بصمة إماراتية على الذكاء الاصطناعي: استخدام آمن في إطار أخلاقي

دولة الإمارات تعمل على ترسيخ ريادتها في مجال تطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي، عبر المساهمة في حلّ الإشكالات التي يطرحها هذا الذكاء المستحدث وذلك بإثراء النقاش الهادف لإيجاد الأطر الكفيلة بضمان استخدام آمن له في حدود المسموح به قيميا وأخلاقيا.
أبوظبي - عكس أول لقاء تشاوري احتضنته العاصمة الإماراتية أبوظبي بشأن إمكانيات الاستفادة من الذكاء الاصطناعي بما يفتحه من آفاق جديدة للبشرية في إطار آمن ضمن حدود ما تقتضيه القيم الإخلاقية والدينية للشعوب، ملامح المقاربة الخصوصية التي تتوخاها دولة الإمارات العربية المحتّدة في مشروعها لجلب وتوطين تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي والتحوّل إلى مركز عالمي لإنتاجه وتطويره.
وجاء اللقاء الذي نظمه منتدى أبوظبي للسلم بعنوان “ما وراء القيم: نحو دمج الفضائل في الذكاء الاصطناعي” ضمن أعمال لجنة الدين والمجتمع المدني للذكاء الاصطناعي، في ظل احتدام النقاش الدولي بشأن التطورات المذهلة التي يشهدها هذا النوع المستحدث من الذكاء وما يمكن أن ينطوي عليه استخدامه بشكل غير منضبط من مخاطر وتجاوزات على قيم الشعوب وأخلاقياتها.
وتضمّ لجنة الدين والمجتمع المدني للذكاء الاصطناعي التي أعلن عن تأسيسها سنة 2023 في لندن ضمن إطار تفعيل مخرجات قمة التطوير الآمن لمجال الذكاء الاصطناعي التي عقدت تحت رئاسة ريشي سوناك رئيس الوزراء البريطاني، عددا من القيادات الدينية وهيئات المجتمع المدني ورجال الأعمال والمسؤولين الحكوميين، وتهدف إلى ضمان المشاركة الواسعة والفعالة للمؤسسات الدينية في تطوير الذكاء الاصطناعي وإضفاء طابع أخلاقي عليه وإثراء النقاش العام لوضع التشريعات الدولية المناسبة له.
وجرت أعمال اللّقاء الذي استمرّ من السابع والعشرين إلى التاسع والعشرين من فبراير الجاري بحضور ممثلين عن الحكومة البريطانية والفاتيكان ومعهد فارداي للعلوم والإيمان التابع لجامعة كامبريدج وعدد من المنظمات الكبرى الناشطة في المجال، وبمشاركة مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي وجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية وعدد من الخبراء والباحثين من مختلف بلدان العالم.
وأدار الجلسة الافتتاحية للقاء القس راسل رووك مدير مؤسسة شراكة النوايا الحسنة ببريطانيا الذي تطرّق إلى جهود الإمارات بقيادة رئيس الدولة الشيخ محمّد بن زايد آل نهيان في صناعة نموذج حضاري ملهم عبر العالم في كل المجالات، مثنيا على ما يقدّمه منتدى أبوظبي للسلم في شخص رئيسه عبدالله بن بيه باعتبارة زعامة دينية علمية تقوي من حضور الإيمان والأخلاق في مجال الذكاء الاصطناعي في تكامل مع جهود المجتمع المدني.
ومن جهته اعتبر عبدالله بن بيه الذي يرأس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي أن دولة الإمارات جديرة بقيادة جهود العالم لبناء الإطار الأخلاقي الذي يضمن الاستخدام الأمثل للذكاء الاصطناعي.
ورأى في كلمته الافتتاحية للقاء أنّ الأخير جاء في إطار تجسيد منتدى أبوظبي للسلم لرؤية دولة الإمارت من خلال الانخراط في الاهتمام العالمي حول الحاجة إلى الربط بين التطور العلمي والأطر الأخلاقية التي تعلي من مكانة الإنسان وتصون كرامته وتحمي حياته، مذكّرا بأن المنتدى كان أول مؤسسة في المنطقة تبادر إلى الانضمام إلى نداء روما إلى جانب كبريات المؤسسات والهيئات الدولية، كما وقّع المنتدى اتفاقية مع كلية الحياة في الفاتيكان ومعهد فرداي للعلوم والإيمان.
وحثّ على ضرورة التعاون والتضامن والعمل المشترك للتعامل مع تطورات الذكاء الاصطناعي التي امتزجت فيها المصالح والمفاسد والأضرار والمنافع، لضمان أن تكون أنظمته ومنتجاته ليست متقدمة تقنيا فحسب، بل سليمة أخلاقيا أيضا، مؤكدا الحاجة إلى بذل الجهد الجماعي والعمل المستمر، والمبادرة إلى اتخاذ القرارات التي تمهد الطريق لمستقبل يكون فيه الذكاء الاصطناعي قوة من أجل الخير وتسخَّر فيه ثمرات التكنولوجيا لبناء عالم أكثر تسامحا وسلما وفضيلة.
وعبّر المستشار الخاص لرئيس الوزراء البريطاني مايلز ستيسي عن دعم حكومة بلاده لمبادرة عقد اللقاء التشاوري في دولة الإمارات تحديدا لما لذلك من دلالات وخصوصا بعد نجاحها في عقد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب 28)، وفي ضوء ما راكمته من نجاحات في مختلف الميادين.
أول لقاء تشاوري احتضنته العاصمة الإماراتية أبوظبي عكس ملامح المقاربة الخصوصية التي تتوخاها دولة الإمارات في مشروعها لجلب وتوطين تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي
ولفت عمر حبتور الدرعي، رئيس الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف، في كلمته إلى أهمية الوازع الديني القادر على إيقاظ المبدأ الأخلاقي والحاجة إلى الربط بين التطوّر العلمي وبين الأطر الأخلاقية، مذكرا بأن مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي كان سباقا إلى تنظيم أول مؤتمر للمستجدات العلمية ولاسيما في مجال الذكاء الاصطناعي.
ونوه خليفة مبارك الظاهري، مدير جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، بأهمية الاجتماع مشيرا إلى أن الجامعة تعول على مثل هذه اللقاءات التي تجمع العلماء من مختلف المجالات لتطوير برامج ومناهج تتيح لكوادر الجامعة وطلابها فهما شاملا لكيفية تشبع الذكاء الاصطناعي بالفضائل والقيم.
وأشار تشينماي بانديا، نائب رئيس جامعة ديف سانسكريتي فيشو افيدالايا بالهند، إلى قيمة اللقاء نظرا لما يفتحه من آفاق لتكامل الجهود للإجابة على الإشكالات التي يطرحها النمو المتسارع لحضور الذكاء الاصطناعي في كل مجالات الحياة.
ونوه الأب باولو بينانتي، رئيس مؤسسة النهضة الذكائية التي أسسها البابا فرانسيس لنشر نداء روما لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، بقيمة إعلان روما ضمن السياقات الحالية، وأكد أن الزعامات الدينية لها كلمتها في سياق تأطير استثمار الذكاء الاصطناعي دينيا وأخلاقيا ومدنيا، وأثنى على الجهود الإماراتية المبذولة في هذا الصدد، وهو ما يؤكده واقع رئاسة المنتدى للجنة أخلاقيات الذكاء الاصطناعي.