بعد اختتام دورته في مسقط.. مهرجان المسرح العربي يبدأ التحضير لدورة القاهرة

الدورة الـ15 من المهرجان شهدت هيمنة بارزة للمسرحيين الشباب.
الجمعة 2025/01/17
العرض المتوج رسالة بيئيّة وإنسانية

احتضنت العاصمة العُمانية مسقط فعاليات الدورة الخامسة عشرة من مهرجان المسرح العربي، والذي تُنظّمه سنويا الهيئة العربية للمسرح، وجاء هذا العام بملامح مختلفة نوعا ما، خاصة مع التزايد الملحوظ لعدد الأعمال التي يقدمها مخرجون شباب، ما سمح بإعطاء لمحة عن هواجس المبدعين من أجيال مختلفة.

مسقط - إثر انتهاء الدورة الـ15 من مهرجان المسرح العربي التي استضافتها العاصمة العمانية مسقط هذا العام، أعلن الأمين العام للهيئة العربية للمسرح، إسماعيل عبدالله، عن بدء التحضيرات لاستضافة العاصمة المصرية القاهرة فعاليات الدورة الـ16 من مهرجان المسرح العربي في يناير 2026.

وأوضح عبدالله، في تصريحات إعلامية الخميس، أن المسرحيين العرب شغوفون بالالتقاء من جديد في هذه المناسبة السنوية التي تجمعهم تحت ظل بيتهم الهيئة العربية للمسرح، مشيرا إلى أن مسقط استقبلت الفنانين العرب بكرم وحفاوة، لتكون دورة استثنائية على أرضها، حيث بذل العُمانيون كل الجهود من أجل إنجاح هذه الدورة، في تعاون كبير ليس غريبا عن المسرح العُماني.

أفضل عرض مسرحي

إسماعيل عبدالله: مسقط استقبلت الفنانين بكرم وحفاوة فكانت دورة استثنائية

قال الأمين العام للهيئة العربية للمسرح إن العمل على الدورة المقبلة في القاهرة بدأ منذ اليوم التالي لحفل الاختتام الذي احتضنته مسقط ليل الأربعاء 15 يناير الجاري، منطلقين إلى آفاق جديدة ترسم مستقبل المسرح القادم، لافتا إلى تتويج العرض التونسي “البخارة” بجائزة حاكم الشارقة لأفضل عرض مسرحي خلال الدورة الـ15.

وفاز عرض “البخارة” من إنتاج مسرح أوبرا تونس بالجائزة الكبرى للمهرجان، والعرض من إخراج الصادق الطرابلسي وبطولة رمزي عزيز ومريم بن حسن وعلي بن سعيد وبليغ مكي وبلال سلاطنية، وهو يناقش قضية التلوث في مدينة قابس التونسية وتداعياتها الصحية والنفسية والاجتماعية.

تنطلق المسرحية مع خمس شخصيات تطل من وسط ضباب يحاكي تسرب الأدخنة والغازات في الأجواء، لتروي أوجاع مواطنين يرزحون تحت عبء التلوث الذي نخر الأجساد والأرواح، المولدي وابنه نضال، وابنه يحيى وزوجته دلال عائلة أنهكها التلوث، في مواجهة مالك المشروع المتسبب فيه.

وعلى الخشبة التجأت الرؤية الإخراجية إلى تقنيات سينمائية على غرار المونتاج الموازي الذي يتشابك فيه حدثان مختلفان ومتوازيان في الزمان، وهو ما خلق تأثيرا دراميا. وفي مجاراة لحالة الاختناق التي تسببها “البخارة” (الغازات) المتصاعدة من المجمعات الكيميائية في مدينة قابس التونسية، يتخذ النص المسرحي نسقا تصاعديا توازيه الموسيقى التي تنطلق من نوتة بسيطة مسموعة إلى صخب وضجيج يؤلف تلوثا سمعيا.

مع تدفق الحكايات على الخشبة يجد المشاهد نفسه وجها لوجه مع معضلة التلوث التي ترزح قابس تحت عبئها، وتظهر المعاناة في هيئات مختلفة؛ اختناق، أمراض تنفسية، سرطان، أجنحة مشوهة، موت. 40 سنة من التلوث سعت المسرحية إلى اختزالها في عمل حاول الحفر في قضية بيئية مستمرة، لم تنجح الحكومات المتعاقبة في وضع حد لها، واستندت في ذلك إلى وقائع ملموسة وأحداث حقيقية استقاها المخرج من مناضلين من أجل الحقوق البيئية.

