بغداد تخفف الضغط على أربيل تجنبا لانفجار شعبي بمفعول الدومينو

الثلاثاء 2018/01/02
ما أجرى دموع أربيل قد يبكي بغداد دما

بغداد - لاحت، الاثنين، بوادر انفراجة في ملف العلاقات المتوتّرة بين الحكومة العراقية المركزية وحكومة إقليم كردستان، وذلك مع تسجيل تقدّم طفيف في ملفّ الحوار الذي تطالب حكومة الإقليم بالتسريع في إجرائه تحت ضغط الأزمة السياسية والاقتصادية الحادّة التي تمرّ بها، فيما تتلكّأ بغداد في الاستجابة لتلك المطالبة تحت طائلة الضغوط المسلّطة عليها من قوى سياسية وأحزاب نافذة يبدو أنّها وجدت في قضية الاستفتاء الذي أجري في سبتمبر الماضي على استقلال الإقليم فرصة لتصفية الحسابات مع القيادة الكردية، وتحديدا من زعامة الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة آل البارزاني.

وكشفت مستشارية الرئيس العراقي فؤاد معصوم، الاثنين، عن تفاهمات جديدة بشأن تشكيل لجنة عليا للحوار بين بغداد وأربيل وذلك برئاسة معصوم نفسه.

وقال أمير الكناني المستشار بالرئاسة لموقع السومرية الإخباري إنّ هناك مبادرة طرحها رئيس الجمهورية للحوار وإنّه أرسل رسالة بشأنها إلى طرفي الأزمة، إضافة إلى الأمم المتحدة، مؤكّدا وجود تفاهمات بشأن تشكيل اللجنة.

ومن جهتها أكّدت مصادر سياسية قريبة من حكومة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، أنّ الأخير أصبح أميل إلى تسريع وتيرة حلّ جميع الخلافات العالقة مع حكومة إقليم كردستان، وأنّه يتّجه إلى التخلّي عن شروطه الصارمة لبدء الحوار مع أربيل وعلى رأسها إعلانها الصريح والرسمي عن إلغاء نتائج الاستفتاء على الاستقلال.

وشرحت المصادر ذاتها أنّ موقف العبادي هذا ناتج عن تراجع ضغوط الجهات المتشدّدة في الموقف من الإقليم وحكومته، وتحديدا قادة الأحزاب الشيعية الأكثر ارتباطا بطهران وفي مقدّمتها حزب الدعوة الإسلامية بقيادة نوري المالكي.

ومأتى ذلك التراجع، بحسب نفس المصادر، هو الخوف من عودة الاحتجاجات الجماهيرية المرتبطة بالأزمة السياسية والاقتصادية في إقليم كردستان، وانتشارها من ثمّ إلى باقي مناطق ومحافظات العراق.

وقال مصدر مقرّب من رئاسة الحكومة إنّ العبادي تلقّى نصيحة واضحة بالإسراع في تنفيس الاحتقان من حكومة أربيل، ومساعدتها قدر الإمكان على تجاوز أزمتها المالية، بتسريع دفع أكبر قدر ممكن من مرتّبات موظّفي الإقليم، لتجنّب عودة الاحتجاجات إلى محافظة السليمانية مخافة انتقال شرارتها إلى عموم المحافظات العراقية، أسوة بما يجري في إيران المجاورة، وخصوصا مع معرفة العراقيين بمقدار ارتباط شخصيات وأحزاب سياسية ذات مواقع قيادية في البلاد بطهران وسياساتها.

وغير بعيد عن أجواء الميل لتخفيف الاحتقان، قال الكناني إن “جميع الأطراف أبدت رغبتها في الإعداد للحوار لكن حتى اللحظة لا توجد جهة محددة لرعايته، وبالتالي أصبحت الفكرة بأن تشكل لجنة برعاية رئيس الجمهورية”، معبّرة عن وجود آمال بأن “تبدأ الحوارات الأسبوع المقبل”.

