بغداد وواشنطن توقعان صفقات ضخمة لإنهاء أزمة الكهرباء وتقليل الاعتماد الإيراني

مذكرات التفاهم تشمل إنشاء محطات توليد بقدرة إجمالية تصل إلى 24 ألف ميغاواط ومشاريع للطاقة الشمسية بقدرة 3 آلاف ميغاواط.
الخميس 2025/04/10
خطوة نحو الاستقلال الطاقي

بغداد - أعلنت الحكومة العراقية الأربعاء عن توقيع مذكرات تفاهم ضخمة مع شركات أميركية رائدة لتنفيذ مشاريع كهربائية طموحة، تشمل إنشاء محطات توليد بقدرة إجمالية تصل إلى 24 ألف ميغاواط ومشاريع للطاقة الشمسية بقدرة 3 آلاف ميغاواط، في خطوة استراتيجية تهدف إلى تعزيز استقلاليته في قطاع الطاقة وتقليل اعتماده على واردات الغاز الإيراني.

وأوضح المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في بيان أن وزارة الكهرباء العراقية وقعت مذكرة تفاهم مع شركة "جي إي فيرنوفا" لتنفيذ مشاريع لمحطات إنتاج الطاقة ستكون الأوسع والأحدث في تاريخ البلاد، وستعمل بتقنية "الدورة الغازية المركبة" لإنتاج نحو 24 ألف ميغاواط باستخدام الغاز والنفط الثقيل كوقود.

كما تم توقيع مذكرة تفاهم أخرى بين وزارة الكهرباء ومجموعة "يو تي جي رينيوبال" الأميركية لإنشاء مشروع متكامل للطاقة الشمسية بقدرة 3 آلاف ميغاواط، بالإضافة إلى أنظمة لتخزين الطاقة بالبطاريات تصل سعتها إلى 500 ميغاواط/ساعة، وتحديث وتطوير خطوط نقل وتوزيع الكهرباء، وإنشاء بنية تحتية جديدة لنقل التيار المباشر عالي الجهد بطول يصل إلى 1000 كيلومتر.

وتتجاوز هذه الاتفاقيات مجرد التنفيذ لتشمل جوانب حيوية أخرى مثل نقل التكنولوجيا، وتوفير برامج التدريب المتخصصة، وعمليات التشغيل والصيانة المستدامة لهذه المشاريع.

وقد شهد توقيع هذه المذكرات حضور رئيس الوزراء العراقي، الذي أكد خلال استقباله وفدا اقتصاديا من غرفة التجارة الأميركية ورؤساء شركات ومستثمرين أميركيين، على عزم العراق إنهاء مشكلة حرق الغاز المصاحب لعمليات استخراج النفط بحلول مطلع عام 2028، مشيرا إلى أن العراق يمتلك مخزونا هائلا من الغاز الطبيعي يجعله من بين العشرة الأوائل عالميا.

كما كشف نائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون الطاقة وزير النفط حيان عبدالغني السواد، خلال ملتقى نظمته غرفة التجارة الأميركية العراقية في بغداد، عن سعي الوزارة لاستثمار أكثر من 70 بالمئة من الغاز المحترق حاليًا، وصولا إلى الاستثمار الكامل للغاز المنتج قبل عام 2030.

وتأتي هذه التحركات في ظل ضغوط متزايدة من الولايات المتحدة على العراق لتقليل اعتماده على واردات الطاقة والغاز من إيران، خاصة بعد إلغاء إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للإعفاء من العقوبات الذي كان يسمح لبغداد بسداد ثمن الكهرباء المستوردة من طهران منذ عام 2018، وذلك في وقت تواصل فيه واشنطن حملة "أقصى الضغوط" على طهران.

ويستورد العراق حاليا نحو 50 مليون قدم مكعب من الغاز الإيراني، وهو ما يمثل ثلثي إنتاج الطاقة الإيرانية، لتشغيل محطاته الكهربائية.

ويواجه العراق أزمة مزمنة في توفير الطاقة الكهربائية منذ تسعينيات القرن الماضي، تفاقمت بسبب الحروب والعقوبات والإهمال اللاحق. وتحتاج البلاد إلى حوالي 50 ألف ميغاواط لتلبية احتياجاته في فصل الصيف، بينما لا يتجاوز إنتاجه الحالي 28 ألف ميغاواط وفقا للأرقام الرسمية.

وقد تفاقمت أزمة نقص الكهرباء مؤخرا بسبب توقف إمدادات الغاز الإيراني بشكل كامل لفترات، مما أدى إلى انخفاض كبير في ساعات التغذية الكهربائية في معظم أنحاء البلاد.

وكان رئيس الوزراء السوداني قد دعا الإدارة الأميركية إلى تمديد الإعفاء من العقوبات على استيراد الغاز الإيراني حتى يتمكن العراق من تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج الطاقة بحلول عام 2028.

ويُعد العراق ثاني أكبر دولة في العالم بعد روسيا في حرق الغاز المصاحب لعمليات استخراج النفط، حيث قدرت إدارة معلومات الطاقة الأميركية حجم الغاز المحروق بنحو 629 مليار قدم مكعب، وهي كمية كافية لتزويد 3 ملايين منزل بالطاقة، مما يمثل خسائر اقتصادية وبيئية هائلة للبلاد.

وتمثل هذه الاتفاقيات مع الشركات الأميركية خطوة حاسمة وهامة نحو معالجة أزمة الكهرباء المزمنة في العراق وتقليل اعتماده على الطاقة الإيرانية. وتعد القدرة الإنتاجية المتوقعة من هذه المشاريع، خاصة محطات "جي إي فيرنوفا" بقدرة 24 ألف ميغاواط، نقلة نوعية في تاريخ قطاع الكهرباء العراقي.

ويعكس التركيز على الطاقة الشمسية وتخزين البطاريات وتحديث شبكات النقل والتوزيع رؤية مستقبلية تهدف إلى تنويع مصادر الطاقة وتحسين كفاءة الشبكة وتقليل الهدر، فيما يضمن وإدراج بنود لنقل التكنولوجيا والتدريب بناء قدرات عراقية مستدامة في قطاع الطاقة.

يبقى التحدي الأكبر في التنفيذ الفعال والسريع لهذه المشاريع على أرض الواقع، وتجاوز العقبات البيروقراطية والمالية والأمنية التي قد تعترض طريقها. كما أن التزام الحكومة العراقية بإنهاء حرق الغاز المصاحب بحلول عام 2028 يمثل هدفًا طموحًا يتطلب استثمارات ضخمة وتخطيطًا دقيقًا.

على المدى الطويل، إذا نجحت هذه الخطوات، فإنها ستعزز من استقلال العراق في قطاع الطاقة، وتقلل من نفوذ إيران في هذا الملف الحيوي، وتساهم في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي من خلال توفير طاقة كهربائية مستدامة للمواطنين والقطاعات الاقتصادية المختلفة.