بريكس بعيدة عن طموح التخلص من هيمنة الدولار

أكدت دراسة حديثة أجراها مركز الاقتصادات الجيولوجية التابع للمجلس الأطلسي أن الدولار لايزال العملة الاحتياطية الرئيسية في العالم، حيث لم تتمكن مجموعة بريكس من تقليل الاعتماد عليه في تعاملاتها التجارية والمالية على النحو الذي تطمح إليه.
واشنطن - دعّم تقرير حديث أصدره المجلس الأطلسي الثلاثاء بعنوان “مراقبة هيمنة الدولار” فرضية عدم قدرة التكتلات الاقتصادية، بما في ذلك مجموعة بريكس، من إقصاء العملة الأميركية في تعاملاتها أو تجارتها أو احتياطياتها النقدية.
وقال معدو التقرير إن “الدولار يهيمن على حيازات الاحتياطيات الأجنبية والفواتير التجارية ومعاملات العملة على مستوى العالم” وإن “دوره كعملة عالمية رئيسية آمن على المدى القريب والمتوسط”.
وتعززت هيمنة الدولار، حيث الدور الضخم، الذي يلعبه في الاقتصاد العالمي خلال الآونة الأخيرة نظرا للاقتصاد الأميركي القوي، والسياسة النقدية الأكثر صرامة، والمخاطر الجيوسياسية المتزايدة.
وحتى في الوقت الذي برز فيه تفتت اقتصادي عالمي بسبب الأزمات المركبة لم تساعد حملة دول بريكس في التحول إلى عملات دولية واحتياطية أخرى.
ورغم الحديث المستمر عن التخلص من الدولرة، فإن قرابة 60 في المئة من احتياطيات العملات العالمية هي بالدولار، و88 في المئة من المعاملات الدولية تتم بالعملة الأميركية، بحسب صندوق النقد الدولي.
وقال المجلس الأطلسي إن “العقوبات الغربية التي فرضتها مجموعة السبعة على روسيا بعد غزو موسكو لأوكرانيا ساهمت في تسريع جهود دول بريكس لتطوير اتحاد نقدي، لكن المجموعة لم تتمكن من إحراز تقدم في جهودها للتخلص من الدولار”.
وتمثّل المجموعة بتركيبتها الراهنة 45.6 في المئة من سكان الأرض وربع الاقتصاد العالمي، وبالتالي هي قوة لا يستهان بها، بحسب تقديرات عدد من المراكز البحثية الاقتصادية الدولية.
ووفق بيانات منظمة التجارة العالمية، بلغ حجم اقتصادات دول بريكس 25.9 تريليون دولار بنهاية 2022، وتسيطر على 20 في المئة من التجارة العالمية.
وحولت بريكس، وهي اختصار الأحرف الأولى من أسماء دول البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا باللغة الإنجليزية من شعار ابتُكر في بنك استثمار قبل عقدين، إلى ناد واقعي يسيطر على بنك متعدد الأطراف يساهم في التنمية.
وتضاعف عدد أعضاء المجموعة هذا العام، لتجمع بين عدد من أكبر منتجي الطاقة، وبعض أكبر المستهلكين في الدول النامية، مما قد يعزز الثقل الاقتصادي للمجموعة في عالم تهيمن عليه الولايات المتحدة.
وتوسعت بريكس في مطلع يناير الماضي، لتضم دولة الإمارات ومصر وإيران وإييوبيا، كما أُعلن عن انضمام السعودية كعضو جديد، إلا أن أكبر منتج للنفط في منظمة أوبك قال لاحقا إنه “مايزال تدرس الدعوة”.
ووُجهت دعوة أيضا إلى الأرجنتين، إلا أن الرئيس خافيير ميلي، الذي تولى المنصب في شهر ديسمبر الماضي، رفض الانضمام إلى هذا التكتل.
وأشار ميلي خلال حملته الانتخابية إلى أنه سيغيّر دفة السياسة الخارجية لبلاده بعيدا عن الصين والبرازيل. وقال “نصطف جيوسياسيا مع الولايات المتحدة وإسرائيل. لن نتحالف مع الشيوعيين”.
ومن المرجح أن تشهد المجموعة المزيد من التوسع، بعد أن أعلنت كل من ماليزيا وتايلندا عن اعتزامهما الانضمام لبريكس.
