"بساطة دائرية".. البحريني راشد آل خليفة يعرض مفهومه للدائرة

سبعة أعمال فنية تعبر عن النهج الحداثي المميز للفنان والنابع إلهامه من إعجابه بالدائرة كرمز للكمال والاستمرارية.
الأربعاء 2024/07/31
صورة من افتتاح المعرض

بافاريا (ألمانيا) – كشف الفنان البحريني راشد آل خليفة، رئيس المجلس الوطني للفنون في البحرين، الستار عن معرضه الفني الفردي “بساطة دائرية”، وذلك في المتحف الصغير في ولاية بافاريا الألمانية، بحضور حكومي رفيع المستوى وجمهور من المهتمين بالفنون.

ويتضمن المعرض، الذي يستمر لغاية 26 أكتوبر المقبل، سبعة أعمال فنية تعبر عن النهج الحداثي المميز للفنان راشد آل خليفة، والنابع إلهامه من إعجابه بالدائرة كرمز للكمال والاستمرارية، التي تجسد الطبيعة الدورية للوجود.

وأعرب الفنان راشد آل خليفة عن سعادته بعرض أعماله في ألمانيا وبتفاعل الجمهور الألماني معها، متطلعاً لأن يكون المعرض الفردي جسراً للتواصل الثقافي بين مملكة البحرين وألمانيا.

وأضاف: “تعد ألمانيا بلدا يتميز بثقافة وفنون متنوعة وغنية، ولقد استمعت بالتواصل مع الجمهور الألماني وتبادل الإلهام والأفكار معهم، حيث شعرت بحفاوة الاستقبال. أتطلع إلى مواصلة التعاون مع المجتمع الفني الألماني والمساهمة في تعزيز التبادل الثقافي والفني بين مملكة البحرين وألمانيا”.

من جانبها، قالت لورا كراينز ليوبولت، مالكة ومؤسسة “المتحف الصغير”: “لسنوات عديدة وحتى اليوم، كنت أتعامل مع مفاهيم مثل البساطة والانسجام، لذا لم يكن من قبيل المصادفة أن اكتشفت الأعمال الفنية للفنان راشد آل خليفة في النمسا العام الماضي، والتي تتسم بالانسجام والحرية والخفة والبساطة وقوة الروح. نحن سعداء باستضافة هذا المعرض الفني للفنان راشد آل خليفة، والذي يركز على مفهوم الدائرة والبساطة. كما تلهم المتلقي للتأمل في نفسه وفي حياته”، لافتة إلى تأثير موقع البحرين على طريق التجارة بين الشرق والغرب على الأسلوب الفلسفي والرياضي لأعماله الفنية.

البساطة والانسجام
البساطة والانسجام

وأضافت: “الدائرة في أبسط أشكالها هي خط قائم بذاته بدون بداية أو نهاية. عالميا، ينظر إلى الدائرة على أنها رمز للكمال والوحدة، إذ يمكن لجميع جوانب الحياة المتعارضة أن تتعايش عبرها، فضلا عن كونها تمثل الطبيعة الدورية للحياة”.

ولطالما كانت الدائرة كشكل هندسي مثيرة للانتباه في كل الحضارات، وهي تشير إلى الأبدية والاستمرارية وترمز في كل الثقافات للشمس والقمر والكون والكواكب. والشكل الدائري يرمز أيضا إلى الكمال والاستمرارية.

وفي الفن التشكيلي ترمز الدائرة للانهاية، واستخدمت في مدارس الفن الحديث كعنصر أساسي في العمل الفني، ويعد الفنان الهولندي فينست فان جوخ أكثر الفنانين استخداما للدائرة في تكويناته وفي لمسة الفرشاة وحركتها الدالة على استمرارية الأداء.

ويقدم بيان الفنان للمعرض الدائرة في أبسط أشكالها، بأنها “خط مكتفٍ ذاتيًا بدون بداية أو نهاية. يُنظر إليها عالميًا كرمز للتكامل والوحدة، حيث يمكن لجميع جوانب الحياة المتعارضة أن تتعايش. علاوة على ذلك، فهي تمثل الطبيعة الدورية للحياة. كانت الطبيعة المهدئة للدائرة وميل راشد آل خليفة المتزايد لتصوير الكمال والدقة هما اللذان دفعاه إلى الخوض بشكل أكبر في مفهوم الدائرة مركزا على تبسيط عمله ومرحبا بالتحدي المتمثل في إنشاء أشكال مجردة من التفاصيل، حيث تثير الصورة بأكملها شعورًا بالسلام والرضا”.

ودأب الفنان البحريني على الاشتغال على الدائرة ورمزيتها ومدلولاتها في تجربته الفنية الممتدة على أربعة عقود، حيث يرى أن “الزمن ينعكس مرئيا من خلال حركة إيقاعية دائرية في تركيبة مشهدية صورية تعتمد على حركة دائرية للزمن في تناغم شاعري؛ من الفجر إلى الظلام إلى منتصف الليل، من الشتاء إلى الربيع وديناميكية الصيف”.

