"بريكسيت" سيؤثر سلبا على الشرق الأوسط

الأربعاء 2016/06/22

يبدو أن منطقة الشرق الأوسط تدرك أهمية المزاج السيء المتزايد والذي أدى إلى الاستفتاء الذي سيقرر من خلاله الناخبون البريطانيون ما إذا كانوا يرغبون في بقاء بلادهم في الاتحاد الأوروبي أم يريدون مغادرته.

النقاش الدائر حول فقدان السيادة، والتدفقات الكبيرة للمهاجرين غير الشرعيين واللاجئين، فضلا عن المكاسب الاقتصادية أو الخسائر التي ستنجم عن البقاء داخل الاتحاد الأوروبي أو مغادرته، هي أشبه بحرب أهلية داخل حزب المحافظين الحاكم. كأن الأمر من قبيل الأكاذيب، ويتم تداول أكثر الأكاذيب والسباب الشخصي، مع التطرق إلى الدول على الحافة الجنوبية والشرقية للبحر الأبيض المتوسط وغيرها من دول الخليج.

إلى أي مدى تستطيع الحروب الدائرة في الشرق الأوسط أن تغذي تدفق اللاجئين، الذين يحاول الكثير منهم بيأس الوصول إلى الاتحاد الأوروبي. يمكن لأحدهم القول إن المنطقة توفر قدرا وافرا من الغذاء مع ما يقوله زعماء “بريكسيت” (مصطلح يشير إلى حملة خروج بريطانيا من الاتحاد) من أن بريطانيا فقدت سيادتها وليس فقط السيطرة على حدودها.

لعبت الفوضى الدموية التي سادت منطقة الشرق الأوسط منذ بدء الثورات العربية في عام 2011 دورا مباشرا في انتشار التمرد المعادي للمؤسسات، والذي أصبح سمة متزايدة للدول في مختلف أنحاء الاتحاد الأوروبي. تلعب الأحزاب اليمينية في النمسا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا دورا هاما في هذا التمرد، إلى جانب الخشية المتزايدة من الآخر، الذي يتم تصويره على أنه متعصب ديني من المسلمين أو أسود من مجرمي المخدرات من أجل استمالة المتقدمين في السن والفقراء وغالبا العاطلين عن العمل من البيض .

تعمل الصور النمطية العنصرية بشكل جيد على هذا المستوى رغم أن الانتخابات الأخيرة التي أفرزت وصول رجل مسلم لمنصب رئيس بلدية لندن تشير إلى أنه في المناطق التي تتميز بالعمالة الكاملة، والمعايير العالية والعالمية للمعيشة، تكون الصور النمطية للعنصرية الدينية أقل جاذبية.

تشير عملية انتخاب صادق خان لإدارة لندن إلى انهيار الانقسامات السياسية التقليدية بين اليسار واليمين. يثير أولئك الذين يفضلون “بريكسيت” أسئلة مشروعة تستحق الظهور للعلن، ولكن أولئك الذين يقودون الحملة المساندة لمغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي يلعبون على كل تخوف ممكن؛ الخوف من النخبة، والخوف من الأثرياء، والخوف من المسلمين والخوف من المثليين، والقائمة لا تنتهي.

بعيدا عن هذه الاعتبارات، ستؤثر مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي على الشرق الأوسط وتركيا، وبطبيعة الحال أوروبا حيث من شأنها أن تشجع المتشككين في أوروبا على النسج على منوال بريطانيا، وعددهم مرتفع في كل من فرنسا وهولندا والنمسا. يعتقد المتشائمون أن ذلك سيفكك الاتحاد. على أقل تقدير سيؤدي هذا إلى انتشار عدم اليقين بشكل كبير في ما يتعلق بمسار الأحداث في أكبر كتلة تجارية في العالم، والتي تمتلك بلدان الشرق الأوسط علاقات تجارية واستثمارية متعددة معها.

يؤثر عدم اليقين في بريطانيا على قيمة الجنيه الاسترليني والعلاقات المتعددة للندن، كمركز مالي مركزي في أوروبا، حيث أن لديها علاقات مع البنوك وشركات التأمين في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي وخارجه، وفي منطقة الشرق الأوسط والولايات المتحدة وآسيا. عدم اليقين يمكن أن تكون له انعكاسات اقتصادية خطيرة في العالم حيث لا يزال النمو هشا.

تشكل بريطانيا، مع فرنسا، القوتين النوويتين الوحيدتين في أوروبا وتمتلكان جيشين ذوَيْ خبرة. يحتاج أي تدخل أوروبي، فيما عدا محاولة للسيطرة على تدفق المهاجرين غير الشرعيين الذين يحاولون عبور البحر الأبيض المتوسط من ليبيا، إلى التنسيق مع حلف شمال الأطلسي.

من شأن التصويت لصالح “بريكسيت” أن يعقد الوضع الدولي أكثر مما هو عليه الآن. في أي حال من الأحوال، لا يمكن وقف التنسيق الوثيق بين قوات الأمن وجيوش الدول التي تتخطى القناة الإنكليزية. غني عن القول أيضا أن فوز معسكر “بريكسيت” سيبعث السرور في الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي تحدى بنجاح سلطة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ونفوذهما في تشكيل الأحداث في سوريا وأوكرانيا.

لا يكره المستثمرون الدوليون شيئا أكثر من كرههم لعدم اليقين، لكن هل ينسحب الأمر نفسه على مخططي السياسات وليس فقط أولئك الذين يعملون ضمن صفوف الجيش؟ لا شك أن أزمة حادة داخل حزب المحافظين ستلي تصويت “بريكسيت”، الذي لا يعتبر ملزما لرئيس الوزراء في القانون البريطاني، هذا إن لم تؤدّ إلى استقالة ديفيد كاميرون. في مثل هذه الظروف، قد تقرر اسكتلندا مغادرة بريطانيا، ومن شأن التفاوض الحاد مع الاتحاد الأوروبي أن يزيد من تعقيد العلاقات الدولية.

كل هذا من شأنه أن يرتد على منطقة الشرق الأوسط على غرار ما يحصل في أوروبا وعلى علاقات بريطانيا في جميع أنحاء العالم، وليس فقط في منطقة الشرق الأوسط. وأفضل ما يمكن أن يقال هو أن العالم الحالي الذي يصعب ضبطه، سوف يصبح أكثر صعوبة من ناحية إدارته. لكن، يمكن إدارة الشرق الأوسط من دون “بريكسيت”.

زميل مشارك في مركز برشلونة للشؤون الدولية

عن صحيفة العرب ويكلي

6