بعد مئتي عام عودة إلى الذكريات المغربية للرسام الفرنسي أوجين دولاكروا

المعرض يكشف العلاقة الوجدانية التي ربطت الرسام بالمغرب، باعتباره أول سفير للأنوار والألوان والأزياء والتقاليد المغربية.
الخميس 2021/07/08
أعمال لفتت الانتباه إلى عوالم شمال أفريقيا

الرباط – عاد الرسام الفرنسي أوجين ديلاكروا (1798-1863) إلى المغرب، من خلال لوحاته ومقتنياته، بعد رحلة أولى فعلية، قادته إلى المغرب منذ نحو 190 عاما، خلدها بلوحات حملت لمسات من مخيلته وذاكرته الفنية، تنطق بالدهشة والانبهار.

وافتتح أخيرا بـ متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر بالرباط معرض “دولاكروا، ذكريات رحلة إلى المغرب”، وهو الأول من نوعه في القارة الأفريقية والعالم العربي.

 ويؤرخ المعرض الذي يستمر إلى غاية الـ9 من أكتوبر 2021، للرحلة التي قام بها أوجين دولاكروا إلى المغرب سنة 1832، وذلك من خلال توليفة مختارة من اللوحات والرسومات والألوان المائية والملابس والأسلحة والموسيقى والآلات التي أحضرها من رحلته ورافقته طوال حياته المهنية كفنان.

ومثل العديد من الفنانين من جيله، كان دولاكروا يحلم منذ فترة طويلة بمشرق ذي معالم جغرافية غير محددة، كما أن قصائد بايرون والقطع والمنسوجات، التي جلبها أصدقاؤه من أسفارهم، واللوحات والنقوش التي تمثل أزياء وعوالم شرقية، أغنت خياله قبل القيام برحلة حياته إلى المغرب. وبعد عودته إلى فرنسا وحتى وفاته، لم يفتأ دولاكروا عن تضمين  كل التفاصيل التي تأثر بها خلال الرحلة في أعماله الفنية.

ومن خلال التحف التي جمعها دولاكروا من رحلته، والتي تضم آلات موسيقية وأسلحة وقوارير البارود وحقائب جلدية وأطباق خزفية وأباريق وملابس رجالية مطرزة، يتيح هذا المعرض الذي تنظمه المؤسسة الوطنية للمتاحف والمتحف الوطني أوجين دولاكروا التابع لإدارة المؤسسة العامة لمتحف اللوفر باكتشاف العلاقة الوجدانية التي ربطت دولاكروا بالمغرب، باعتباره أول سفير للأنوار والألوان والأزياء والتقاليد المغربية، التي عكسها بمهارة في رسوماته ولوحاته.

وفي كلمة بالمناسبة أكد مهدي قطبي رئيس المؤسسة الوطنية المغربية للمتاحف أن هذا المعرض سيسمح باكتشاف دولاكروا “الرسام الذي جلب الألوان وأحدث ثورة في المشهد الفني في عصره”، والعودة إلى رحلته التي قام بها إلى المغرب، والتي تشكل  مفتاحا لقراءة فترة معينة من التاريخ المغربي وفهمها، خاصة على الصعيدين الدبلوماسي والفني.

وأبرز قطبي أهمية هذا المعرض الذي يعتبر “مصدر فخر” للمغرب.

كما نوهت مديرة المتحف الوطني أوجين دولاكروا والمندوبة المشاركة للمعرض كلير بيسيد بـ”نظرة الخبراء” التي تتمز بها أعمال دولاكروا، مسلطة الضوء على الأثر الذي كان للمغرب على المسار الفني لهذا الفنان الذي ميز عصره.

وقالت إن “أوجين دولاكروا سيمثل المغرب لأكثر من 30 عاما من خلال لوحاته التي رسمها في ورشته بباريس”، مشيرة إلى أن الرسام استند “إلى رسوماته وأشيائه وذاكرته وذكرياته” لجعل رحلته إلى المغرب تنبض بالحياة.

Thumbnail

وأشارت إلى أن “دولاكروا هو أول فنان يأتي إلى المغرب”، مبرزة أنه تمكن من خلال لوحاته التي تعكس مشاهد من المغرب من خلق “عالم تصويري متماسك بجودة في الألوان وحداثة في اللمسة، وهو ما كان له تأثير على فنانين مثل ماتيس”.

وأضافت أنه إلى جانب الأهمية التي اكتساها المغرب في أعماله كان لدولاكروا تأثير على العديد من الفنانين الذين ساروا على خطاه، بمن فيهم أوديلون ريدون وبنجامين كونستانت وألفريد ديودنك وهنري رينو وجورج كلاين في القرن العشرين، ولوسيان ليفي وتيوفيل جين ديلاي وأيضا شارل كاموان.

كما “سافر بنجامين كونستانت إلى المغرب على خطى ديلاكروا، كما افتتن الفنانون بشكل خاص بمشاهد الشوارع والمناظر الطبيعية لطنجة”.

وأشار عبدالعزيز الإدريسي مدير متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر والمندوب المشارك للمعرض إلى أن دولاكروا “يعود له الفضل في تغيير توجه الفنانين من إيطاليا والشرق إلى أفريقيا الشمالية ونحو المغرب على وجه الخصوص”.

وسجل أن “هذا العبور نحو أفريقيا الشمالية أعاد بكل بساطة توجيه اهتمام الفنانين الأوروبيين”، مشيرا إلى أن دولاكروا قد شكل مجموعة ذات بعد تراثي “جد مثيرة للاهتمام”.

وتتميز هذه المجموعة الإثنوغرافية والتراثية التي يعود تاريخها إلى بداية القرن الثامن عشر، وفقا للإدريسي، بخصوصية كونها “مجموعة تؤرخ لما قبل هذا السفر وما بعده”.

وأضاف الإدريسي أن “هذه المجموعة سبقت التأثيرات المتأخرة التي وصلت إلى المغرب في النصف الثاني من القرن التاسع عشر”، مبرزا أنها “بمثابة عنصر يمكن أن يشكل مرجعا” لإجراء دراسات وأبحاث حول المجموعات المتوفرة في المتاحف المغربية.

وأعقب حفل الافتتاح الذي أقيم بحضور العديد من أعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدين بالرباط وفاعلين في مجالات الثقافة والإعلام من المغرب وفرنسا استكشاف مختلف الأشياء والأعمال الفنية المعروضة بهذه المناسبة رفقة مندوبي المعرض.

وانسجاما مع إرادة المغرب في الحفاظ على صلة قوية بين المغاربة المقيمين في الخارج وبلدهم الأصلي، تم إقرار تخفيض بنسبة 50 في المئة لولوج المعرض عند تقديم جواز السفر.

Thumbnail
14