بريطانيا تصحح مسار الضرائب والتقشف في الإنفاق

قلب وزير المال البريطاني الجديد خطة الإنعاش التي أعلنت عنها الحكومة قبل أسابيع رأسا على عقب عبر تصحيح مسار الضرائب والتقشف في الإنفاق، مما سمح بتحول في أهم المؤشرات. لكن الخطوة لا تزال تُبقي الاقتصاد عند حدود الركود الذي يبدو أنه لا مفر منه.
لندن - نسف وزير المال البريطاني الجديد جيريمي هانت الاثنين الميزانية المصغرة بالكامل لرئيسة الوزراء ليز تراس، التي أحدثت زعزعة في السوق وتسببت في انحدار الجنيه الإسترليني، وقام بكبح خطة ضخمة لدعم الطاقة، أملا في استعادة بناء الثقة مع المستثمرين.
وقدر هانت بأن التعديلات المرتبطة بالضرائب ستساهم في جمع حوالي 32 مليار إسترليني سنويا بعدما قدّر خبراء اقتصاد بأن الحكومة ستواجه فجوة في التمويل العام بمبلغ قدره 60 مليار إسترليني. كما حذر من إمكانية خفض النفقات.
وشدد وزير المال، الذي تولى المنصب بشكل مفاجئ الجمعة الماضية ليحل مكان كواسي كوارتنغ بعد إقالته بشكل دراماتيكي، أن على أي حكومة ألا تسيطر على الأسواق، لكنه أكد أن تحرّكه سيلعب دورا مطمئنا حيال صحة الأموال العامة.
وقال في بيان متلفز “سنلغي تقريبا جميع الإجراءات المرتبطة بالضرائب التي أعلنت قبل ثلاثة أسابيع”، بينما أقر بأن الميزانية التي أعلنها سلفه الشهر الماضي أضرت بالوضع المالي العام. وأضاف “الهدف الأهم لبلدنا حاليا هو تحقيق الاستقرار”.
وتراجع هانت عن خطط لإلغاء المعدل الأقل للضريبة على الدخل ووضع حدا لخطة الحكومة الأبرز القاضية بتجميد أسعار الطاقة، لتنتهي في أبريل المقبل بدلا من أواخر العام 2024. وأفاد بأن الحكومة “ستراجع بعد أبريل 2023 حزمة دعم أسعار الطاقة”.
كما تم التخلي عن مقترح يقضي بخفض ضرائب أرباح المساهمين، فضلا عن خطة لتوفير تجربة تسوّق دون ضرائب للسياح وتجميد الرسوم على المشروبات الكحولية.
ويأتي الإعلان في ظل تراجع كبير لحزب تراس المحافظ في استطلاعات الرأي، على وقع الأزمة المحتدمة لتكاليف المعيشة في بريطانيا بسبب انعكاسات الحرب في أوكرانيا؛ حيث بلغ التضخم في أغسطس الماضي نسبة 9.9 في المئة.
وأقالت رئيسة الوزراء صديقها المقرّب كوارتنغ الجمعة الماضية بعدما أحدثت ميزانيتها المثيرة للجدل، والقائمة على خفض الضرائب، حالة فوضى في الأسواق، ما أثار تساؤلات بشأن مستقبلها السياسي بعد شهر من توليها السلطة.
وأدى الكشف عن الخطة الجديدة إلى انتعاش كل من السندات الحكومية والإسترليني والأسهم في بريطانيا رغم أنها لم تعجب المنتقدين.
وحصل هانت على القليل من الثقة في وقت مبكر الاثنين عندما ارتفعت أسعار السندات الحكومية طويلة الأمد في صباح اليوم الأول من التداول خلال هذا الأسبوع دون دعم برنامج شراء السندات الطارئ لبنك إنجلترا المركزي الذي انتهى الجمعة الماضية.
ومع ذلك رأى مستثمرون أنه رغم الترحيب بالتغييرات التي يجريها هانت، فإنها لم تفعل شيئا سوى إعادة بريطانيا إلى وضعها الذي كانت عليه في أواخر سبتمبر الماضي، إذ لا تزال البلاد في حالة اقتصادية غير مستقرة وتقودها رئيسة وزراء أداؤها ضعيف للغاية.
