بطء الإعمار وصراع الفرقاء يبقيان سنجار أسيرة مخلفات حقبة داعش

الموصل (العراق)- لا يزال قضاء سنجار بشمال غرب العراق بعد مرور حوالي سبع سنوات على حسم الحرب ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بؤرة للتوتر وعدم الاستقرار وشاهدا على عدم استكمال الدولة العراقية لإجراءات طي صفحة التنظيم المظلمة وما خلفه احتلاله لمناطق البلاد من مآس إنسانية وخسائر بشرية وما أحدثه من دمار في البنى التحتية والمرافق العامّة والخاصّة مازال إلى اليوم يقف عائقا أمام عودة النازحين من القضاء إلى ديارهم، ويحول دون استئناف من عادوا منهم لحياة طبيعية تتوفّر فيها أدنى شروط العيش الكريم.
ولا تعاني سنجار فقط مخلفات الماضي لكنّها تدفع أيضا ضريبة موقعها على الطريق بين الموصل والأراضي السورية وغير بعيد عن الأراضي التركية، ما جعلها مدار صراع بين عدّة قوى من بينها حزب العمّال الكردستاني الذي يلاحقه الجيش التركي في عدة مواقع بشمال العراق بما في ذلك سنجار.
وخلال الفترة الأخيرة برزت مجدّدا أهمية موقع سنجار كممر محتمل لمشروع طريق التنمية الذي اتفق العراق وعدد من بلدان الإقليم على إنجازه، الأمر الذي سيحتّم على الحكومة العراقية معالجة ملف الاستقرار في القضاء بشكل جذري ونهائي.
لكن مقدّمات تلك المعالجة المطلوبة بقوّة لم تَلُح إلى حدّ الآن، وفي انتظار إنجازها سيظل سكان القضاء إما مجبرين على الإقامة خارجه أو العودة إليه ومواجهة ظروف حياة بالغة الصعوبة.
وفي كلّ مرة يقف باسم عيدو أمام باب منزله في قريته شبه المهجورة بمنطقة سنجار يعتريه الذهول من حجم الركام حوله، في مشهد ألفته المنطقة ذات الغالبية الأيزيدية بعد سنوات من انتهاء الحرب على داعش.
وفي باحة منزله في صولاغ – الكهوف الواقعة على بعد 400 كيلومتر شمال غرب بغداد، يقول عيدو الشاب العشريني بحسرة “من أصل ثمانين عائلة، لم تعد إلاّ عشر فقط”.
ويضيف “لا توجد منازل ليسكنوا فيها، لماذا سيعودون. لا يريدون مغادرة خيام النازحين ليقطنوا خياما” فوق أنقاض منازلهم.
واجتاح تنظيم الدولة الإسلامية المنطقة في العام 2014 واستهدف بشكل خاص الأقليات، لاسيما الأيزيديين، فقتلهم وهجّرهم وخطف العديد من نسائهم وأخذهم سبايا.
وفي نوفمبر 2015 تمكّنت القوات المشتركة من طرد عناصر داعش من سنجار بمساندة قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن. وفي أغسطس 2017 أعلنت الحكومة العراقية طرد التنظيم المتطرف من كل محافظة نينوى التي تقع فيها سنجار، قبل أن تعلن الانتصار على الجهاديين في نهاية العام ذاته.
لكن بعد كل هذه السنوات لا تزال قرى وأحياء بكاملها مدمّرة، فيما تعرقل النزاعات السياسية عملية إعادة إعمار منطقة شهدت العديد من المآسي.
وفي صولاغ لا يزال المشهد يذكّر بالحرب؛ منازل مدمّرة، أنابيب مياه وخزانات صدئة، وأعشاب برية بين تشقّقات جدران تشهد على ما كان يوما مكانا للسكن.
ويقول عيدو بأسى “كيف يرتاح قلبي ولا أحد هنا نأنس به لننسى ما حصل”.
وتمكّنت بضع عائلات فقط من إعادة بناء منازلها، بينما اختارت أخرى نصب خيام فوق الأنقاض.
وعاد عيدو وعائلته إلى صولاغ قبل سنوات تنفيذا لأمنية والده المريض الذي أراد أن يقضي آخر أيامه في قريته. ومن حسن حظ العائلة أنها وجدت منزلها محترقا لكنه غير مدمّر، على عكس غالبية منازل القرية.
وبمساعدة من منظمة إنسانية أعاد عيدو تأهيل البيت. لكن أغلب سكان القرية غير قادرين على بناء منازلهم رغم أن “كل ما يحتاجون إليه هو بناء غرفة أو غرفتين”، كما يقول عيدو، مضيفا “لو أن الحكومة أو المنظمات تولت إعادة الإعمار، لعاد جميع السكان”.
