بلوغ الذروة يقصي الصين كمحرك للطلب العالمي على النفط

تسود قناعة بين المحللين أن الصين لم تعد المحرك الرئيسي للطلب العالمي على النفط الخام، لاسيما وأن ثمة إجماعا متزايدا بأن الاستهلاك في ثاني أكبر اقتصاد بعد الولايات المتحدة سيبلغ الذروة قريبا، ما ستكون له ارتدادات على المنتجين ونشاط الأسواق.
واشنطن- اعتمدت التوقعات الخاصة بسوق النفط عالميا بدرجة كبيرة على الصين على مدار سنوات لأنها كانت إلى حد كبير المحرك الأكبر لنمو الطلب في هذا القرن.
ولكن بعد مرور عقدين على مفاجأة 2004 التاريخية عندما وصل الطلب في هذا البلد إلى أكثر من 3 ملايين برميل يوميا، تبرز علامات الآن على احتمال تأجج المخاوف من حدوث ندرة في الخام وارتفاع الأسعار أكثر.
ويعتقد المحلل الاقتصادي غريغ بريدي في تقرير لمجلة ناشونال إنترست الأميركية أن ذلك لا يعنى بالضرورة أن الطلب العالمي سيبلغ ذروته بعد ذلك بفترة قصيرة، لأنه يعكس سمات السياق السياسي في الصين.
وقال بريدي، المستشار في المخاطر السياسية لقطاع الطاقة، إن “هذا لا يزال يجعل من الصعب للغاية تصور فترة من تشديد السوق المستدام مستقبلا، والذي توقع الكثير من المستثمرين في قطاع النفط ومنتجي أوبك+ أنه سيحدث في منتصف هذا العقد إلى أواخره.”
وأصدرت أكبر شركتين للنفط تملكهما الدولة وهما البترول الوطنية الصينية والصين للبتروكيماويات دراسات في ديسمبر 2024 أظهرت أن الطلب على البضائع التي يتم شحنها قد بلغ ذروته.
وتتوقع الشركتان أن تظهر البيانات الكاملة لعام 2024 عند إصدارها انخفاضات في استخدام البنزين والديزل، والتي أدت إلى تسريع وتيرتها، الزيادة الأسرع من المتوقع سابقا في مبيعات السيارات الكهربائية والاستخدام المتزايد للغاز كوقود بديل للشاحنات الثقيلة.
ويعد الكيروسين الوقود الوحيد المستخرج من النفط الذي مازال يحقق نموا. وتتوقع شركة الصين للكيماويات انخفاض استخدام الديزل بنسبة 5.5 في المئة هذا العام بمقارنة سنوية وانخفاض استخدام الكيروسين بنسبة 2.4 في المئة.
ووفق البيانات، استخدم 22 من الشاحنات الثقيلة الجديدة التي تم بيعها في الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2024، الغاز الطبيعي كوقود. ومن المتوقع أن تخفض السيارات الكهربائية استهلاك الوقود بنسبة 15 في المئة خلال 2025.
ويتم تعويض التراجع في استخدام النفط كوقود للنقل بشكل أكبر على المدى القصير من خلال الزيادات في الطلب للاستهلاك الصناعي الذي تشير شركة الصين للكيماويات إلى أنه يزيد بنسبة 55 في المئة بين عامي 2023 و2035.
ومازال إجمالي الطلب في توقعاتهما يصل إلى أعلى مستوى له في عام 2027 على أن يبدأ في التراجع تدريجيا في الوقت الذي تزداد فيه وتيرة سرعة الانخفاض في الطلب على النقل.
ولدى شركة البترول الصينية توقعات أكثر تفاؤلا قليلا، ولكن لا تزال تشير إلى أنه سيتم الوصول إلى ذروة إجمالي الطلب بحلول عام 2060.
وتباعدت توقعات الوكالة الدولية للطاقة وأوبك بشكل كبير بشأن الطلب العالمي على النفط في السنوات الأخيرة، مدفوعة جزئيا بشكل كبير بالتباين في ما يتعلق بحجم التغيير في السياسات الحكومية استجابة للرغبة في التخفيف من تأثيرات تغير المناخ.
