بريطانيا تتراجع عن الدعوة لانتخابات مبكرة في أيرلندا الشمالية

مهلة إضافية حتى يناير لتجاوز خلافات بريكست.
السبت 2022/11/05
متاعب بريكست لا تنتهي

استبعدت بريطانيا إجراء الانتخابات المقبلة في أيرلندا الشمالية خلال ديسمبر المقبل، بشكل غير متوقع، مما يمهد الطريق على الأرجح أمام إجراء تصويت في يناير المقبل. وتسعى لندن من خلال التأني في مسألة إجراء انتخابات أو عدم إجرائها إلى تجاوز الخلافات بشأن بريكست، ما يكسر الجمود السياسي.

لندن - تخلّت الحكومة البريطانية الجمعة عن تهديدها بالدعوة إلى انتخابات مبكّرة في أيرلندا الشمالية، وسط جمود سياسي بسبب وضعها بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ( بريكست).

وكانت لندن قد أمهلت الأحزاب السياسية حتى الثامن والعشرين من أكتوبر للتوافق وتشكيل حكومة جديدة. لكنّ الوحدويّين المتمسّكين بترسيخ المقاطعة في المملكة المتحدة، ظلّوا غير مرنين كما كانوا منذ خروجهم من الحكومة المحلية في فبراير.

وقال الوزير المكلف بشؤون أيرلندا الشمالية في الحكومة البريطانية كريس هيتون – هاريس في بيان “يمكنني أن أؤكد لكم الآن أنه لن يتم إجراء انتخابات في ديسمبر أو قبل الأعياد. سأقوم بإعلان في البرلمان لتحديد المراحل المقبلة”.

والجمود السياسي في أيرلندا الشمالية ناجم عن رفض “الحزب الوحدوي الديمقراطي”، المؤيد للتاج البريطاني والمناهض لبروتوكول بريكست الذي يمنح وضعًا خاصًا للمقاطعة، المشاركة في الجمعية المحلية، وهو ما يحول دون تشكيل حكومة.

ويُفترض أن يشارك في الحكومة الجمهوريون من حزب “شين فين” المؤيّد لإعادة توحيد أيرلندا الشمالية مع جمهورية أيرلندا والذي فاز في الانتخابات المحلية في مايو، بموجب اتفاق سلام عام 1998 وضع حدًا لثلاثة عقود من نزاع أهلي أسفر عن 3500 قتيل.

وتواصل كريس هيتون – هاريس طوال الأسبوع مع كافة مكوّنات المجتمع المحلي لمحاولة التوصل إلى حلّ، لكن دون جدوى.

وحذّر مسؤولون كثيرون في المقاطعة من أن الانتخابات الجديدة -إن تم إجراؤها- لن تغيّر شيئًا من المأزق بما أن مشاركة الوحدويين في الحكومة إلزامية مهما كانت نتيجتهم، وهم يربطون مشاركتهم بمصير بروتوكول أيرلندا الشمالية.

وهذه الوثيقة التي وافقت عليها لندن والاتحاد الأوروبي كجزء من اتفاق بريكست الذي أبرم عام 2019، تبقي المقاطعة في قلب السوق الأوروبية الموحدة لتجنّب خلق حدود فعلية بين المقاطعة وجمهورية أيرلندا، ما قد يثير توترات أخرى.

ماروس سيفكوفيتش: الاتحاد الأوروبي يمكنه خفض نقاط التفتيش الجمركية عبر البحر الأيرلندي
ماروس سيفكوفيتش: الاتحاد الأوروبي يمكنه خفض نقاط التفتيش الجمركية عبر البحر الأيرلندي

وفي الواقع تُقام بموجب الوثيقة حدود جمركية وتنظيمية، وهذا أمر غير مقبول بالنسبة إلى الوحدويين.

وتحتفظ لندن بصلاحيّة إلزام المقاطعة قانونًا بتنظيم انتخابات لكن المهل المحددة حتى الآن تسمح بأن تُجرى الانتخابات في يناير، ما يعطي مهلة أكبر لمحاولة الخروج من المأزق بشأن بروتوكول أيرلندا الشمالية.

وتريد الحكومة البريطانية إعادة التفاوض بشأن هذه الوثيقة بشكل عميق وبدأت سنّ القوانين المتعلقة بذلك. لكن بروكسل ترفض الأمر ولا تقبل سوى بتعديلات، مهدّدةً بحرب تجارية.

وفي الأثناء تقوم لندن بمهمّة تصريف الأعمال في أيرلندا الشمالية لكنّ الكثير من الملفات مجمّدة، في خضمّ أزمة اقتصادية واجتماعية مرتبطة بارتفاع الأسعار.

وبعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أثير الخوف من أن تشديد الضوابط عند الحدود بين جمهورية أيرلندا وأيرلندا الشمالية، التي مازالت جزءا من المملكة المتحدة، قد يزيد التوترات الطائفية التي لم تهدأ سوى في العقدين الأخيرين.

وتدفع الحكومة البريطانية بمشروع قانون لتعديل الاتفاق بشكل أحادي كي تمنح الوزراء صلاحيات إلغاء نقاط التفتيش عند البحر الأيرلندي التي تمت إقامتها بموجب بروتوكول ما بعد بريكست.

وترغب الحكومة البريطانية في اعتماد نظام جديد، بحيث تمر البضائع المتداولة والمتبقية داخل بريطانيا عبر قناة خضراء جديدة وتحررها من الإجراءات الإدارية. وتبقى البضائع الموجهة إلى الاتحاد الأوروبي خاضعة لجميع الضوابط المطبقة بموجب قانون الاتحاد الأوروبي.

لكن إبقاء الحدود مفتوحة ينطوي على خطر دخول منتجات بريطانية إلى الاتحاد الأوروبي دون فحصها، وهذا هو سبب إصرار التكتل على تشديد القيود بين أيرلندا الشمالية وبريطانيا.

ويؤسس تحرك بريطانيا، الذي يهدف إلى تعديل بروتوكول أيرلندا الشمالية، لحلقة جديدة من التوتر مع بروكسل التي هددت بفرض إجراءات عقابية تجارية إن تم تجاوزها.

ويرى البريطانيون في تعديل بعض بنود الاتفاق ضرورة ملحة للحفاظ على اتفاق الجمعة العظيمة بينما يرى الأوروبيون في ذلك انتهاكا لاتفاق انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وأنشأ البروتوكول الذي أبرم لحماية السوق الأوروبية الموحدة حدودا جمركية في بحر أيرلندا لإبقاء أيرلندا الشمالية في المدار الجمركي للاتحاد الأوروبي وتجنب إنشاء حدود برية بين المقاطعة البريطانية وجمهورية أيرلندا، العضو في الاتحاد الأوروبي، وحماية اتفاق الجمعة العظيمة الذي وقّع عام 1998 ووضع حدا لأعمال عنف دامية استمرت عقودا وأسفرت عن مقتل 3500 شخص.

الانتخابات الجديدة في المقاطعة ليست الحل بما أن مشاركة الوحدويين في الحكومة إلزامية مهما كانت نتيجتهم

وأقر البروتوكول بوضعية أيرلندا الشمالية كمنطقة هشة خارجة من نزاع، تتشارك الحدود البرية الجديدة للمملكة المتحدة مع الاتحاد الأوروبي.

أما جمهورية أيرلندا المجاورة لأيرلندا الشمالية والعضو في الاتحاد الأوروبي فهي قلقة بشكل خاص من تداعيات قرار بريطاني أحادي محتمل. وعبّر وزير الخارجية الأيرلندي سيمون كوفيني عن قلقه من إمكانية تعرض الثقة لضربة تصعّب عملية التوصل إلى حلول، قائلا إنه “يأسف كثيرا” لما يصدر عن بريطانيا.

وذكر ماروس سيفكوفيتش، كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي بشأن بريكست، أن الاتحاد الأوروبي يمكنه خفض نقاط التفتيش الجمركية عبر البحر الأيرلندي ليقتصر على عدد قليل من الشاحنات في اليوم.

وقال سيفكوفيتش فى تصريحات أدلى بها لصحيفة فاينانشال تايمز إن خطط المفوضية الأوروبية تنص على حدود تجارية “غير مرئية” شريطة أن تقدم المملكة المتحدة لمسؤولي الاتحاد الأوروبي بيانات فورية عن الحركة التجارية.

وأضاف أنه لا يوجد تقريبا فارق بين مطلب المملكة المتحدة الداعي إلى “عدم وضع نقاط تفتيش” وعرض الاتحاد الأوروبي الذي يقضي “بوضع الحد الأدنى من نقاط التفتيش بأسلوب غير مرئي”.

ويتطلع الاتحاد الأوروبي إلى العمل مع رئيس الوزراء البريطاني الجديد ريشي سوناك لتجاوز الخلافات حول بروتوكول أيرلندا الشمالية، إلا أن محللين يؤكدون أن الوصول إلى تفاهم قد يستغرق أشهرا من النقاشات، وهو ما يكرس حالة الجمود السياسي في المقاطعة البريطانية.

5