بريطانيا تعتزم التحرك بسرعة لإصلاح بروتوكول أيرلندا الشمالية

تعتزم المملكة المتحدة خلال الأسبوع المقبل زيادة الضغط على الاتحاد الأوروبي للقبول بتعديلات واسعة على البروتوكول المتعلق بأيرلندا الشمالية في مرحلة ما بعد بريكست. ويثير البروتوكول انتقادات من النقابيين المؤيدين للمملكة المتحدة في أيرلندا الشمالية الذين يعتبرون أن الترتيبات المرتقبة تؤدي إلى نشوء حدود تجارية بين بريطانيا وأيرلندا الشمالية، ما يقلل بالتالي من شأن الموقع القانوني لبلفاست كجزء من المملكة المتحدة.
لندن - تعتزم الحكومة البريطانية التحرك بسرعة لـ”إصلاح” بروتوكول أيرلندا الشمالية على الرغم من فوز الحزب القومي الأيرلندي شين فين في الانتخابات المحلية، والذي يدعم الحفاظ على اتفاق التجارة المثير للجدل ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست).
وقال دومينيك راب نائب رئيس الوزراء البريطاني الأحد “يجب التعامل معه. لا أريد تصعيد بعض التوترات، أريد تخفيفها”.
وامتنع راب عن التعليق على تقرير لصحيفة تليغراف يفيد بأن بريطانيا تستعد لانسحاب أحادي الجانب من الاتفاق، قائلا إن الحكومة تفضل تسوية قائمة على التفاوض مع الاتحاد الأوروبي، على الرغم من أن المملكة المتحدة لم تأخذ أي شيء “خارج الطاولة” أكثر من التصرف من جانب واحد.
وكان البروتوكول يحظى في بادئ الأمر بدعم حكومة رئيس الوزراء بوريس جونسون، على الرغم من أن تنفيذه مصدر مستمر للتوتر بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي.
وسيعلن رئيس الوزراء البريطاني عن سلسلة من مشروعات القوانين من أجل “الوفاء بوعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي” عندما تبدأ الجلسة الجديدة للبرلمان الثلاثاء.

دومينيك راب: الاستقرار يتعرض للخطر بسبب مشكلات بروتوكول أيرلندا الشمالية
وقال جونسون لصحيفة صنداي إكسبرس إن مشروعات القوانين السبعة تهدف إلى إلغاء الروتين و”الحواجز غير الضرورية” الموروثة من الاتحاد الأوروبي قبل انسحاب المملكة المتحدة من التكتل. وأضاف جونسون أنها ستركز على مجالات مثل الخدمات المالية وإصلاح البيانات.
وتابع أن الإجراءات الجديدة “ستفيد الأسر والشركات بمختلف أنحاء البلاد بتغيير قواعد الاتحاد الأوروبي غير المجدية بالنسبة إلى المملكة المتحدة”.
وبعدما حقق الحزب القومي شين فين فوزا تاريخيا في انتخابات أيرلندا الشماليّة، دعت لندن الأحد القوميين والوحدويين إلى الاتحاد لتشكيل حكومة محلية لضمان “استقرار” المقاطعة البريطانية، حيث يلوح في الأفق خطر الشلل السياسي على خلفيّة بريكست.
وتصدّر شين فين، المؤيد لإعادة التوحيد مع جمهورية أيرلندا، الانتخابات في أيرلندا الشمالية بعد اقتراع الخميس وفاز بـ27 مقعدًا من أصل 90 في الجمعيّة الوطنيّة، مقابل 25 مقعدًا لمنافسه الحزب الوحدوي الديمقراطي المؤيّد للتاج البريطاني.
ويهدد الوحدويون بمقاطعة الحكومة المحلية الجديدة التي من المقرر أن يتقاسموا السلطة فيها مع القوميين بموجب اتّفاق السلام المبرم في 1998، مالم يتم تنفيذ مطالبهم المتعلقة ببريكست. وقبل لقائه قادة الأحزاب المحلية الاثنين اعتبر الوزير البريطاني المكلّف بشؤون المقاطعة براندون لويس في تصريح لشبكة “بي.بي.سي” أنها “لحظة مهمة لإظهار أن بإمكان الجميع العمل معًا”.
ويسمح انتصار شين فين، الواجهة السياسية السابقة للمنظمة شبه العسكرية الجيش الجمهوري الأيرلندي، بتعيين نائبة رئيس هذا الحزب ميشيل أونيل على رأس الحكومة المحلية، للمرة الأولى منذ مئة عام في تاريخ المقاطعة البريطانية التي تشهد توترا منذ بريكست، وبدء عملية لإعادة رسم وجه المملكة المتحدة. واعتبرت أونيل أن أيرلندا الشمالية تدخل “حقبة جديدة” بعد أن شهدت مرحلة اتسمت بعدم الاستقرار السياسي، ووعدت بأنّها ستنتهج أسلوب قيادة يُشرك الأطراف كافة.