وتم اتهام الوكالة وأوبك بأنهما متأثرتان بالسياسات والتمنيات. ويتصور السيناريو الأساسي للوكالة تبنيا سريعا لإجراءات التخفيف، بينما تتوقع أوبك عالما يكون فيه نمو الطلب مناسبا لإبقاء معظم المشاركين في أوبك+ في وضع مريح من الناحية المالية.
ويتصور الخط الأساسي للوكالة أن يصل الطلب للذروة في 2030، بينما يشير سيناريو السياسات المعلن الأقل واقعية والذي تحقق فيه كل الدول أهدافها الخاصة بتخفيف آثار تغير المناخ، إلى الوصول إلى ذروة الطلب هذا العام. وتشير أوبك إلى نمو بطيء بعد عام 2035 ولكن دون ذروة.
وبحسب بريدي، تعد توقعات أوبك الأقل مصداقية، وربما لا يزال الخط الأساسي للوكالة الدولية للطاقة أكثر تفاؤلا من وجهة نظر مسؤوليها بشأن تأثير إجراءات التخفيف على الطلب. ومع ذلك، فإن تأثير السياسات الصينية على الطلب ليس موضع خلاف الآن.
إجمالي الطلب سيبلغ أعلى مستوى في 2027 على أن يبدأ في التراجع مع انخفاض استخدام الوقود التقليدي في النقل
وقال إنه “ما يزال من المرجح رؤية كمّ هائل من النتائج المتعلقة بالطلب، التي ستراه يواصل النمو في مكان آخر بعدما تصل طلبات الصين إلى الذروة.”
وفي الولايات المتحدة، من المقرر أن تلغي إدارة الرئيس المنتخب القادم دونالد ترامب، الكثير من السياسات التي طبقها الرئيس جو بايدن. وربما يشمل ذلك إنهاء الإعفاء الضريبي بقيمة 7500 دولار لدعم شراء السيارات الكهربائية وإلغاء المعاير الخاصة بانبعاثات السيارات التي كانت ستؤدي بالفعل إلى خفض مبيعات سيارات الوقود بمعدل النصف بحلول منتصف العقد المقبل.
وفي الوقت الذي تحل فيه الهند محل الصين كأكبر مصدر لنمو الطلب، لا تزال سياسة الحكومة تركز على توجه حمائي يقوم على أساس “صنع في الهند” مع عدم وجود حوافز للتخلص من الكربون في قطاع النقل.
ومع ذلك، تحاول نيودلهي جذب شركة تسلا للسيارات الكهربائية للاستثمار في البلاد مستهدفة شريحة المنتجات عالية الجودة مع رسوم جمركية أدنى على السيارات باهظة الثمن.
ويقول بريدي إن السؤال الكبير في الوقت الحال هو الكيفية التي سيتعامل بها بقية العالم مع السيارات الكهربائية الصينية منخفضة الأسعار، مع مراعاة أنهم استطاعوا إنتاج بعض الطرز بأسعار منخفضة بلغت 12 ألف دولار.
ويرى أنه إذا لم يرفع الآخرون الحواجز الحمائية أمام السيارات الكهربائية الصينية، فإنهم قد يستبدلون سيارات الوقود والشاحنات الخفيفة اليابانية والكورية الرخيصة التي سيطرت على معظم الأسواق النامية، وهذه خطوة قد تجعل وصول الطلب العالمي إلى الذروة أقرب.
وفي خضم ذلك لا يزال من الواقعي أن أمام طلب قطاع الطيران وصناعة البتروكيماويات على النفط في الدول النامية مساحة كبيرة للنمو، وهو الأمر الذي من المحتمل أن يجعل ذروة الطلب العالمي تتجاوز عام 2030، ولو فقط لسنوات قليلة.
ومع ذلك من الصعب تصور فترة مستقبلية من تجدد القلق بشأن ندرة النفط دون نمو متواصل للطلب من جانب الصين. وقال بريدي “من المحتمل أن تشعر دول خططت لأن تكون قادرة على إعادة ملء خزائنها عبر فترة ندرة أخيرة وأسعار عالية، بخيبة أمل.”