بطاريات فوسفات الحديد والليثيوم تُحفّز ازدهار السوق

تؤكد المؤشرات أن تزايد الطلب العالمي على حلول تخزين الطاقة الآمنة والمستدامة، يدفع الباحثين والمطورين إلى ابتكار بطاريات أكثر كفاءة باستخدام فوسفات الحديد واللييثوم ما يفرض حضورها بقوة، مُحفّزة بذلك ازدهار السوق ومؤدية إلى تغييرات إستراتيجية في التصنيع وسلاسل التوريد والاستثمار.
لندن - يشهد قطاع تخزين الطاقة نموا متسارعا في كثير من مناطق العالم، وتتزايد مبادرات تخزين الطاقة واسعة النطاق مع تحسن كفاءة بطاريات فوسفات الحديد والليثيوم (أل.أف.بي) وانخفاض أسعارها.
وتظهر العديد من التقارير والمؤشرات أن معدل نمو هذا القطاع يتخطى الآن معدل نمو مبيعات السيارات الكهربائية، مما يجعله أحد المجالات المهمة ليس فقط بالنسبة لصناعة التعدين، وإنما للتحول الأخضر أيضا.
وتحتوي البطاريات عادة على خليط من المعادن، والمركبات مسؤولة عن التفاعل الكيميائي الذي يخزن في النهاية الشحنة الكهربائية. كما أن التركيب الكيميائي لتلك المواد هو الذي يحدد، بشكل عام، أداء بطارية معينة عبر المعايير المختلفة.
ولكن خلايا أل.أف.بي تتضمن المزيد من الليثيوم مقارنة بخلايا أخرى مثل النيكل والكوبالت والمنغنيز (أن.سي.أم)، ويثير خبراء الصناعة مخاوف من أن الميزة التاريخية للبطاريات القائمة على الحديد لكونها أرخص في الإنتاج يمكن أن تتآكل أو تُمحى بسبب ارتفاع تكاليف المعدن.
ورغم أن السيارات الكهربائية تتصدر حاليا الطلب الإجمالي على البطاريات، إلّا أن مجال تخزين الطاقة يشهد نموا سريعا، حيث تتوقع شركة رو موشن الاستشارية في مجال تحول الطاقة أن يستحوذ على حوالي 20 في المئة من السوق خلال السنوات الخمس المقبلة.
ووفقا لرويترز، ارتفعت مبيعات السيارات الكهربائية العالمية بنسبة 23 في المئة خلال العام الماضي. وأكّد خبراء ومحللي رو موشن أن الطلب على بطاريات التخزين ارتفع بنسبة 51 في المئة، وأنه في طريقه للنمو بنسبة 40 في المئة هذا العام.
ومن أهم مزايا هذه البطاريات أنها لا تستخدم الكوبالت أو النيكل، على عكس البطاريات التقليدية. وطالما كان هذان المعدنان أغلى مكونات إنتاج البطاريات.
وسبق أن كشفت شركة تسلا في 2020 عن خطة جريئة للتخلص من بطاريات الليثيوم – أيون، وهو ما اعتبره العديد من الخبراء آنذاك شبه مستحيل نظرا لكثافة الطاقة العالية في الكوبالت، فهي تتيح مدى قيادة أطول دون شحن السيارة.
وتعتمد بعض طرازات السيارات الكهربائية اليوم بطاريات الحديد والليثيوم الخالية من الكوبالت. لكن هذه البطاريات تأتي في المقام الأول من شركات صينية مثل بي.واي.دي التي تجاوزت تسلا في 2024 لتصبح أكبر منتج عالمي للسيارات الكهربائية.
وأحدثت هذه التحولات اضطرابا في أسواق النيكل والكوبالت على صعيد دولي. ونشرت رويترز خلال الشهر الحالي تقريرا قالت فيه أن “الإنتاج زاد توقعا لزيادة الطلب، خاصة في إندونيسيا، أكبر مُعدّن للنيكل، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، أكبر مُصدّر للكوبالت.”
وكانت قلة من الشركات توفر طرازات السيارات الكهربائية بأسعار معقولة، إلى جانب تباطؤ تطوير شبكات الشحن، من أسباب الحد من تبني المستهلكين للسيارات الكهربائية في الأسواق خارج الصين.
وترى هالي زاريمبا الكاتبة الصحافية المهتمة بشؤون الطاقة والمقيمة في المكسيك أن هذا النمو الضعيف في الطلب دفع العديد من المصنعين إلى تعديل خططهم للتحول إلى السيارات الكهربائية، مما أدى لاحقا إلى انخفاضات كبيرة في أسعار الكوبالت والنيكل العالمية.
وفي الوقت نفسه، انخفضت أسعار بطاريات الليثيوم والحديد. فعلى مدار الثمانية عشر شهرا الماضية، تراجعت الكلفة بنسبة 50 في المئة.
ومن المتوقع أن يؤثر التوسع في استخدام هذه البطاريات بشكل أكبر على أسواق الكوبالت والنيكل، مع احتمال زيادة الطلب على الليثيوم.
وقالت زاريمبا في تقرير نشرته منصة “أويل برايس” الأميركية مؤخرا تُعد هذه أخبارا سارة لقطاع تخزين الطاقة على المدى القصير، حيث أصبح بإمكانه الآن توسيع مشاريعه بتكلفة أقل.
ولئن شكلت هذه التطورات التكنولوجية والمالية حافزا في آخر المطاف لتوسيع تخزين الطاقة على نطاق واسع، فقد أصبح هذا القطاع مهيأ أكثر لنمو هائل.
329.1
مليار دولار حجم قطاع التخزين بحلول عام 2032، بمعدل نمو سنوي قدره 5.2 في المئة
وذكرت مجلة الإيكونوميست البريطانية العام الماضي أن قطاع تخزين الطاقة يتهيأ ليصبح “قطاع الطاقة النظيفة التالي الذي تبلغ قيمته تريليون دولار.”
وتتوقع مؤسسة ألايد ماركت ريسيرش أن يصل حجم القطاع إلى 329.1 مليار دولار خلال السنوات المقبلة، بمعدل نمو سنوي قدره 5.2 في المئة بين عامي 2023 و2032.
ويقدر محللو بنك يو.بي.أس السويسري أن سعة التخزين العالمية سوف تتوسع بمقدار ثمانية أضعاف خلال السنوات المقبلة لمواكبة نمو الطاقة المتجددة.
وتتزايد أهمية تخزين الطاقة مع توسّع اعتماد شبكات الكهرباء على مصادر متقلبة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية. وتخزن هذه البطاريات فائض الطاقة المُولّدة عندما تكون الظروف مثالية (الأيام المشمسة أو فترات الرياح) وتُطلقها عندما يتجاوز الطلب العرض.
ويُعدّ هذا أمرا بالغ الأهمية لضمان أمن الطاقة، بحسب زاريمبا، كما حدث خلال الانقطاعات الشديدة للتيار الكهربائي في إسبانيا والبرتغال خلال الشهر الحالي.
ولا تزال أساسيات نمو قطاع تخزين الطاقة قوية بما يكفي لدعم توقعات السوق المستقرة على الرغم من استمرار حالة الاضطرابات الجيوسياسية.
وبينما يشير المحللون إلى أن التوسع على المدى القريب في السوق الأميركية ثاني أكبر سوق لتخزين الطاقة في العالم حاليا، وهي لا تزال تعتمد على سلاسل التوريد الصينية، قد يواجه تحديات ناجمة عن حالة عدم اليقين المتعلقة بالرسوم الجمركية، فإنهم يؤكدون أن مسار نمو القطاع طويل الأجل لا يزال قائما.