لـ"العرب" أن العائد على الشهادات التي تطرحها البنوك ليس مغريا للدرجة التي تدفع العاملين في الخارج للسباق عليها أو شرائها بكثافة، كما أن ارتفاع سعر الدولار في السوق الموازية مقارنة بسعره في البنوك يدفع الكثير من المصريين للتشبث بالدولار والاحتفاظ به خارج البنوك.
ويطرح بعض الخبراء تساؤلات عدة بشأن لجوء السلطات لطرح الشهادات الدولارية، منها ماذا ستفعل البنوك في حصيلة الدولارات من الشهادات، وهل لديها استثمارات تأتي بدولار مرة أخرى حتى تسدده ولو بعد حين.