بغداد تعزز تقاربها مع دمشق من بوابة التعاون الطاقي

مهمة وفد أرسله السوداني لدمشق لا يقتصر على بحث الملف النفطي بل يشمل كذلك ملفات أمنية تتعلق بالتعاون في مكافحة الإرهاب واقتصادية تتمثل في توسعة فرص التبادل التجاري بين البلدين ما يشير لتغير هام في السياسات العراقية تجاه سوريا.
الجمعة 2025/04/25
تقارب تفرضه المصالح المشتركة رغم الانتقادات في الداخل العراقي

دمشق/بغداد - أعلن مكتب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، اليوم الجمعة، عن إرسال وفد حكومي رفيع إلى سوريا لبحث إمكانية إعادة تشغيل أنبوب النفط العراقي الذي يمر عبر الأراضي السورية إلى موانئ البحر المتوسط. وترأس الوفد رئيس جهاز المخابرات الوطني حميد الشطري، في خطوة تنطوي على أبعاد اقتصادية واستراتيجية، وتكشف عن توجه نحو تعزيز العلاقة مع السلطات السورية، وسط انتقادات داخلية لا تخلو من الحدة، خصوصاً من بعض قوى "الإطار التنسيقي" وقيادات ميليشيات نافذة.
وبحسب البيان الرسمي، فإن مهمة الوفد لا تقتصر على الملف النفطي، بل تشمل كذلك ملفات أمنية تتعلق بـ"التعاون في مكافحة الإرهاب، وتأمين الحدود المشتركة، وتوسعة فرص التبادل التجاري بين البلدين". كما جاء في البيان أن الجانبين "سيدرسان إمكانية تأهيل الأنبوب العراقي لنقل النفط عبر الأراضي السورية إلى موانئ البحر الأبيض المتوسط"، في مؤشر إلى نوايا حقيقية للمضي نحو شراكة طاقية واقتصادية واسعة.

ويعد التحرك العراقي الجديد باتجاه سوريا تحولا تدريجيا من نهج المراقبة والحذر إلى مسار الانخراط الفعلي في التعاون مع السلطات السورية الجديدة، التي باتت تفرض نفسها كلاعب إقليمي يسعى إلى استعادة مكانته وسط الانفتاح العربي والدولي المتزايد على دمشق. ويأتي ذلك في وقت تشهد فيه الساحة العربية محاولات جدية لطي صفحة العزلة التي فُرضت على سوريا بعد اندلاع الحرب الأهلية قبل أكثر من عقد.
وكان السوداني قد التقى الرئيس السوري أحمد الشرع، في الدوحة هذا الشهر، في أول لقاء يجمع الزعيمين منذ الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد في ديسمبر الماضي. اللقاء حمل دلالة رمزية قوية، وجاء تتويجاً لمسار من التواصل المتدرج، بدأ بزيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى بغداد، تلتها دعوة وجهها السوداني شخصياً للشرع لحضور القمة العربية المقبلة في مايو، والتي من المتوقع أن تشهد حضوراً سورياً للمرة الأولى منذ سنوات.
ويمثل أنبوب النفط العراقي عبر سوريا، الذي توقف عن العمل منذ سنوات بسبب الحرب، ورقة استراتيجية مهمة للطرفين. فبالنسبة للعراق، فإن إعادة تشغيل الأنبوب توفر منفذاً إضافياً لتصدير النفط بعيداً عن المضائق التقليدية التي قد تتأثر بالاضطرابات أو الضغوط الإقليمية. أما سوريا، الغارقة في أزمة طاقة خانقة، فترى في هذه الخطوة فرصة لإحياء جزء من بنيتها التحتية المدمرة والاستفادة من رسوم العبور.
وبينما تعاني دمشق من صعوبات في استيراد النفط بسبب العقوبات الغربية والمخاطر المالية، فإن التعاون مع بغداد يمكن أن يشكل بديلاً عملياً يدفع نحو استقرار نسبي في قطاع الطاقة، ويخفف من اعتمادها على الوسطاء المحليين أو الحلفاء التقليديين الذين يواجهون هم أيضاً قيوداً دولية.
لكن التقارب المتسارع مع دمشق لا يحظى بإجماع داخلي في العراق، حيث يواجه السوداني انتقادات متزايدة من بعض مكونات "الإطار التنسيقي"، ولا سيما من الأطراف المرتبطة بإيران التي لا تزال تتعامل بحذر مع التغيرات في بنية السلطة السورية بعد رحيل الأسد. وتخشى بعض القيادات في الفصائل المسلحة من أن يؤدي هذا الانفتاح إلى تغييرات في موازين القوى على الأرض السورية، بما قد يضعف نفوذها هناك أو يدخل فاعلين جدد إلى الساحة.
وفي المقابل، يرى مراقبون أن الحكومة العراقية تتصرف من منطلق المصالح العليا للدولة، وتسعى إلى تأمين حدودها الغربية وتعزيز التعاون مع دمشق في ملفات تتصل بالأمن والاقتصاد والطاقة، بعيداً عن الاعتبارات الأيديولوجية أو الولاءات الخارجية.
والتحرك العراقي لا يتوقف عند البعد النفطي، بل يندرج ضمن رؤية أشمل لتعزيز التعاون الاقتصادي مع سوريا في قطاعات متعددة، تشمل التجارة والنقل والبنية التحتية. ومن المتوقع أن تلي زيارة الوفد الحالي خطوات أخرى تمهّد الطريق لتوقيع اتفاقيات ثنائية في مجالات مختلفة.
ويعتقد محللون أن نجاح هذا المسار مرهون بمدى قدرة بغداد ودمشق على تجاوز الضغوط الخارجية، والتغلب على التحديات اللوجستية والسياسية التي تعرقل تنفيذ المشاريع المشتركة. لكن مجرد بدء المحادثات يعكس إرادة سياسية متزايدة في البلدين للانخراط في مرحلة جديدة من العلاقات قد تشكل نقطة تحول مهمة في المشهد الإقليمي.

وفي نيويورك، قال وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إن العلاقة بين البلدين هي “علاقة تاريخية وعائلية وتجارية وأمنية”.

وأضاف في تصريحات صحافية، “هناك الكثير من المخاطر المشتركة، وأيضا من المصالح المشتركة” موضحا “نحن اليوم ننظر الى العراق كشريك إقليمي ونريد أن نطور هذه العلاقة التي تعرضت في الماضي للكثير من التشويه على يد نظام البعث العراقي والسوري”.

وتأمل دمشق بنسج علاقة وثيقة مع بغداد، نافية وجود “أي خلافات حالية”. وقال الشيباني “ما يجمعنا هو التحديات الأمنية المشتركة: ضبط الحدود، التعاون والتشارك الاقتصادي، وأيضا نريد أن نكون الى جانب دول المنطقة خاصة العراق ولبنان والاردن وتركيا كدول متجانسة يجمعها التعاون والاحترام”.