"بلا عنوان".. عن اضطراب ثنائي القطب وكيف يفقد الإنسان هويته

تونس – ضمن فعاليات الدورة الثانية للمهرجان الوطني للمسرح التونسي “مواسم الإبداع”، عرض عمل بعنوان “بلا عنوان”، وهي مسرحية من إخراج مروى المناعي التي اقتبستها عن يوميات الطبيبة النفسية التونسية سارة الجربي كتبتها أثناء إقامتها في مستشفيات فرنسية، وأداء الثنائي نادية بلحاج ولبنى مليكة.
افتتح هذا العرض سلسلة الأعمال المسرحية المشاركة في الدورة الثانية للمهرجان الوطني للمسرح التونسي “مواسم الإبداع”، التي ينظمها المسرح الوطني التونسي بالشراكة مع جمعية عبدالوهاب بن عياد ومؤسسة ميكروكراد من 7 إلى 14 نوفمبر الجاري.
تدور أحداث المسرحية حول سارة، امرأة تعرضت لاكتئاب حاد استدعى إقامتها المتقطعة في مستشفيات “سانت أن” و”هنري إي” للأمراض النفسية في باريس خلال عامي 2015-2016.
حكاية مسرحية تستعرض من خلالها المخرجة الأسباب النفسية الكامنة وراء إصابة سارة باضطراب ثنائي القطب من خلال تحليل دقيق لحالة المريضة، بينما يجذب العنوان “بلا عنوان” انتباه الجمهور، كإشارة إلى المجهول والفوضى، بما يعكس شعور الضياع والتيه.
“بلا عنوان” هو اسم المسرحية، لكنه أيضا يعبر عن هوية الشخصية المحورية للعمل، فهي رغم امتلاكها اسما ولقبا ومهنة وبيتا لكنها تشعر أنها “بلا عنوان”، بلا اسم ولا هوية، تشعر أنها تائهة واضطراباتها النفسية تسبب لها المزيد من الضياع. تتذكر أنها سارة فقط، حيث محا دماغها كل ملامح هويتها لرغبته في حمايتها من الألم النفسي لكنه يدخلها في صراعات شعوري كبيرة ودائمة تحاول من خلالها أن تثبت أنها “بلا عنوان”.
استهلّت المسرحية بمشهد عبر تقنية خيال الظلّ تظهر فيه الشخصية وهي تترجم النصّ إلى رسومات مختلطة وخطوط متداخلة وغير مفهومة، ليتضح هذا الرسم بعد ذلك على شكل هيئة رجل كثيف الشعر، وهذا الرسم لهيئة الرجل سيكون في نهاية المسرحية أحد الأسباب الكامنة وراء حالة الاكتئاب الحادة التي تعرّضت لها شخصية سارة.
ويتناغم العنوان مع ديكور المسرحية الذي يمثل غرفة في مستشفى نفسي، مما يرمز إلى التوتر والاضطراب، ويعكس طبيعة الشخصيات التي ستعبّر عن هذه الحالات خلال العرض الذي يستمر ساعة كاملة. تبدأ المسرحية بمشهد يستخدم تقنية خيال الظل لتمثيل شخصية سارة التي تترجم معاناتها إلى رسومات غير مفهومة، ليظهر في النهاية رسم لرجل كثيف الشعر، وهو ما يعد إشارة إلى أحد الأسباب التي أدت إلى حالة الاكتئاب العميقة التي مرت بها.
عملت المخرجة على جعل مستشفى الأمراض النفسية فضاءً للتنقل التدريجي من المشهد العام إلى التفاصيل الخاصة، حيث بدأ العرض بتقديم المكان، ثم تطور ليغوص في العالم النفسي الداخلي لشخصية سارة ليكشف عن معاناتها النفسية. كما لعبت الإضاءة دورًا أساسيًا في نقل حالتها النفسية؛ فكلما تدهورت حالتها كانت الإضاءة أكثر قتامة، مما ساعد في تجسيد الصراع الداخلي بين الشخصية وعالمها الخارجي.
من أبرز سمات الشخصية أنها كانت تعاني من تشوش ذهني وتذبذب في المشاعر، مشبعة بالخوف والشك، وقد كانت هذه المشاعر محاصرة في ذهن المتفرج حتى اللحظات الأخيرة من العرض، حيث يكشف عن السبب الكامن وراء الاكتئاب الحاد لشخصية سارة: معاناتها من اضطراب ثنائي القطب، وهو حالة نفسية تتسبب في تقلبات مزاجية حادة، أبرزها حالات الاكتئاب الشديد.
ويدفع هذا العمل المسرحي إلى طرح تساؤلات حول ما الذي سيحدث عندما ننظر إلى المرآة لفترة ما، وكيف يمكن أن يتصور الإنسان ذاته من الداخل؟ ما خلق نوعا من التماهي بين الممثل والجمهور، فكلاهما في سفر، في رحلة البحث عن الذات، ليس من خلال التصور والخيال فحسب، وإنما من خلال تجربة جسدية ومؤقتة وحقيقية تحدث على خشبة المسرح.
والاضطراب ثنائي القطب هو اضطراب نفسي يسبّب نوباتٍ من الاكتئاب ونوبات أخرى من الابتهاج غير الطبيعي. وتتراوح فيه شخصية المريض وسلوكياته بين الفرح والحزن، النشاط والخمول، وتتغير بسرعة لا يمكن السيطرة عليها.
وتعدّ نوبات الابتهاج المذكورة، والتي تعرف أيضا باسم الهوس أو الهوس الخفيف، ذات أهمّية في تشخيص الحالة وذلك اعتمادا على شدّتها أو إذا كانت أعراض الذِّهان بادية. تختلف نوبات الابتهاج غير الطبيعي عن الشعور بالابتهاج في الظروف الاعتيادية، ففي الحالة المرضية يشعر المرء بنشاطٍ وسعادةٍ وتهيّجٍ غير طبيعي؛ كما قد تؤدّي بالشخص في بعض الأحيان للقيام بأعمال طائشة وغير مسؤولة أو مدروسة العواقب.
وتتضاءل الحاجة إلى النوم أثناء نوبات الهوس، في حين قد يظهر على الأشخاص المصابين خلال نوبات الاكتئاب أعراض من قبيل نوبات البكاء، والنظرة السوداوية للحياة، بالإضافة إلى تجنّب الالتقاء مع الآخرين.
في يومياتها تساءلت سارة الجربي عن وجع الروح المتألمة، عبرت عما يعيشه مريض ثنائي القطب، نجت سارة الحقيقية وكتبت ألمها في مذكراتها التي التقطتها مروى المناعي فأعادت كتابتها لتكون نصا مسرحيا مشحونا بطاقة من التساؤل والنقد.