لكنّ المحادثات الرامية إلى تشكيل حكومة جديدة تبدو معقّدة، إذ يرفض الحزب الوحدوي الديمقراطي الذي حل ثانيا بعد عقود من هيمنة الوحدويين (من المقرر أن يشغل منصب نائب رئيس الوزراء) المشاركة في أيّ حكومة من دون تعديل الاتّفاق التجاري المبرم بين المملكة المتحدة والاتّحاد الأوروبي الذي يهدد نزاهة المملكة المتحدة. وحث لندن على اتخاذ إجراءات لإزالتها.
وأضاف راب “من الواضح أيضًا أن هذا الاستقرار يتعرض للخطر بسبب المشكلات الناجمة عن بروتوكول أيرلندا الشمالية”. وجدد رغبة حكومته في إعادة التفاوض على هذا النص الذي وافقت عليه لندن والاتحاد الأوروبي، والذي يمنح وضعاً خاصاً للمقاطعة من خلال إبقائها في السوق الأوروبية الموحدة والاتحاد الجمركي لتجنب عودة الحدود الصعبة مع أيرلندا للحفاظ على السلام.
وإذ ترفض بروكسل التي تعرض إجراء تعديلات فقط، قال نائب رئيس الوزراء إنه يفضل التفاوض لكنه لم يستبعد أن تتصرف لندن من جانب واحد لحماية التجارة بين أيرلندا الشمالية وبريطانيا وكذلك “النزاهة الدستورية” للمملكة المتحدة. كما دعت دبلن وواشنطن المسؤولين في أيرلندا الشماليّة إلى تقاسم السلطة.
وأمام شين فين والحزب الوحدوي الديمقراطي 24 أسبوعًا لإيجاد أرضية مشتركة، وفي حال عدم التوصل إلى ذلك يتعين تنظيم انتخابات جديدة.
وقالت أستاذة علم الاجتماع السياسي في جامعة كوينز في بلفاست كاتي هايوارد “يمكننا أن نتصور بكل سهولة أن يستغرق الجميع مجمل هذه الأشهر الستة في التفاوض”.
وتداركت “لكن نظرا إلى العجالة التي تفرضها تكلفة المعيشة وأزمات النظام الصحي، ينبغي تشكيل حكومة، ويمكننا بعد ذلك التفكير في إجراء تعديلات أكبر على اتفاقية الجمعة العظيمة”.
ودعت أونيل إلى “نقاش صحي” حول مستقبل أيرلندا الشمالية، معلنة أن حزبها يأمل في إجراء استفتاء لإعادة التوحيد في غضون خمس سنوات. إلا أنها قالت إن على الحكومة الجديدة معالجة ارتفاع تكاليف المعيشة في المقام الأول، بعد أن خاضت حملة في هذا الاتجاه.
رئيس الوزراء البريطاني يسعى إلى إعلان سلسلة من مشروعات القوانين من أجل "الوفاء بوعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي"
وأشار راب من جانبه إلى أن 58 في المئة من الناخبين أيدوا أحزابًا تناصر الاتحاد مع المملكة المتحدة أو الوضع الراهن.
وقالت هايوارد إنّ “نجاح شين فين مردّه ضعف النزعة الاتّحاديّة في وقتٍ تشهد المملكة المتحدة تغييرا حقيقيا في مرحلة ما بعد بريكست”. كذلك أشارت المحللة إلى تشرذم أصوات الناخبين الوحدويين وتقدم حزب “تحالف” الوسطي.
وحزب “تحالف” الذي يدعو سكان أيرلندا الشمالية إلى التغلب على انقساماتهم، هو التشكيل الآخر الذي سيخرج أقوى من الاقتراع.
وفي أماكن أخرى من البلاد تلقّى حزب المحافظين بقيادة جونسون ضربة قوية بعد خسارة المئات من المقاعد والعشرات من المجالس لصالح حزب العمّال الذي انتزع ثلاثة معاقل للمحافظين في لندن، وأحزاب أصغر، أي الليبراليّين الديمقراطيّين ودعاة حماية البيئة (الخضر) في جنوب إنجلترا.
واعترف جونسون بأنّ “النتائج مثيرة للجدل” وبأنّ الوضع “صعب” للمحافظين في بعض المناطق، لكنّه تحدث عن مكاسب في مناطق أخرى، مؤكّدا تصميمه على البقاء في السلطة لمعالجة مشاكل البريطانيين. لكنّ هذه النتائج السيّئة تُضعف رئيس الحكومة، ما يدفع النواب المحافظين القلقين مع اقتراب الانتخابات التشريعيّة في 2024 إلى التشكيك في جدوى الاستمرار في دعمه.
وقال سيمون أوشيروود أستاذ العلوم السياسية في جامعة أوبن يونيفرسيتي إنّه من أجل إقناع المتردّدين على جونسون تقديم “خطة عمل حقيقية”.