بغداد توظف ورقة القضاء لتعزيز قبضتها على إقليم كردستان

بعض الأطراف الشيعية لديها إرادة لتقويض إقليم كردستان، والقضايا التي رفعت ضده ذات طابع سياسي.
الأحد 2024/04/07
الاتفاق لا يلغي الخلافات

بغداد - بعد عقود من صراعات مدمّرة، تستغل السلطات الاتحادية في بغداد فترة من الاستقرار النسبي في البلاد لتعزيز قبضتها على كردستان العراق من بوابة المحكمة الاتحادية، وإعادة بلورة علاقاتها مع الإقليم. وتشهد العلاقة بين الحكومة العراقية وسلطات إقليم كردستان توتراً متصاعداً على خلفية قرارات قضائية صدرت مؤخرا ندّدت بها أربيل التي طالما حظيت بدعم من واشنطن ودول غربية أخرى، معتبرة أن هدفها "تقويض صلاحياتها".

ويعود التوتر الأخير بشكل رئيسي إلى قضايا تتعلق بصادرات النفط من الإقليم، ودفع رواتب موظفي مؤسساته الرسمية، فضلاً عن الانتخابات التشريعية المحلية. علما أنها ملفات تسمّم العلاقة بين بغداد وأربيل منذ عقود. وقال رئيس وزراء الإقليم مسرور بارزاني الشهر الماضي "هناك مخططات عديدة تهدف إلى تقويض كيان إقليم كردستان بشتى الوسائل"، مشددا على أن "إنشاء كردستان لم يكن هدية أو معروفاُ، بل كان ثمرة كفاح طويل".

وينتمي بارزاني إلى أكبر أحزاب إقليم كردستان، الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتمتع بالغالبية في البرلمان المحلّي، وكانت له صراعات تاريخية مع الاتحاد الوطني الكردستاني، ثاني أحزاب شمال العراق. وبينما كانت المناطق العراقية الأخرى خلال عقود تشهد نزاعات وأزمات متتالية، قدّم إقليم كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي منذ العام 1991، نفسه على أنه واحة للاستقرار والازدهار الاقتصادي.

مسرور بارزاني: هناك مخططات عديدة تهدف إلى تقويض كيان إقليم كردستان بشتى الوسائل
مسرور بارزاني: هناك مخططات عديدة تهدف إلى تقويض كيان إقليم كردستان بشتى الوسائل

لكن كل المناطق العراقية تعاني من مشاكل متشابهة مثل الفساد المستشري والانقسامات السياسية والنخب الحاكمة التي تمسك بزمام السلطة منذ عقود. وبرغم تحسّن الوضع بين بغداد وأربيل بعد وصول رئيس الحكومة محمّد شياع السوداني إلى السلطة في أواخر عام 2022، عادت العلاقة لتتعقّد، إذ يبدو أن بعض الأحزاب الداعمة للحكومة بدأت بمراجعة مواقفها منها.

والحكومة الاتحادية الحالية مدعومة أساساً من “الإطار التنسيقي”، وهو تحالف أحزاب شيعية يتمتع بالغالبية في البرلمان العراقي. وقال مسؤول سياسي في بغداد رفض الكشف عن اسمه لحساسية القضية، إن الوقت حان لـ”تصحيح أخطاء” سابقة. وأوضح لوكالة فرانس برس أن “الحكومات المتعاقبة كانت مشغولة بمشاكل وظروف صعبة منها هجوم داعش والتظاهرات (ضد السلطة في 2019) والأزمة الاقتصادية، ما أبعدها عن التحرك ضد الأخطاء التي يمارسها الإقليم".

ومن بين الأخطاء، على حد قوله، "الاتفاقيات النفطية التي عقدها الإقليم وتصديره للنفط ونظامه المالي والكثير من القرارات غير القانونية". وأضاف "حان الوقت لتصفية هذه الأخطاء". وفي فبراير الماضي ألزمت المحكمة الاتحادية العليا، أعلى هيئة قضائية في العراق، بغداد بدفع رواتب الموظفين الحكوميين في الإقليم بشكل مباشر بدلاً من المرور عبر السلطات المحلية التي طالما تأخرت في صرفها.

