بنغازي تتحدى اليونان بدعوة البرلمان التصديق على اتفاقية ترسيم الحدود مع تركيا

حماد يحذر أثينا من لجوء حكومته إلى جلب الشركات الاستثمارية، ومنحها تراخيص للتنقيب عن الموارد الطبيعية في المناطق البحرية نفسها وفقا لمبدأ المعاملة بالمثل.
الأحد 2025/06/22
تحركات حكومة بنغازي قد تعمق الانقسام الداخلي وتصعد التوتر في شرق المتوسط

بنغازي -  أعلن رئيس الحكومة الليبية المكلفة من البرلمان أسامة حماد إحالة اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع تركيا إلى مجلس النواب للنظر في المصادقة عليها، في تحرك قد يعيد تشكيل خارطة النفوذ في شرق المتوسط.

ويأتي هذا القرار الحاسم بينما تزداد وتيرة أزمة ترسيم الحدود والمياه الإقليمية الليبية مع جيرانها، لاسيما اليونان، التي أدانت الحكومة في شرق ليبيا الجمعة عبر بيان وزارة الخارجية محاولاتها للتنقيب في المياه المتنازع عليها.

وهذه الخطوة الليبية، تضيء على ملفات شائكة تتراكم منذ سنوات، قد تعيد تشكيل التحالفات الإقليمية وتفاقم من تعقيدات المشهد الليبي المتشرذم، مما يضع المنطقة أمام احتمالات تصعيد جديدة تتجاوز حدود الخلافات الدبلوماسية المعتادة.

وعقدت حكومة حماد في بنغازي شرق البلاد، السبت اجتماعا موسعا للنظر في هذه الأزمة.

وخلال الاجتماع أبدى حماد استغرابه مما صدر عن اليونان من إعلان بتاريخ 12 يونيو الجاري والذي طرحت من خلاله دعوة دولية لتقديم العطاءات بخصوص منح تراخيص للتنقيب واستغلال مادة الهيدروكربونات في مناطق بحرية جنوب جزيرة كريت.

وأوضح حماد أن جزءا من هذه المناطق يقع داخل نطاق بحري ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة لليبيا، مؤكدا أن ليبيا لديها الحق في استغلال هذه المنطقة والتنقيب عن الموارد فيها، وهو حق أصيل وفقا لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام .1982

 وأشار حماد إلى عرض وإحالة اتفاقية ترسيم الحدود في المنطقة الاقتصادية الخالصة مع تركيا إلى مجلس النواب الليبي لدراستها والنظر في الموافقة بالتصديق عليها بحسب ما جاء في نص البيان الصحفي للاجتماع الوزاري.

وكان مجلس الوزراء قرر تشكيل لجنة لمراجعة ترسيم الحدود البحرية في المنطقة الاقتصادية الخالصة لدولة ليبيا في البحر المتوسط ومراجعة كافة الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الموقعة مع الدول الصديقة والشقيقة منذ عام 2002 ووفقا لمبادئ القانون الدولي وبما يتوافق مع مصالح ليبيا ومبادئ حسن الجوار.

ووفقا لموقع بوابة وسط الليبي، لوح حماد، السبت، باللجوء إلى "مبدأ المعاملة بالمثل" حال استمرار السلطات اليونانية في توجهها لمنح تصاريح استكشاف واستغلال الهيدروكربونات في مناطق بحرية ليبية، داعيا وزراء حكومته إلى التعامل مع هذا الملف "بشكل دقيق لحماية ثروات الليبيين وحقوقهم وحقوق الأجيال القادمة".

وحض حماد السلطات اليونانية على وقف "الأعمال العدائية أحادية الجانب"، ودعاها إلى "الحوار والتفاوض بالطرق السلمية"، محذرا من لجوء حكومته لـ"جلب الشركات المختصة والراغبة في الاستثمار، ومنحها تراخيص للتنقيب عن الموارد الطبيعية في هذه المناطق البحرية نفسها وفقا لمبدأ المعاملة بالمثل، واتساقا مع الاتفاقيات الثنائية ومذكرات التفاهم الموقعة من الدولة الليبية، وبما يخدم مصالحنا بشكل مباشر".

وتأتي هذه التطورات في سياق نزاعات بحرية متزايدة في شرق المتوسط، حيث تتداخل المصالح الاقتصادية والجيو-سياسية للدول المطلة على الحوض، خاصة مع الاكتشافات الأخيرة للغاز الطبيعي. وبالنسبة لليبيا، يضيف هذا النزاع طبقة جديدة من التعقيد لوضعها السياسي الداخلي المتشرذم، مع وجود حكومتين تتنافسان على الشرعية والسيطرة.

ويعكس قرار الحكومة المدعومة من البرلمان بالتصعيد ضد اليونان محاولتها تأكيد سيادتها ومصالحها الاقتصادية، وربما أيضا استعراض قوتها الإقليمية في مواجهة الحكومة المنافسة في طرابلس.

وتلعب اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع تركيا دورا محوريا هنا، حيث تعدها اليونان وقبرص ومصر انتهاكا للقانون الدولي، بينما تراها حكومة الوحدة الوطنية الليبية المنتهية ولايتها برئاسة عبدالحميد الدبيبة وتركيا مشروعة وضرورية لتأكيد حقوقهما.

