بعد عام من حكم رئيسي: إيران توسع حملتها على المجتمع المدني

تزايد الاحتجاجات والانتقادات العلنية يدفع بالنظام الإيراني إلى التسريع من الاعتقالات ضد المعارضين لتشمل وجوها مختلفة من المجتمع المدني، سينمائيين بارزين، ونشطاء على مواقع التواصل، فضلا عن تنفيذ أحكام بالإعدام بأعداد غير مسبوقة لتخويف المجتمع.
باريس - تشهد إيران حملة أمنية تتخللها إعدامات بأعداد غير مسبوقة منذ سنوات واعتقالات واسعة لمعارضين للنظام استهدف بعضها عددا من أبرز المخرجين السينمائيين ومحاكمات لمواطنين أجانب نددت بها عائلاتهم على اعتبارها صورية.
ويبدو أن أيا من شرائح المجتمع لم يسلم من قبضة السلطات، بحسب ناشطين، إذ طالت الحملة ناشطين في نقابات العمال وآخرين يعارضون إرغام النساء على وضع الحجاب فضلا عن أتباع الأقليات الدينية.
يأتي ذلك تزامنا مع مرور عام على تولي الرئيس إبراهيم رئيسي، رئيس السلطة القضائية السابق الذي يعد محافظا متشددا، الحكم خلفا لحسن روحاني الذي يعد أكثر اعتدالا.
ويواجه رئيسي والمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي أزمة اقتصادية ترافقت مع سلسلة من الكوارث بما في ذلك انهيار مبنى أسفر عن سقوط قتلى في آبادان في مايو ما أشعل تظاهرات قليلة الحدوث.
وتعود المشاكل الاقتصادية في معظمها إلى العقوبات التي فرضت على إيران لدفعها إلى الحد من برنامجها النووي. لكن لا توجد مؤشرات حتى الآن تدل على إمكانية اقتراب القوى الدولية والسلطات الإيرانية من تحقيق اختراق في المفاوضات الرامية إلى إحياء اتفاق العام 2015 النووي.

وقال خبير الشؤون الإيرانية في معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية والجامعة الأميركية في بيروت علي فتح الله نجاد إن "الحملة الأمنية الحالية مرتبطة بشكل وثيق بتصاعد الاحتجاجات في إيران".
ولفت إلى أن الاحتجاجات التي خرجت في مختلف أنحاء البلاد في ديسمبر 2017 ونوفمبر 2019 تركت بصمتها على القيادة الإيرانية. وبينما كانت في أساسها مدفوعة بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، إلا أنها “سرعان ما تحولّت إلى سياسية واستهدفت المؤسسة الحاكمة برمّتها".
وأكد لوكالة فرانس برس أن "التظاهرات الشعبية ما زالت تشكّل تهديدا لاستقرار النظام". وكان الازدياد الكبير في عدد الإعدامات لافتا، إذ أعدمت إيران في النصف الأول من العام 2022 ضعف عدد الأشخاص الذين أعدمتهم في العام السابق، بحسب منظمة "حقوق الإنسان في إيران" غير الحكومية التي تتخذ من النرويج مقرا.
وسجّلت المنظمة 318 عملية إعدام شنقا نفّذت هذا العام.
وقالت منظمة العفو الدولية إن إيران تشهد “فورة إعدامات”، إذ باتت عمليات الشنق حاليا تمضي بـ”وتيرة مروعة”. وذكرت منظمة “حقوق الإنسان في إيران” أن عمليات الإعدام شملت عشر نساء، شنقت ثلاث منهن في يوم واحد في السابع والعشرين يوليو بعد إدانتهن بتهمة قتل أزواجهن.
وفي الأثناء، استأنفت إيران أيضا قطع أصابع السجناء المدانين بالسرقة، إذ تعرّض منذ مايو شخصان على الأقل لهذه العقوبة المنفّذة بواسطة مقصلة وضعت خصيصا لهذا الغرض في سجن إيوين في طهران، بحسب منظمة العفو الدولية.
وفي الثالث والعشرين يوليو، نفّذت إيران أول إعدام علني على أراضيها منذ عامين. ويشير مدير منظمة “حقوق الإنسان في إيران” محمود أميري مقدّم إلى أن “السلطات تستخدم الإعدامات واسعة النطاق لبث الخوف في المجتمع لمنع أي تظاهرات جديدة مناهضة للحكومة".
