بصمات سياسية في مقترحات تعديل قانون الصحافة السوداني تهدد حرية التعبير

الخرطوم - أعرب منتدى الإعلام السوداني عن قلقه البالغ إزاء التوصيات الصادرة عن “ورشة مناقشة مقترحات تعديل قانون الصحافة والمطبوعات الصحفية لسنة 2009″، التي عقدت في بورتسودان، معتبرا أنها تحمل تهديدًا حقيقيًا لحرية واستقلالية الصحافة والإعلام في السودان.
وشهدت ورشة العمل لمناقشة تعديل قانون الصحافة والمطبوعات الصحفية لسنة 2009، التي نظّمتها وزارة الثقافة والإعلام، مشاركة سياسية من قبل مجلس السيادة ما أثار شكوكا بشأن أهداف التعديلات ومصداقيتها.
وقال نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار، خلال مخاطبته ورشة “مناقشة مقترحات تعديل قانون الصحافة”، إن “المرحلة التي تمر بها البلاد تفرض على الدولة إعادة النظر في الأطر القانونية التي تنظم الفضاء العام، وفي مقدمتها قانون الصحافة بما يضمن حرية التعبير.”
واعتبر منتدى الإعلام أن هذه التوصيات رغم حديثها عن تطوير البيئة الإعلامية، إلا أنها تتعارض بشكل مباشر مع المواثيق الدولية التي صادق عليها السودان بشأن كفالة وحماية حرية التعبير.
منتدى الإعلام السوداني: إشراك الأجهزة الأمنية والعسكرية في تنظيم الإعلام يتناقض مع مبادئ استقلالية الصحافة
وشدد على أن الإعلام السوداني لا يحتاج إلى قانون جديد يفرض قيودًا إضافية، بل إلى تأسيس هيئة مستقلة يشكلها المجتمع المدني من الوسط الصحفي والقانوني والأكاديمي، ضمن إطار قانوني ديمقراطي يهدف إلى تعزيز وحماية حرية التعبير.
ومن بين الملاحظات التي طرحها المنتدى في بيانه، هي الاستخدام المفرط لمصطلحات مثل “مقتضيات الأمن القومي”، و“حماية قيم المجتمع”، و“المرتكزات الدينية والأخلاقية”، و”الممارسة الصحيحة لاستخدام المعلومات” كضوابط للعمل الصحافي، دون تعريفات دقيقة وواضحة، ما يفتح الباب واسعًا للتأويلات التعسفية. إذ يمكن أن يُستخدم كذريعة لقمع الأصوات الناقدة والمستقلة، وفرض رقابة ذاتية خانقة على الصحافيين، ما يُعيق قدرتهم على كشف الحقائق ومساءلة المسؤولين.
وتثير التوصيات بإنشاء “مجلس مهني ينظم النشاط الصحفي” وتوسيع صلاحيات “المجلس القومي للصحافة” ليشمل الإعلام الإلكتروني، بالإضافة إلى إنشاء “منظومة إدارية تنسيقية لإدارة وتسجيل وسائط ووسائل النشر الإلكتروني والممتهنين لها”، قلقًا عميقًا بالنسبة إلى الصحافيين. خصوصًا عند إقحام “الأجهزة الفنية بالقوات النظامية” ضمن “آلية تنسيقية للجهات الحاكمة للنشر الإلكتروني.”
كما أن إشراك الأجهزة الأمنية والعسكرية في تنظيم الإعلام يتناقض بشكل صارخ مع أبسط مبادئ استقلالية الصحافة وحمايتها من التدخل الحكومي المباشر، ويحوّل هذه الهيئات إلى أدوات للسيطرة بدلًا من التنظيم المهني.