عشرة عروض من أصل 15 عرضا في المهرجان من توقيع مخرجات ومخرجين شباب قدموا جميعا رؤى وجماليات جديدة

وإن كانت “البخارة” تنطلق من معضلة محلية إلا أنها تحمل بعدا كونيا تجلى في السينوغرافيا التي لا تصرح بأن الأحداث تدور في قابس فقط بل تحملك إلى أي مكان في العالم يعاني من آفة التلوث. وعلى نسق الديكور المتحرك تتكثف المعاناة ويحكي الممثلون على ألسنة الشخصيات وجع جيل ما انفك يصرخ من أجل حقه في بيئة صحية، أن يتنفس هواء نقيا وأن يسبح في بحر لا تشوبه المواد الكيميائية.

وفي نقطة فارقة في العرض ينزع الممثل رمزي عزيز الشخصية التي تقمصها ويتحدث بلسانه وهو الذي عايش أثر التلوث في قابس إذ عرفها نعيما بواحاتها وبحرها وصفاء هوائها قبل أن تنتشر فيها رائحة الموت. هذا العمل المسرحي الذي يصور تأثيرات التلوث على الإنسان والبيئة، ينقل هواجس المتضررين من السموم التي تملأ الأجواء ويذكر بحقهم في بيئة سليمة وفي حياة خالية من الأمراض.

دورة الشباب

◙ اللجنة رصدت ملامح جديدة في هذه الدورة منها مشاركة عشرة عروض من أصل 15 عرضا في المهرجان

شمل برنامج الدورة الـ15 من مهرجان المسرح العربي الذي نظمته الهيئة العربية للمسرح بالتعاون مع المؤسسات والجهات الرسمية في سلطنة عُمان 15 عرضا من بينها 11 عرضا ضمن مسار تنافسي على الجائزة وأربعة عروض ضمن مسار غير تنافسي. وأعلنت لجنة التحكيم في بيانها الختامي أنها اختارت خمسة من بين العروض المتنافسة ضمن قائمة مختصرة قبل أن تختار العرض الفائز.

وقال الفنان اللبناني رفيق علي أحمد رئيس لجنة التحكيم في كلمته إن اللجنة رصدت ملامح جديدة في هذه الدورة منها مشاركة “عشرة عروض من أصل 15 عرضا في المهرجان من توقيع مخرجات ومخرجين شباب، قدموا جميعا رؤى جديدة وجماليات تنحو نحو توظيف التكنولوجيا الجديدة والرقمنة.”

وأضاف أن اللجنة لاحظت أيضا “وجود ستة عروض من أصل 15 عرضا بتوقيع ست مبدعات عربيات، من أجيال مختلفة، طرحت أعمالهن قضايا معاصرة تعيشها مجتمعاتنا وتلمست مكامن الأمل والألم.” وأكد أن اللجنة تعتبر كل من تأهل للمشاركة في المهرجان فائزا، وتثمن جهود المسرحيين العُمانيين “الذين رسموا صورة بهية وكريمة لعُمان ومسرحييها.”

وانتظمت الدورة الأخيرة من المهرجان بين التاسع والخامس عشر من يناير الجاري، حيث تنافس أحد عشر عرضا مسرحيا على “جائزة سلطان بن محمد القاسمي لأفضل عرض مسرحي عربي” وهي: “ماكبث المصنع” لفريق كلّية طبّ الأسنان في “جامعة القاهرة”، و“أسطورة شجرة اللبّان” لـ“فرقة مزون” من عُمان، و”البخارة” لفرقة “أوبرا تونس – قطب المسرح”، و“الملجأ” لـ“معمل 612” من الأردن، و“المؤسّسة” لـ“مسرح الصواري” من البحرين، و“بين قلبين” لـ“مشيرب للإنتاج الفنّي” من قطر، و“ريش” لـ“فرقة شادن للرقص المُعاصر” من فلسطين، و“سيرك” لـ“الفرقة الوطنية للتمثيل” من العراق، و”غصّة عبور” لـ“فرقة المسرح الكويتي”، و“كيف نسامحنا؟” لـ“مسرح الشارقة الوطني” من الإمارات، و“هُمْ” لـ“مسرح أنفاس” من المغرب.

وشاركت أربعة عروض ضمن المسار الثاني وهي “ذاكرة صفراء” لـ“فرقة نورس المسرحية” من السعودية، و“عدٌّ عكسي” لـ“فرقة المسرح القومي” من سوريا، و“نساء لوركا” لـ“الفرقة الوطنية للتمثيل” من العراق، و“هاجّة” لـ“بوابة 52 – مسرح الناس” من تونس.

13