وظلت عوائد السندات البريطانية طويلة الأجل، والتي تتحرك عكسيا أمام الأسعار، منخفضة بعد البيان، مع تراجع عوائد السندات البريطانية لأجل 30 عاما بنحو 40 نقطة أساس إلى 4.382 في المئة، كما هبطت السندات لأجل 20 عاما إلى 4.48 في المئة.
ومن الناحية التاريخية يمثل الانخفاض بمقدار 35 نقطة أساس في العوائد اندفاعًا هائلاً لأسعار الذهب، إلا أنه الاثنين أعاد العائدات فقط إلى مستويات الأسبوع الماضي انعكاسا لتقلبات السوق الهائلة.
ولا يزال الانخفاض أعلى بكثير من المستوى الذي شوهد قبل الإعلان عن أجندة النمو، وهو مقياس العجز في ثقة المستثمرين الذي يجب على هانت معالجته الآن. لاسيما وأن المركزي أشار إلى أن تدخله عزز الصمود في القطاع.
وفي المقابل صعد الإسترليني 1.4 في المئة إلى أعلى مستوى عند 1.13 دولار عقب الإعلان عن الإجراءات الجديدة ليواصل تعزيز مكاسبه أمام العملة الأميركية.
واعتبر بول جونسون، رئيس معهد الدراسات المالية، أنه سيكون من الصعب على هانت إعطاء تفاصيل صريحة بشأن تخفيضات الإنفاق “لأنه دخل للتو في الخزانة”.
وقال لراديو بي.بي.سي إن “هانت يمكن أن يشير إلى أن الحكومة ستزيد مدفوعات الرعاية الاجتماعية بما يتماشى مع متوسط الدخل وليس المستوى الأعلى للتضخم”، لكن هذا سيكون “أمرا كبيرا ومثيرا للجدل”.
وفي خضم ذلك ألمح أندرو بيلي، محافظ بنك إنجلترا، إلى أن أسعار الفائدة قد ترتفع بشكل حاد في الشهر المقبل، حتى مع احتمال دخول الاقتصاد في حالة ركود قريبا.
وحذر الكثير من المحللين والخبراء من أن الاقتصاد البريطاني قد يتعرض لانتكاسة في العام المقبل قد لا تستطيع الحكومة معالجتها على النحو الأمثل.
وتوقع بنك غولدمان ساكس الأحد الماضي انكماش الاقتصاد البريطاني بنسبة واحد في المئة خلال 2023، وهو انكماش أكثر حدة من توقعه السابق بنسبة 0.4 في المئة، على خلفية التخفيضات الضريبية التي فرضتها تراس.
32 مليار إسترليني يتوقع أن تجمعها الحكومة سنويا من التعديلات المرتبطة بالضرائب
ورجّح محللو إي.واي آيتم كلوب في أحدث توقعاتهم الموسمية أن ينكمش الاقتصاد البريطاني بواقع 0.2 في المئة من إجمالي الناتج المحلي كل ربع سنة ابتداء من أكتوبر الجاري حتى يونيو المقبل.
وأدى مزيج ارتفاع أسعار الطاقة ومعدل التضخم وزيادة أسعار الفائدة وتراجع الاقتصاد العالمي إلى زيادة احتمالات دخول الاقتصاد البريطاني دائرة الركود حتى منتصف العام المقبل.
ورغم ذلك يرى المحللون أن احتمالات حدوث تراجع حاد للاقتصاد البريطاني تقلصت بفضل قرار الحكومة وضع حد أقصى لأسعار الطاقة للمستهلكين، وهو ما يعني أن الركود القادم لن يكون بنفس حدة الركود السابق.
وتدخلت الحكومة في سبتمبر الماضي ووضعت سقفا لقيمة فاتورة استهلاك الكهرباء للأسرة العادية عند 2500 إسترليني، وتعهدت بتغطية جزء من نفقات الكهرباء للشركات البريطانية أيضا.