ويرى المنتدى أن الحديث عن “مراقبة وسائط ووسائل النشر الإلكتروني بما يحقق جودة المحتوى” وربط إصدار الصحف “بمعايير الجودة” دون تحديد واضح لهذه المعايير وآليات تطبيقها بشكل مستقل، قد يتحول إلى أدوات للتحكم في المحتوى والحد من التعددية الإعلامية. وهذا النهج يهدد بتحويل الإعلام إلى أداة للترويج لخطاب واحد، بدلًا من كونه منبرًا متنوعًا يعكس آراء المجتمع.
وأكد أن هذه التوجهات، إن تم تبنيها في القانون الجديد، لن تؤدي إلا إلى إعلام مقيد وخاضع للوصاية، وغير قادر على أداء دوره الحيوي في كشف الحقائق، ومساءلة المسؤولين، وتنوير الرأي العام، والمساهمة في بناء سودان ديمقراطي حر ومزدهر.
وبحسب منتدى الإعلام فإن السبيل الوحيد لضمان حرية الإعلام واستقلاليته في السودان، وتحقيق التوازن الحقيقي بين الحرية والمسؤولية، يكمن في إنشاء هيئة مستقلة لتنظيم شؤون الإعلام.
المنتدى يدعو المجتمع الصحفي والإعلامي للجوء إلى إعداد أطر لتنظيم النشاط وفق المعايير الدولية المعروفة لتنظيم الصحافة، والالتزام بمواثيق الشرف الصحفي التي يصنعها ويكتبها الصحافيون
ويجب أن تتمتع هذه الهيئة باستقلالية كاملة ومكفولة بالقانون: مالياً وإدارياً وفي قراراتها، بعيدًا عن أي هيمنة أو تدخل من السلطة التنفيذية أو الأجهزة الأمنية أو أي جهة حزبية أو سياسية.
وتتشكل من كفاءات مهنية مشهود لها بالنزاهة والخبرة: من خلال آلية اختيار شفافة وتشاركية تضم ممثلين حقيقيين عن الجسم الصحفي، والأكاديميين، ورجال القانون، ومنظمات المجتمع المدني.
ويجب أن يكون تفويضها الأساسي حماية وتعزيز حرية التعبير والصحافة والتعددية الإعلامية: ودعم تطوير المعايير المهنية والأخلاقية بالتشاور مع الصحافيين أنفسهم، وتسهيل حق الجمهور في الوصول إلى المعلومات.
ومن المهم أن لا تمارس دورًا رقابيًا على المحتوى أو ترخيصًا مسبقًا للصحفيين، بل تعمل على توفير بيئة تمكينية للعمل الصحافي الحر والمسؤول.
وأوضح المنتدى أن استقلال السلطة الرابعة ليس ترفًا، بل هو ضرورة حتمية لأي نظام ديمقراطي يسعى إلى الشفافية والمساءلة والتنمية.
وطالب برفع يد وزارة الإعلام عن التدخل في شؤون الحق في حرية الصحافة والتعبير. إذ يجب أن تكون القرارات المتعلقة بالإعلام صادرة عن هيئات مستقلة ومهنية.
ودعا المنتدى، المجتمع الصحفي والإعلامي للجوء إلى إعداد أطر لتنظيم النشاط وفق المعايير الدولية المعروفة لتنظيم الصحافة، والالتزام بمواثيق الشرف الصحفي التي يصنعها ويكتبها الصحافيون والصحافيات بأنفسهم، بعيدًا عن أي تدخل من أجسام خارجية. هذا يضمن أن تكون معايير المهنة نابعة من أهلها، ما يعزز المسؤولية الذاتية والمهنية.
ودعا منتدى الإعلام السوداني كافة القوى الحية في المجتمع وصناع القرار، إلى التنبه لخطورة المقترحات الحالية، والعمل الجاد من أجل صياغة إطار قانوني وتنظيمي يحمي حرية الصحافة ويضمن استقلاليتها، وعلى رأسه إنشاء هيئة مستقلة حقيقية تكون صمام الأمان للحق في المعرفة والتعبير الحر.