وحدّدت السلطات العراقية مؤخرا مهلة تنتهي في 30 يوليو لإغلاق مخيمات النزوح ووعدت بمساعدات مالية وحوافز للعائدين إلى قراهم. وتعهدت الحكومة مرارا بتكثيف جهود إعادة الإعمار ودفع تعويضات للمتضررين.
وأعلنت وزارة الهجرة مؤخرا عودة المئات إلى مناطقهم لكن أكثر من 183 ألفا من أهالي سنجار مازالوا نازحين، وفق تقرير صدر مؤخرا عن منظمة الهجرة الدولية. ويشير التقرير إلى أن مناطق عدة استقبلت نصف عدد سكانها الأصليين أو أقل، لكن لم تُسجّل أي عودة إلى 13 موقعا على الأقل منذ 2014.
ويقول قائمقام سنجار بالوكالة نايف سيدو “قرى وأحياء كاملة سُوّيت بالأرض وملف التعويضات متلكئ، فالغالبية لم تأخذ مستحقاتها”.
وعند اجتياح داعش لسنجار في أغسطس 2014 فقدت هدلا قاسم أربعين فردا على الأقل من عائلتها، من بينهم والدها ووالدتها وشقيقها، في قرية كوجو.
وتروي السيدة الأربعينية والأم لثلاثة أطفال أنها تقدّمت قبل ثلاث سنوات بطلب للحصول على تعويض عن منزل العائلة المدمّر، بدعم من المجلس النرويجي للاجئين الذي يقدّم خدمات قانونية لأهل المنطقة، لكن دون جدوى.
كما لا تزال تنتظر الحصول على التعويض الشهري الذي يُدفع لعائلات القتلى على يد داعش وخلال الحرب ضدّه. لكن طلبها على غرار طلبات أخرى كثيرة لا يزال عالقا في متاهة البيروقراطية الإدارية.
وتقول هدلا من منزلها الذي عادت إليه قبل سنوات “نحن مدمّرون. لم نحصل على شيء إطلاقا”. وتضيف بأسى “لم يقوموا بنبش كافة المقابر، وملفات الشهداء لم تنته، ولم يعد كلّ من في المخيمات.. نحن بحاجة إلى حل”.
وتقول الموظفة القانونية في المجلس النرويجي للاجئين فيريمنا خدر “السكن الآمن والصالح للعيش ضرورة، لكننا نحتاج أيضا إلى بنية تحتية، مثل الطرق والمدارس والمباني الحكومية”، ليكون هناك “أمل في بناء الحياة من جديد”.
وبسبب عدم قدرتهم على بناء منازلهم استأجر البعض من الأهالي بيوتا في مدينة سنجار رغم ضعف الخدمات والبنية التحتية. ويتعين على العديد من المرضى السفر لساعات للحصول على رعاية طبية غير متوفرة في مستشفى المدينة الوحيد.
وفي المدينة القديمة وسط سنجار لم يبق منزل أو متجر على حاله، واستحالت عدة شوارع دمارا. وأصبحت كنيسة قديمة مدمرة مقصدا لأغنام ترعى العشب الذي نما بين الركام. كما تحوّلت مدرسة إلى مقرّ لمجموعة مسلّحة، وقاعة سينما إلى مركز عسكري.
ومنذ سنوات طويلة تقع سنجار في قلب نزاع بين حكومة بغداد وسلطات إقليم كردستان. وفشل الطرفان حتى الآن في تنفيذ اتفاق توصلا إليه في 2020 لإعمار المنطقة.
وما يزيد من تعقيد النزاع انتشار عدة مجموعات في المنطقة اليوم، من بينها الجيش العراقي وفصيل أيزيدي متحالف مع حزب العمال الكردستاني المعارض لتركيا التي تستهدفه مرارا، والحشد الشعبي وهو تحالف فصائل مسلحة، بعضها موال لإيران، باتت منضوية في القوات الرسمية.
ويقول مصدر أمني فضّل عدم الكشف عن اسمه “كلّ الأطراف تريد حصة، ثمة مصالح مختلفة”، ما يعرقل التعيينات ومساعي إعادة الإعمار.
وفي عام 2022 دفعت اشتباكات بين مقاتلين محليين والجيش العراقي بالآلاف إلى النزوح مجددا. وتقول الباحثة في منظمة هيومن رايتس ووتش سارة صنبر إنه في حين تتنازع بغداد وأربيل على سنجار فإن أيّا منهما لا تقوم بالدور المطلوب “في تحمّل مسؤوليتها”.
وتضيف “بدلا من التركيز على إغلاق المخيمات، على الحكومة الاستثمار في بسط الأمن وإعادة بناء سنجار لتكون مكانا يرغب الناس فعلا في العودة إليه”.