في اليوم ذاته، أصدرت قراراً بتخفيض عدد مقاعد برلمان كردستان من 111 إلى 100 لتحذف بذلك فعلياً المقاعد المخصصة للأقليات. وكان نواب من الاتحاد الوطني ومحامون في السليمانية، معقل الحزب ذاته، تقدموا بالشكوى أمام المحكمة. ودفعت هذه القرارات بالحزب الديمقراطي الكردستاني إلى إعلان مقاطعة الانتخابات التشريعية المحلية المزمع عقدها في 10 يونيو القادم، في خطوة تثير الخشية من تأجيل التصويت مرة جديدة بعدما كان يفترض عقد الانتخابات في 2022.

وزادت القرارات القضائية من حدّة توتر قائم أساساً بين أربيل وبغداد على خلفية تصدير النفط من الإقليم. وكانت لإقليم كردستان مصادر تمويل مستقلة عن بغداد لسنوات متأتية من صادراته النفطية عبر تركيا، والتي كان يقوم بها دون موافقة الحكومة المركزية. لكن منذ مارس 2023، توقّفت تلك الصادرات جراء قرار لهيئة التحكيم في غرفة التجارة الدولية في باريس التي حكمت لصالح العراق في نزاعه مع تركيا بهذا الشأن.

◙ تعدّد الشكاوى يقوّض الثقل السياسي في إقليم كردستان وتحديدا ثقل الحزب الديمقراطي الكردستاني

ووافقت أربيل لاحقاً على أن تمرّ مبيعات نفط الإقليم عبر بغداد، مقابل الحصول على نسبة من الموازنة الاتحادية. لكن الاتفاق لم ينفّذ بعد. ويرى الباحث ومدير مركز التفكير السياسي في بغداد إحسان الشمري أن "هناك إرادة لدى بعض الأطراف السياسية الشيعية لتقويض الكيان الدستوري لإقليم كردستان، فضلاً عن حالة من الثأر السياسي". ويوضح الشمري أن "القضايا التي رفعت ضد الإقليم ذات طابع سياسي، لكن القرارات (القضائية) التي صدرت ضده دستورية".

ويرى أن "تعدّد الشكاوى يقوّض الثقل السياسي في إقليم كردستان وبالتحديد (ثقل) الحزب الديمقراطي الكردستاني". ولطالما رسمت المنافسة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني الذي تجمعه علاقة أكثر ودية مع بغداد، معالم السياسة في الإقليم.

وخلال لقاء جمعه بنواب عن الاتحاد الوطني الكردستاني، شدّد السوداني الشهر الماضي على ضرورة “المباشرة بتمويل الإقليم وفق قرار المحكمة الاتحادية”. كما تمّ التأكيد خلال اللقاء على “مواصلة الحوارات” بين بغداد وأربيل "إزاء الملفات المشتركة، وأن تكون المعالجات على وفق ما نصّ عليه الدستور".

لكن عضو مجلس النواب العراقي عن الحزب الديمقراطي الكردستاني صباح صبحي اعتبر أن ما يجري "التفاف حول بنود الدستور من جانب قوى سياسية تحاول تغيير الواقع السياسي والديمقراطي المرتكز على الفيدرالية واللامركزية الإدارية إلى المركزية الإدارية والسلطوية". وأعرب عن أسفه للخلافات التي تعصف بـ"البيت الكردي"، كون الاتحاد الوطني الكردستاني دعّم قرارات المحكمة.

واستنكر رئيس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني في بيان “التشهير بالمحكمة الاتحادية"، مشددا على أنها "محكمة مستقلة مهنية ساهمت في حماية النظام السياسي في العراق".

3