وتتنامى حركة داخل إيران وخارجها تستخدم وسم #إعدام نكنيد أي (أوقفوا الإعدام) تطالب بوقف استخدام عقوبة الإعدام في الجمهورية الإسلامية التي تعدم عددا من الأشخاص سنويا أكثر من أي بلد في العالم باستثناء الصين.
وكان المخرج محمد رسول آف من بين الشخصيات الأبرز الداعية إلى وقف الإعدامات. وفاز فيلمه المؤثر المناهض لعقوبة الإعدام “لا وجود للشيطان” بجائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي عام 2020.
لكن تم توقيف رسول آف مطلع يوليو بعدما نشر مع مجموعة من المخرجين والممثلين رسالة مفتوحة في أواخر مايو تحض قوات الأمن على إلقاء أسلحتها في وجه الاحتجاجات.
واعتقل بعد ذلك المخرج الحاصل على جوائز دولية عدة جعفر بناهي الذي بقي لسنوات غير قادر على مغادرة إيران، عندما ذهب بعد يومين للسؤال عن مكان تواجد رسول آف وقيل له إن عليه قضاء عقوبة بالسجن مدتها ست سنوات سبق وصدرت في حقه.
◙ السلطات الإيرانية تستخدم الإعدامات والاعتقالات واسعة النطاق لبث الخوف في المجتمع ومنع أي تظاهرات جديدة
وينضم هؤلاء إلى معارضين معروفين آخرين خلف القضبان بينهم الناشطة الحقوقية نرجس محمدي التي تخشى مجموعات حقوقية من أن تكون في خطر بسبب مشاكل صحية أخفقت سلطات السجن في علاجها بشكل مناسب. كذلك، شهدت الحملة الأمنية توقيف عدد من أقارب ضحايا قمع السلطات العنيف لتظاهرات نوفمبر 2019 الذين طالبوا بالعدالة لأفراد عائلاتهم.
وقالت الباحثة المتخصصة بالشأن الإيراني لدى "هيومن رايتس ووتش” تارا سبهري فر إن "ما من سبب يدعو إلى الاعتقاد بأن عمليات التوقيف تتعدى كونها خطوات خبيثة لردع الغضب الشعبي حيال إخفاقات الحكومة واسعة النطاق"، متهمة الحكومة باللجوء إلى "رد فعلها القمعي التلقائي القائم على توقيف المعارضين المعروفين".
وشهد الشهران الماضيان أيضا عمليات توقيف استهدفت البهائيين، في إطار ما وصفها “مجتمع البهائيين الدوليين" بـ"أزمة متصاعدة في حملة الحكومة الإيرانية الممنهجة" ضد أكبر أقلية غير مسلمة في البلاد.
وما زال أكثر من 20 مواطنا أجنبيا أو من مزدوجي الجنسية قيد الإقامة الجبرية أو عالقين في إيران، بحسب “مركز حقوق الإنسان في إيران" ومقره نيويورك، في إطار سياسة تصفها عائلاتهم بأنها قائمة على احتجاز الرهائن بهدف انتزاع تنازلات من الغرب.
وفي يوليو، سمحت إيران للمواطنة الألمانية – الإيرانية ناهد تقوي بمغادرة السجن للخضوع إلى العلاج وأطلقت سراح المواطن الأميركي - البريطاني - الإيراني مراد طاهباز مع وضع سوار إلكتروني للمراقبة في كاحله. لكن ما يزالان ممنوعين من مغادرة إيران، بينما يقبع في السجن أيضا مواطن بولندي وآخر بلجيكي إضافة إلى سويدي وفرنسيَين اثنين.
ومن بين المسجونين المواطن الألماني جمشيد شارمهد الذي خطف بحسب عائلته في الخليج في يوليو 2020 ويواجه الآن عقوبة الإعدام في محاكمة يتوقع بأن تُختتم في الأسابيع المقبلة. وقالت ابنته غزال شارمهد "هذه عملية ملفّقة هدفها اضطهاد المعارضين والصحافيين الذين يستخدمون حرية التعبير في العالم الحر.. السماح بحدوث ذلك أمر شائن".