بريكست يخلف آثارا قاسية على التوظيف بحي المال في لندن

دبلن اجتذبت 10 آلاف وظيفة، بينما استفادت مدن مثل ميلانو وباريس وأمستردام أيضا من الوظائف المهاجرة من لندن.
الخميس 2024/10/17
تركيز كلي لقياس التداعيات

بدأ المسؤولون البريطانيون يقفون على حجم التداعيات الكارثية التي تسبب فيها خروج المملكة المتحدة من دائرة الاتحاد الأوروبي (بريكست) على حي المال في لندن، وخاصة من حيث حجم التوظيف، ما جعل مدنا أخرى تستفيد من هذا الانفصال بشكل واضح.

لندن - اعتبر مايكل ماينيلي عمدة مدينة لندن خلال حديث مع وكالة رويترز الأربعاء أن بريكست كلف المركز المالي في لندن فقدان الآلاف من الوظائف، وهو تأثير أعمق بكثير من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مقارنة بالتقديرات السابقة.

وأكد أن العاصمة الأيرلندية دبلن هي الأكثر ربحا، حيث اجتذبت 10 آلاف وظيفة، بينما استفادت مدن مثل ميلانو وباريس وأمستردام أيضا من الوظائف المهاجرة من لندن بعد أن صوتت بريطانيا لصالح مغادرة الكتلة التجارية للاتحاد في عام 2016.

وقال ماينيلي، الرئيس الاحتفالي للمركز المالي لمدينة لندن، الذي يمتد على مساحة ميل مربع بما في ذلك بنك إنجلترا والبنوك الدولية وشركات التأمين، “لقد كان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كارثة”.

وأضاف “كان لدينا 525 ألف عامل في عام 2016. وتقديري هو أننا فقدنا ما يقل قليلا عن 40 ألف عامل”.

وحصيلة ماينيلي، الذي أمضى سنوات في رسم ثروات المركز المالي في بريطانيا قبل أن يصبح عمدة المدينة وله اتصالات مع المئات من شركات الحي المالي، أعلى بكثير من 7 آلاف وظيفة حسبها المستشارون في شركة آرنست آند يونغ التي غادرت لندن إلى الاتحاد الأوروبي بحلول عام 2022.

مايكل ماينيلي: كارثة بريكست تكلف لندن نحو 40 ألف وظيفة مالية
مايكل ماينيلي: كارثة بريكست تكلف لندن نحو 40 ألف وظيفة مالية

لكنه قال إن “مدينة لندن تنمو، بما في ذلك في مجالات غير التمويل، مع وظائف جديدة تعوض تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي”، مشيرا إلى أن أعداد العمال تضخمت إلى 615 ألفا مع نمو شركات التأمين وقطاعات تحليل البيانات.

ومع ذلك، فإن تقديره يسلط الضوء على حجم التداعيات، حيث تسعى بريطانيا إلى إعادة بناء الجسور مع أوروبا القارية.

وقال ماينيلي “لقد صوتت المدينة بأغلبية 70 صوتا مقابل 30 لصالح البقاء، ولم نرغب في ذلك”، مضيفا أنه ضاعف جهوده “للتواصل بشكل أكبر” مع أوروبا، وقام بتسع زيارات إلى دول في المنطقة هذا العام.

ويأتي سعيه لتعزيز العلاقات مع القارة وسط تباطؤ اقتصادي أوسع نطاقا في بريطانيا، التي مزقها الخلاف حول خروجها من الاتحاد الأوروبي.

وعلى الرغم من أن البعض كان يأمل في أن يمنح بريكست لندن الحرية في الحد من الهجرة، والتخلص من كميات كبيرة من تنظيمات الاتحاد الأوروبي وتعزيز الاقتصاد، إلا أن الهجرة ارتفعت، وثبتت صعوبة فك التنظيم وتباطأ الاقتصاد.

وسعى كير ستارمر، رئيس الوزراء العمالي الجديد، إلى إعادة بناء العلاقات مع الأوروبيين، التي تضررت بسبب سنوات من مفاوضات خروج بريطانيا من التكتل.

ويريد ستارمر إزالة بعض العوائق أمام ممارسة الأعمال التجارية مع دول الاتحاد، بما في ذلك اتفاقية الاعتراف المتبادل بالمؤهلات المهنية، لكنه استبعد العودة إلى السوق الموحدة للكتلة.

وقال ماينيلي “هناك الكثير الذي يمكننا القيام به في ما يتعلق بالتأشيرات” لمساعدة المدينة. وأضاف “نعمل على إبرام اتفاقيات تجارية ثنائية مع ألمانيا”.

وكان القطاع المالي في البلاد، منذ فترة طويلة، جوهرة التاج الصناعي البريطاني، وكان في حالة انحدار أيضا.

صادرات الخدمات المالية البريطانية تجاوزت خدمات الأعمال الأخرى، مثل القانون أو الإعلانات

ويرى خبراء أنّ بريكست أدى إلى تفاقم الوضع الاقتصادي في البلاد، الذي بات على حافة الركود من خلال خنق التجارة الخارجية أو الاستثمار التجاري أو عن طريق التسبّب في انخفاض الجنيه الإسترليني.

وانخفض الناتج الاقتصادي في قلب القطاع المالي في بريطانيا، بما في ذلك البنوك وصناديق الثروة، بأكثر من 15 في المئة منذ أواخر عام 2019، قبل مغادرة المملكة المتحدة رسميا للاتحاد الأوروبي.

وبشكل عام، انخفض إنتاج الخدمات المالية في بريطانيا بنسبة واحد في المئة منذ أواخر عام 2019، وهو تناقض صارخ مع فرنسا وألمانيا، حيث زاد بنسبة 8 في المئة، ونمو أيرلندا بنسبة 18 في المئة، حسبما تظهر بيانات الحساب الوطني.

وتشير التقديرات إلى أن صادرات الخدمات المالية البريطانية تجاوزت خدمات الأعمال الأخرى، مثل القانون أو الإعلانات.

وتسببت كل تلك المشاكل، فضلا عن آثار الحرب في أوكرانيا، إلى تفاقم التضخّم الذي بلغ 10.5 في المئة، وهو أدنى مستوى له في الربع الأخير من 2022، والذي أفرز أزمة خطيرة في كلفة المعيشة قبل أن يتراجع إلى 1.7 في المئة الشهر الماضي.

كما ترتسم على الشركات المحلية علامات الكآبة جراء التداعيات الوخيمة للبريكست، والتي أضافت المزيد من التكاليف على نشاطها، مما يجعلها تكابد عناء مواجهة مشاكلها عبر بلورة خطط تجارية تساعدها في النهوض من كبواتها.

وذكرت هيئة التنبؤ الرسمية للميزانية البريطانية في مارس الماضي أن توقعاتها بأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيؤدي إلى انكماش حجم التجارة بنسبة 15 في المئة كانت “تسير على الطريق الصحيح بشكل عام”.

ويعتقد معظم البريطانيين أن بريكست كان فاشلا حتى الآن، وفقا لاستطلاعات الرأي الأخيرة، لكن المؤيدين يقولون إن بريطانيا تتمتع بقدر أكبر من الحرية لمتابعة طريقها خارج الاتحاد الأوروبي.

ولدى هؤلاء تبريرات لذلك، حيث يشيرون إلى الانكماش الاقتصادي في ألمانيا والاضطرابات السياسية في فرنسا كدليل على عيوب الكتلة.

11