بشاعة الحاضر تدفع العدنيين إلى استحضار زمن الاستعمار البريطاني

جل الذين يمجدون فترة الاستعمار البريطاني في عدن إما شباب لم يعرفوا ما الذي كان يحصل، أو بعض كبار السن كرد فعل على الواقع الذي يعيشونه.
الاثنين 2022/09/19
فندق الهلال شاهد على حقبة الاستعمار

عدن – عند مدخل مستشفى الجمهورية الحكومي في عدن لوحة قديمة تذكّر بأن ملكة بريطانيا الراحلة إليزابيث الثانية وضعت حجر الأساس لهذا المستشفى خلال زيارة إلى المدينة التي تعاني من آثار حرب مدمرة تعصف بالبلاد منذ أكثر من سبع سنوات.

وتبدو اللوحة التي يكسوها الصدأ اليوم شاهدة على زمن الاستعمار البريطاني لعدن الذي انتهى عام 1967. وزارت الملكة إليزابيث الثانية “مستعمرة عدن” بعد أقل من عام على تتويجها في أبريل 1954 برفقة زوجها الأمير فيليب.

ويشهد المستشفى حالة يرثى لها، حيث لا توجد إضاءة في عدد كبير من الأقسام، كما يفتقر الطاقم الطبي إلى المحاليل المخبرية ومعدات مختلفة وأسرّة حديثة.

أسمهان العلس: سياسة التحديث البريطانية تركت ملامحها في عدن

وقبل سبعة عقود، بثت “باثي نيوز” مشاهد لزيارة الملكة إليزابيث الثانية برفقة الأمير فيليب والتي قامت بجولة في عدن وحضرت عرضا عسكريا.

وأعلنت بريطانيا العظمى في الثلاثينات من القرن الماضي محافظة عدن “مستعمرة للتاج البريطاني”. وما زالت آثار الاستعمار البريطاني حاضرة في المدينة من بينها “ساعة بيغ بن الصغرى” التي لم تعد تعمل.

وهناك تماثيل ومجسمات شيدها الاستعمار البريطاني في عدد من مناطق عدن، ومنها مجسم حجري للملكة فيكتوريا ورصيف السواح وفنادق وبنايات شيدت على الطراز المعماري البريطاني القديم، وفندق “روك” الذي تم تعريب تسميته لاحقا إلى “الصخرة”، وفندق “كريسنت” الذي تحول إلى فندق الهلال.

وتقول أستاذة التاريخ في جامعة عدن أسمهان العلس التي تشغل أيضا منصب الأمينة العامة للجمعية اليمنية للتاريخ والآثار “في سنوات الاستعمار البريطاني لعدن حظيت المدينة بجملة من مشاريع التحديث والتهيئة لعدن لتصبح مستعمرة بريطانية (…) وشملت هذه السياسة جملة واسعة من مجالات الإدارة وتخطيط المدينة والتعليم والنشاط الاقتصادي والاجتماعي”.

وبحسب العلس فإن “آثار هذه السياسة تركت ملامحها (…) لكنها لم تستهدف كل طموحات وتطلعات هذا المواطن”.

وفي عام 1967 استقل جنوب اليمن بعد ثورة مسلحة بدأت عام 1963 ضد البريطانيين الذين كانوا يسيطرون على عدن. ويحيي اليمنيون في الرابع عشر من أكتوبر كل عام ذكرى الثورة.

وتركّز الخطاب السياسي في تلك الفترة في أوساط القوميين في الشمال والاشتراكيين في الجنوب الذين قاموا بتأسيس النظام الماركسي الوحيد في العالم العربي، على أساس هدف واحد هو توحيد اليمن. وتحقّق ذلك في العام 1990.

وبعد وفاة الملكة إليزابيث الثانية كتب العضو في المجلس الرئاسي اليمني ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، أكثر القوى الجنوبية نفوذا، عيدروس الزبيدي في تغريدة على تويتر “نعزي الشعب البريطاني الصديق بوفاة رمز الحكمة والتسامح، نؤكد حرصنا على ترسيخ العلاقات التاريخية التي تربط شعبنا في الجنوب بالمملكة المتحدة الصديقة”.

ورغم أن مدينة عدن، التي تحولت إلى العاصمة المؤقتة للحكومة اليمنية، ظلت بعيدة نسبيا عن الصراع بين الجانبين لكنها تواجه من حين لآخر عمليات تفجيرية

وبينما يسود الحنين لدى بعض السكان لأيام الاستعمار البريطاني، يتذكر محمد قاسم نعمان (72 عاما) الذي شارك في العمل الطلابي في الاتحاد الوطني لطلبة الجنوب اليمني ضد الاستعمار أن الأمر انعكاس لسوء الوضع حاليا في البلاد.

ويدور نزاع في اليمن بين حكومة يساندها منذ 2015 تحالف عسكري تقوده السعودية، والحوثيين المدعومين من إيران الذين يسيطرون على مناطق واسعة في شمال البلاد وغربها وكذلك على العاصمة صنعاء منذ بدء هجومهم في العام 2014.

ورغم أن مدينة عدن، التي تحولت إلى العاصمة المؤقتة للحكومة اليمنية، ظلت بعيدة نسبيا عن الصراع بين الجانبين لكنها تواجه من حين لآخر عمليات تفجيرية، كما أن الأزمة الاقتصادية بسبب الحرب أثرت بشكل كبير على سكانها.

ويقول نعمان الذي يشغل منصب رئيس مركز اليمن لدراسات حقوق الإنسان إن “الذين يمجدون الفترة التي تواجد بها البريطانيون في عدن إما شباب لم يعرفوا ما الذي كان يحصل في عدن والجنوب في حينه، أو بعض كبار السن كرد فعل على الواقع الذي نعيشه الآن وهو متعب كثيرا”.

ويضيف “الاستعمار بكل أشكاله يمس حق الإنسان وحريته وحياته كإنسان. لم يكن هناك استعمار احترم الإنسانية (…) طبيعة الاستعمار أنه يسعى فقط لحماية مصالحه”.

3