أمير الكناني: جميع الأطراف أبدت رغبتها في الحوار الذي نأمل أن يبدأ الأسبوع المقبل

ويعتبر متابعون للشأن العراقي أنّ تأثّر الملف الكردي العراقي بالأوضاع الإقليمية، ولا سيما بما يجري في إيران وتركيا، أمر طبيعي وقد ظهر كأوضح ما يكون خلال الأزمة الحادّة التي اندلعت إثر إقدام حكومة أربيل على تنظيم استفتاء على استقلال إقليم كردستان، الأمر الذي أثار فزعا في طهران وتركيا جعلهما تنخرطان بقوّة في مساعدة بغداد على مواجهته وإحباطه بحزم وسرعة.

ولم تلبث جهات عراقية نافذة أن رأت في قضية الاستفتاء مناسبة لإسقاط حكم آل البارزاني عبر التصدّي لأي توجّه من بغداد للحوار مع أربيل وعبر حثّ الحكومة العراقية على تضييق الخناق الاقتصادي على حكومة الإقليم إلى درجة تفجير الشارع الكردي بوجهها.

لكن، ومع تفجّر موجة عاتية من الغضب الشعبي في إيران المجاورة، بدأت تطفو إلى السطح مخاوف من انتقال موجة الغضب إلى الشارع العراقي، انطلاقا من الشارع الكردي.

وحملت الاضطرابات التي شهدتها عدّة أنحاء من إقليم كردستان العراق أواخر ديسمبر الماضي مؤشّرا على حالة الاحتقان الشديد المتراكمة لدى سكّان الإقليم، والتي بلغت درجة الانفجار مع اشتداد وطأة الأزمة الاجتماعية الناتجة عن سوء الأوضاع الاقتصادية وحالة شبه الإفلاس المالي، إلى درجة عجز الحكومة المحلية عن تسديد رواتب الموظّفين.

ويرجّح متابعون للشأن العراقي أن تكون الفترة القادمة، فترة غضب جماهيري غير مسبوق، بعد طيّ صفحة الحرب على تنظيم داعش، والتي ساهمت، رغم المآسي التي تسبّبت بها في كشف هشاشة أوضاع البلاد، وعرّت مساوئ العملية السياسية الجارية، ومقدار فساد الطبقة الممسكة بزمام السلطة.

ورغم أنّ إقليم كردستان ينفرد في الوقت الراهن، عن باقي أنحاء العراق، باشتداد أزمته، سواء السياسية المترتّبة على فشل مغامرة استفتاء الاستقلال، أو المالية الناجمة عن فقدانه أغلب موارده من بيع النفط بعد سيطرة الحكومة المركزية على أهم الآبار في محافظة كركوك، فإن باقي المحافظات العراقية ليست أفضل حالا، وخصوصا محافظات شمال وغرب البلاد حيث دارت أغلب فصول الحرب على تنظيم داعش مخلّفة أوضاعا اجتماعية واقتصادية بالغة الصعوبة والتعقيد.

ومنذ دخول تنظيم داعش إلى تلك المناطق وانطلاق الحرب ضدّه وما نجم عنها من حركة نزوح شديدة الكثافة، لم تشهد مدن مثل بعقوبة مركز محافظة ديالى، وتكريت مركز محافظة صلاح الدين والرمادي مركز محافظة الأنبار، وغيرها من مدن تلك المحافظات، احتجاجات شعبية تذكر، باستثناء، بعض الوقفات النادرة لأعداد محدودة من المواطنين، تفاعلا مع بعض الأحداث، أو للإدلاء بمطالب آنية عاجلة.

ومع تدرّج مناطق شمال العراق وغربه، نحو الاستقرار، بعد انتهاء المعارك الرئيسية ضدّ تنظيم داعش وتسجيل عودة الكثير من السكّان إلى مدنهم وقراهم، سيكون من المرجّح، اندلاع موجات واسعة من الغضب الشعبي في تلك المناطق، بسبب سوء الأحوال المعيشية والتردي الشديد في الخدمات، بل انعدامها في أغلب الأحيان، فضلا عن حالة النقمة الشعبية على الطبقة السياسية، وعلى الإدارة سواء منها المركزية أو المحلّية، وما بدا منها من تقصير في معالجة أوضاع السكّان أثناء الحرب، إلى درجة تورّط العديد من المسؤولين في سرقة المساعدات التي كانت توجّه للنازحين.

3