وقادت الصين، التي أصبحت حالياً القوة الصناعية البارزة عالميا، جهود التوسع في المقام الأول، إذ تسعى إلى تعزيز نفوذها العالمي من خلال استقطاب الدول المتحالفة عادةً مع الولايات المتحدة. ودعمت جنوب أفريقيا وروسيا هذا التوسع.
من جانبها، ترددت الهند في البداية، إذ خشيت أن تتحول بريكس إلى بوق للصين مع زيادة عدد الأعضاء، فيما كان إقصاء الغرب مصدر قلق البرازيل، إلا أن حكومتي البلدين وافقتا في النهاية على التوسع.
وتقدم بريكس للأعضاء الجدد فرصة الوصول السهل للتمويل من الأعضاء الأكثر ثراء، ومنبرا سياسيا واقتصاديا بعيدا عن النفوذ الأميركي. وسبق أن قال وزير الخارجية التايلندي ماريس سانغيامبونغسا، إن التكتل “يمثل إطار تعاون بين دول عالم الجنوب طالما رغبت تايلندا في الانضمام إليه”.
وأكبر إنجازات المجموعة حتى الآن كانت مالية، فقد وافقت الدول على جمع احتياطيات بالعملات الأجنبية قدرها 100 مليار دولار، يمكن للدول الأعضاء إقراضها لبعضها بعضا في حالات الطوارئ. وبدأ تشغيل مسار السيولة هذا في 2016.
20
في المئة حجم ما تستحوذ عليه المجموعة من التجارة العالمية بنهاية عام 2022
وأسست الدول الأعضاء بنك التنمية الجديد وهو مؤسسة مالية على غرار البنك الدولي. ووافق منذ بدء نشاطه في 2015 على قروض بنحو 33 مليار دولار، توجّه بشكل أساسي إلى مشاريع المياه، والنقل والمواصلات، ومشاريع البنية التحتية الأخرى.
واقترضت جنوب أفريقيا من البنك مليار دولار في 2020 للتصدي للجائحة، مقارنة بتخصيص البنك الدولي 72.8 مليار دولار للدول الأعضاء في العام الماضي. وصعد حجم التجارة بين أول خمسة دول أعضاء في المجموعة بنسبة 56 في المئة ليبلغ حوالي 422 مليار دولار ما بين عامي 2017 و2022.
ومن الناحية الاقتصادية، فإن الموارد الطبيعية والمحاصيل الزراعية للبرازيل وروسيا جعلتهما شريكين طبيعيين للطلب الصيني. لكن العلاقات التجارية بين الهند والصين تتسم بالضعف، نظرا لتنافسهما الجيوسياسي والنزاع الحدودي المحتدم بينهما، ضمن أسباب أخرى.
وقال المجلس الأطلسي إن “نظام الدفع بين البنوك عبر الحدود في الصين أضاف 62 مشاركا مباشرا في الأشهر الاثني عشر شهرا حتى مايو 2024، بزيادة قدرها 78 في المئة، ليصل المجموع إلى 142 مشاركا مباشرا و1394 مشاركا غير مباشر”.
وكانت المفاوضات حول نظام الدفع داخل مجموعة لا تزال في مراحلها الأولى، ولكن الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف داخل بريكس يمكن أن تشكل الأساس لمنصة تبادل العملات مع مرور الوقت.
ومع ذلك، يعتقد معدو تقرير المجلس أن هذه الاتفاقيات لم تكن قابلة للتوسع بسهولة، حيث تم التفاوض عليها بشكل فردي. وأشاروا إلى أن الصين دعمت بنشاط سيولة الرنمينبي من خلال خطوط المبادلة مع شركائها التجاريين، لكن حصة الرنمينبي في احتياطيات العملات الأجنبية العالمية انخفضت إلى 2.3 في المئة من الذروة البالغة 2.8 في المئة في عام 2022.
وقالوا “ربما يرجع ذلك إلى قلق مديري الاحتياطيات بشأن الاقتصاد الصيني، وموقف بكين من الحرب الروسية – الأوكرانية، والغزو الصيني المحتمل لتايوان الذي يساهم في تصور الرنمينبي كعملة احتياطية محفوفة بالمخاطر جيوسياسية”.