بعد الوقود، إيران تقدم القمح للبنان

الرئيس اللبناني بات يتمسك بأي بارقة أمل لتحريك حظوظ التيار الوطني الحر في الانتخابات خاصة بعد تراجع حضوره في الحاضنة المسيحية.
السبت 2022/03/26
لعبة علاقات عامة

بيروت- قال الرئيس اللبناني ميشال عون في تغريدة على تويتر الجمعة إن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان أكد عقب اجتماعهما في بيروت استعداد إيران لدعم لبنان في كافة المجالات وخاصة توفير القمح، في موقف قالت أوساط سياسية لبنانية إنه يهدف إلى ربط لبنان أكثر بإيران واستغلال الغياب الخليجي أكثر ما يمكن.

واعتبرت أوساط سياسية لبنانية أن إعلان عون عن الدعم الإيراني فيه رسالة سياسية مباشرة تتعلق بالانتخابات، مشيرة إلى أن الرئيس اللبناني وصهره جبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر في حاجة إلى حركة من هذا النوع لتحريك حظوظ الحزب في الانتخابات، خاصة بعد تراجع حضوره في الحاضنة المسيحية والتقدم الواضح لحزب القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع على نطاق واسع، ما سيجعله الحزب الأكثر تمثيلية للمسيحيين.

وترى هذه الأوساط أن عون، الذي كان أكثر شخصية تضررت صورته من انتفاضة 17 تشرين، بات يتمسك بأي بارقة أمل سواء من حليفه حزب الله أو إيران لإنقاذه من الوضع الصعب الذي يمر به سياسيا وشعبيا، كما خسر صورته الخارجية، وأنه صار على استعداد لامتداح إيران وتبرئة حزب الله من كل المآسي التي سبّبها للبنان.

لوري هاتيان: ناقلة واحدة تحمل ما يكفي من الوقود لتلبية احتياجات لبنان لمدة يومين

ولاحظت الأوساط السابقة أن إيران ليست بلدا مصدرا للنفط، وهي تبحث الآن عن استيراد ما يكفيها من القمح، وأن عرضها تقديم دعم للبنان ليس أكثر من حملة علاقات عامة تماما مثلما جرى مع وعودها بتقديم الدعم في المحروقات، حيث أرسلت كميات محدودة خدمت بها صورتها وصورة حزب الله الذي استأثر بشحنات الوقود لنفسه ولأنصاره.

وأضافت أن الرسالة الأهم هي أن إيران تستغل الفراغ الذي تركه الغياب الخليجي عن لبنان، وخاصة غياب السعودية، لتقدم نفسها كنصير للبنانيين وداعم لهم في أزماتهم المختلفة، وتقول لهم أنا أطعمكم وأدفئكم وأحميكم، وليس مهمّا لها أن يتم تنفيذ الوعود أو الاكتفاء بالاستثمار الإعلامي لها.

وكان لبنان يشتري معظم وارداته من القمح من أوكرانيا حتى اندلاع الحرب هناك، وحذر البنك الدولي من أن البلد العربي يعدّ من بين عدة دول نامية ستواجه قريبا نقصا في الإمدادات نتيجة لذلك.

وأبلغ وزير الاقتصاد اللبناني رويترز هذا الأسبوع بأن لبنان يعتزم طرح مناقصة لاستيراد 50 ألف طن قمح من الهند، لكن التوقيت يعتمد على البنك المركزي في فتح الائتمان اللازم.

ويشار إلى أن إيران نفسها بحاجة إلى استيراد نحو ثمانية ملايين طن من القمح بعد أن لحق الضرر بمحصولها في الصيف الماضي بسبب أسوأ موجة جفاف منذ 50 عاما، وهو ما دفع المزارعين إلى العزوف عن زراعة القمح.

◙ إيران تستغل الفراغ الذي تركه غياب السعودية لتقدم نفسها كنصير للبنانيين وداعم لهم في أزماتهم المختلفة

ويقول مراقبون إن ما يهم إيران ليس دعم لبنان، وهي مهما فعلت لن تبلغ ما قدمته إليه السعودية، وأن هدفها الآن هو استثمار قرار الرياض الذي يقضي بوقف التعامل مع لبنان حتى يحسم السياسيون أمرهم، فإما يظلون في خدمة حزب الله أو يفضلون مصالح لبنان، وهو ما يستدعي إظهار موقف واضح من أنشطة الحزب وهيمنة سلاحه على المشهد اللبناني وخوضه معارك خارجية تجلب المزيد من الأزمات إلى البلاد.

ويشير هؤلاء المراقبون إلى أن مقارنة بسيطة بين ما قدمته إيران منذ ظهور حزب الله وتوسع هيمنته وبين ما قدمته السعودية تفضي إلى نتيجة واضحة، وهي أن السعوديين لديهم أفضال كثيرة على لبنان، وأن استمرار غيابهم عن المشهد ستكون له نتائج سلبية كبيرة.

والسعودية هي رابع أكبر أسواق لبنان الخارجية، وغيابها سيعني خسارة استثمارات كبيرة وصلت في عام 2015 إلى ما يقرب من مليار دولار، كما أن منع رعاياها من السفر إلى لبنان سيحرم بيروت من تدفق العملات الأجنبية التي هي في أمس الحاجة إليها، والتي يصرفها السياح السعوديون في الأسواق اللبنانية.

نيد برايس: وقود من بلد خاضع لعقوبات عديدة مثل إيران ليس حلاً مستداما لأزمة الطاقة في لبنان

وكانت إيران أرسلت في يونيو وسبتمبر الماضيين شحنات من الوقود إلى لبنان وسوّق لها حزب الله وحلفاؤها على أنها إنقاذ للبنان، لكن الأزمة عادت إلى ما كانت عليه بمجرد أن اختفى التهويل الإعلامي لوسائل إعلام الحزب وحليفه التيار الوطني.

وفي الوقت الذي كان فيه حزب الله يأمل أن تهاجم الولايات المتحدة شحنات الوقود الإيرانية، فهمت واشنطن اللعبة، واعتبرت أن الأمر لا يتجاوز لعبة علاقات عامة.

وقال المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس إنّ “وقودا من بلد خاضع لعقوبات عديدة مثل إيران ليس حلاً مستداما لأزمة الطاقة في لبنان”.

وأضاف “حسب رأينا هذه لعبة علاقات عامّة يلعبها حزب الله وليست محاولة منه لإيجاد حلّ بنّاء للمشكلة”.

وبالتوازي مع ذلك اعتبر محللون لبنانيون أن ما أرسلته إيران كان قليلا جدا ولا وزن له.

وكانت لوري هاتيان، خبيرة الطاقة اللبنانية، من بين الأوائل الذين رأوا ثغرات في مزاعم حزب الله بأنه سيوزع النفط دون تمييز.

وقالت إن “ناقلة واحدة تحمل ما يكفي من الوقود لتلبية احتياجات لبنان لمدة يومين؛ أي أن عددا قليلا من هذه الناقلات يبقى بعيدا كل البعد عن مدى حاجتنا إليه. وهذا حتى لو قرر حزب الله توزيعه بالتساوي ونعلم أنه لن يفعل ذلك. هذا فقط لقاعدة دعمه”.

1