وينظر إلى التلويح بـ"المعاملة بالمثل" إلى أن ليبيا قد تتخذ خطوات مماثلة لمنح تراخيص التنقيب في مناطق تعتبرها اليونان جزءاً من مياهها، مما قد يؤدي إلى احتكاكات مباشرة بين سفن التنقيب أو حتى تدخلات بحرية لحماية المصالح.

وهذا التصعيد من شأنه أن يدفع اليونان إلى مزيد من الدعم لأطراف مناهضة للحكومة في بنغازي، أو قد يجبر الأطراف الإقليمية الفاعلة (مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة) على التدخل بشكل أكثر حزماً لتهدئة الأوضاع.

ويحمل تصديق اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع تركيا من قبل مجلس النواب الليبي تداعيات عميقة على وحدة ليبيا واستقرارها الداخلي، فهذا القرار قد يعمق الشرخ بين الحكومتين المتنافستين في طرابلس وبنغازي، حيث ستسعى كل منهما لشرعنة موقفها، مما يزيد من احتمالات المواجهة السياسية

فالحكومة في بنغازي ستعتبر التصديق تأكيداً لسلطتها وخطوة لحماية مصالح ليبيا، بينما قد تعتبرها حكومة طرابلس تدخلاً في صلاحياتها أو محاولة لتغيير الحقائق على الأرض. هذا الصراع على الشرعية يجعل من الصعب على المجتمع الدولي التعامل مع جهة واحدة في ليبيا، مما يزيد من تعقيد المشهد.

وتثير هذه الاتفاقية حفيظة دول إقليمية مثل اليونان ومصر وقبرص. تصديقها من قبل حكومة بنغازي قد يدفع هذه الدول لتعزيز دعمها لأطراف معارضة في ليبيا، أو اتخاذ إجراءات مضادة كالتنقيب في المناطق المتنازع عليها، مما قد يحول الخلاف البحري إلى صراع إقليمي أوسع تستخدم فيه الأراضي الليبية كساحة وكلاء. هذا التدخل الخارجي، بدوره، يصب في مصلحة الأطراف المتصارعة داخلياً، ويزيد من عمق الانقسام بدلاً من التقارب.

وتعتبر الموارد الهيدروكربونية في البحر المتوسط محفزاً رئيسياً لهذه النزاعات، فإذا تم تفعيل الاتفاقية، فقد تبدأ تركيا وليبيا (من جانب حكومة بنغازي) في التنقيب والاستفادة من هذه الموارد. هذا الأمر سيثير حتماً اعتراضات من حكومة طرابلس والدول الأخرى، مما قد يؤدي إلى نزاعات حول ملكية الموارد وتوزيع عائداتها، وهو ما يهدد بزيادة الانقسام الاقتصادي والجغرافي داخل ليبيا.

بعد سنوات من الرفض، قرّر مجلس النواب الليبي، في 12 يونيو الحالي تشكيل لجنة فنية لدرس موضوع مذكرة التفاهم التركية - الليبية، المقدمة من حكومة أسامة حماد.

وأوضح نواب ليبيون أن عدم اعتراف البرلمان بالاتفاقية في السابق يعود لحالة الانقسام السياسي الحاد في البلاد، إضافة إلى التجاذبات الإقليمية بين القوى المتدخلة في الملف الليبي، ولا سيما الخلاف بين تركيا ومصر واليونان. وتتطلع أنقرة إلى مصادقة مجلس النواب الليبي على المذكرة التي تحمل فرصا اقتصادية واعدة للطرفين.

وتأتي خطوة مناقشة مذكرة التفاهم البحرية في ضوء التقارب الأخير بين قائد الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر وتركيا، لا سيما بعد الزيارة الرسمية، التي أجراها نجله صدام حفتر إلى أنقرة في أبريل الماضي، ولقائه وزير الدفاع التركي، يشار غولر، وقيادات الجيش التركي.

وتشير تقارير إلى أن اليونان طلبت من مصر التدخل لإقناع حكومة حماد، المدعومة من حفتر، بعدم المصادقة على مذكرة التفاهم البحرية مع تركيا.

وترى اليونان أن أي تحرك من جانب شرق ليبيا لدعم موقف تركيا في شرق البحر المتوسط، سيمثل تحولا كبيرا في المنطقة، حيث تأمل الدول الإقليمية في تطوير احتياطيات الغاز الطبيعي، كما ستكون الخطوة دفعة كبيرة لجهود تركيا لتأكيد هيمنتها البحرية في المنطقة، كونها ستوحد جميع الأطراف الليبية مع مطالبات تركيا.

وبالنسبة لمصر، فقد عبرت تركيا، مرارا، حتى في ظل التوتر بينهما، عن موقف القاهرة خلال المحادثات مع اليونان التي أفضت إلى توقيع اتفاقية المناطق الاقتصادية الخالصة للبلدين في شرق البحر المتوسط عام 2020، لرفضها المساس بأي مناطق تركية، رغم المطالبات اليونانية.

وتؤكد تركيا التي بدأت منذ عام 2023 تشاوراً مستمراً بشأن الملف الليبي، أن مصر ستستفيد أيضاً من تنفيذ مذكرة التفاهم التركية - الليبية.