وفي هذا المعرض، قد نتعرف على “قواعد التكرار”، أحد أهم المبادئ الجمالية في الفن الإسلامي، فتكرار الشكل مهما كان معقدًا، يخلق وهم اللانهاية الذي ينشأ منه الانسجام.

ويدمج الفنان في لوحاته ألوانا وظلالا معينة مميزة للمناظر الطبيعية البحرينية مع الطبيعة الإيقاعية لمثل هذا التكرار، مما يشير إلى رغبته في التعبير عن النظام والتناظر وكذلك التقاط جوهر الوجود.

ويوضح البيان أن “اللوحات تستحضر رغبة الفنان المستمرة في تجربة مجموعة متنوعة من الأسطح، والتي تُعزى إلى تأملاته المستمرة في دوره كفنان ومسؤولياته المتزايدة في المجتمع. وهو يشجع على اختبار مواد أخرى يمكنها أيضًا التفاعل مع البيئة المباشرة والتأثر بها، وغالبًا ما يستخدم سطحًا معكوسًا يوفر وسيلة للانعكاس، سواء جسديًا أو مجازيًا. وبينما يتلاعب بالسطح، من خلال طبقات مختلفة، فإنه في الواقع يطبع فرديته على ركيزة نقية وديناميكية، والتي بدورها تحاكي عدم ثبات البيئة التي توضع فيها. ونظرًا لأن مصدر الطاقة الرئيسي هو الضوء، فإن المكان والزمان اللذين تُرى فيهما مثل هذه الأعمال ومن يقف في حضورها يؤثران على طبيعة العمل نفسه”.

غالباً ما تبدأ أعمال راشد آل خليفة بدائرة كنقطة انطلاق ما يعطي عمقا فضائيا لأعماله
غالباً ما تبدأ أعمال راشد آل خليفة بدائرة كنقطة انطلاق ما يعطي عمقا فضائيا لأعماله.

يذكر أن الفنان راشد آل خليفة قد بدأ رحلته نحو الحداثة منذ زمن طويل، مدفوعًا برغبته في تصوير الدقة والبساطة المثالية في أعماله، فيما يصف الدوائر بأنها “مذهلة للغاية بارتباطها بالروابط الرياضية وحياتنا. بدءًا من نقطة نقاء أو عدم خبرة، ثم الإشعاع في العديد من الاتجاهات المختلفة التي تؤدي إلى نفس المكان. وهي أيضًا طريقة الطبيعة في ترتيب الأشياء بطريقة رياضية جميلة”.

ومن خلال أعماله ذات الأشكال الهندسية البسيطة والمتبدلة بلا حدود، يبحث الفنان عن العلاقة بين العمل والمتلقي. وليست هذه المرة الأولى التي يصور فيها الدائرة ويحثنا على إعادة التفكير فيها وفي رموزها ودلالاتها، بل هي حاضرة في أغلب معارضه ومجموعاته الفنية ومنها أما مجموعته «شكل الزمن» لعام 2015 التي كانت عبارة عن طيات من القطع المنفصلة للدوائر تُبرز الاتصال الهش بين الأشكال.

وغالباً ما تبدأ أعمال راشد آل خليفة بدائرة كنقطة انطلاق ما يعطي عمقا فضائيا لأعماله.

والفنان هو أول رئيس لجمعية البحرين للفنون التشكيلية والرئيس الفخري الحالي للجمعية. قام بالرسم على مدى 40 عاما مختلف اللوحات الفنية مثل الواقعية والانطباعية والتي تطورت تدريجيا إلى الفردانية تمهيدا إلى التجريدية. في لوحات الألفية الجديدة تحول من المناظر الطبيعية والرمزية إلى التجريدية واللون، وركز على جماليات ما بعد الحداثة باعتبارها نوعا من أنواع الفن، ولكن أعماله أبدا لا تعد ضمن ما بعد الحداثة.

مسيرته الفنية شملت أيضا استخدام الألوان الزيتية والمائية بأسلوب استشراقي تمثيلي بالإضافة إلى ألوان جريئة وتصميم مميز. لقد أنتج أعمالا فنية للمناظر الطبيعية والتصويرية والتجريدية على مر السنين بأسلوب غنائي ساحر. ما جعله يصل إلى هذا الحد هو جوهر عمله، والذي ينبع من حقيقة أن موهبته الطبيعية تمتزج مع التفاني في الممارسة وصقل المهارات الفنية الأساسية.

اليوم، يعتبر راشد بن خليفة آل خليفة أحد الفنانين الأكثر شهرة في المملكة. وتحظى تجربته الفنية باهتمام النقاد والباحثين حيث صدر كتاب حول تجربته الفنية بعنوان “راشد بن خليفة آل خليفة، 40 عاما من الرسم، من نفسه، بنفسه، لنفسه”. ويركز الكتاب المكون من 160 صفحة على سيرة راشد الفنية من خلال وجهة نظر الرسام السويدي من أصل عراقي مضير أحمد.

14