بريطانيا: الانتماء إلى الإخوان أول إشارات التطرف

لندن - أعلنت بريطانيا بعد طول انتظار خلاصة تحقيق أجرته حول تنظيم الإخوان المسلمين قالت في مجملها إن التنظيم يمتلك روابط ملتبسة بمجموعات متشددة في الشرق الأوسط وخارجه، وإن الانتماء إليه مؤشر قوي على الاتجاه نحو التطرف.
وتعيش بريطانيا، ومعها الدول الغربية، حالة قلق كبيرة من تأثيرات الحركات الإسلامية المستوطنة في أوروبا بالدرجة الأولى والمتهمة بأنها المسؤولة بشكل مباشر أو غير مباشر عن تصاعد ظاهرة الإرهاب في الدول نفسها أو بنسخته الذاهبة إلى ساحات القتال في سوريا والعراق.
وطوال 20 شهرا منذ بدء تحقيق أجراه السير جون جينكينز سفير بريطانيا السابق في الرياض للتدقيق في أنشطة التنظيم في بريطانيا والأيديولوجيا التي يروجها بين أعضائه، كانت التكهنات حول مستقبل الفرع الدولي للتنظيم الذي يتخذ من لندن مقرا له قائمة، وظلت قياداته في العاصمة البريطانية على الدوام موضع اتهام.
وخلصت المراجعة التي أجرتها الحكومة البريطانية ونشرت نتائجها أمس إلى أن الانتماء إلى الجماعة السياسية أو الارتباط بها ينبغي اعتباره مؤشرا محتملا على التطرف.
وكان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون قد أصدر توجيهاته في أبريل 2014 ببدء المراجعة بهدف تحديد إن كانت جماعة الإخوان تشكل خطرا على الأمن القومي البريطاني.
وقال كاميرون في بيان للنواب البريطانيين أمس لتبيان نتائج التقرير إن “هناك قطاعات من الإخوان المسلمين لها علاقة مشبوهة بقوة مع التطرف المشوب بالعنف. أصبحت الجماعة كفكر وكشبكة نقطة عبور لبعض الأفراد والجماعات ممن انخرطوا في العنف والإرهاب”.
وقالت مصادر في الحكومة البريطانية لـ”العرب” إن وزيرة الداخلية تريزا ماي كلفت منذ شهر أبريل الماضي وحدة تابعة لأجهزة مكافحة الإرهاب تسمى “وحدة تحليل التطرف” بمتابعة أنشطة تنظيم الإخوان عن قرب.
وتختص هذه الوحدة في المقام الأول بمراقبة التنظيمات الإسلامية المتطرفة التي تنفي ارتباطها بالعنف لكنها تعد البيئة المولدة للمتطرفين.
وسارع محامو الإخوان إلى الإعلان على الفور أنهم يتجهون إلى رفع دعوى ضد الحكومة البريطانية إذا صدر عنها ضد التنظيم “أي انتقاد غير مبرر”.
وقال طيب علي المحامي البريطاني من أصول باكستانية “من الواضح أن الحكومة البريطانية خضعت للتأثير من قبل قوى خارجية لمحاصرة أكبر جماعة ديمقراطية في الشرق الأوسط”.
وشارك التنظيم عام 2011 في الاحتجاجات الحاشدة التي أطاحت بالرئيس المصري حسني مبارك. لكنه يواجه اتهامات بدعم جماعات متشددة في مصر وتونس حيث سبق وأن وصلت الفروع التنظيمية في البلدين إلى الحكم وسرعان ما خسرته بسبب عدم التأييد الشعبي. كما لعب التنظيم أدوارا في تحول الاحتجاجات السلمية ضد الأنظمة الحاكمة في ليبيا وسوريا واليمن إلى حروب أهلية مدمرة.
|
ومنذ إطاحة الجيش في مصر بالرئيس المنتمي إلى الإخوان المسلمين محمد مرسي إثر احتجاجات شعبية حاشدة على حكمه في يوليو 2013، يشن متشددون إسلاميون تتهمهم الحكومة المصرية بأن لهم علاقات بالإخوان هجمات دامية راح ضحيتها المئات من رجال الأمن المصريين، في وقت زجت الحكومة المصرية فيه بالآلاف من المنتمين إلى التنظيم في السجون وأعلنته تنظيما إرهابيا.
وانضم كثير من الأعضاء في الإخوان المسلمين إلى تنظيم داعش وتنظيمات متشددة أخرى تقاتل للإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد. كما تحالف فرع الجماعة في ليبيا مع تنظيم أنصار الشريعة القريب من القاعدة في حرب طويلة الأمد ضد الحكومة المعترف بها دوليا.
وقال لورينزو فيدينو الباحث المتخصص في شؤون الإخوان المسلمين لـ”العرب” إن “الحكومة البريطانية أوقفت الاعتماد على الإخوان كوسطاء مع الجالية المسلمة كما تقوم بالفعل بإجراءات لمراقبة التنظيم منذ نحو عامين لأنها بدأت تدرك أخيرا أن الإخوان المسلمين أصبحوا جزءا من المشكلة بدلا من الاعتقاد الذي كان سائدا في السابق بأنهم جزء من الحل”.
وأضاف فيدينو الذي شارك في إجراء التحقيق برئاسة السفير جينكينز “قد يعتقد أعضاء في جماعة الإخوان أن عدم إعلانهم في بريطانيا تنظيما إرهابيا انتصار لكن في الواقع لم يكن تصنيف التنظيم كإرهابي مطروحا على الطاولة منذ البداية”.
وبعد إعلانها تنظيما إرهابيا في مصر والسعودية والإمارات، كثفت جماعة الإخوان المسلمين من حضورها في العاصمة البريطانية لندن حيث يقع مقرها الرئيسي في شارع كريكل وود شمالي المدينة، ويتم الإشراف من خلاله على مواقع إخبارية ومكاتب علاقات عامة ومئات الجمعيات الخيرية التي تعمل على جمع دعم مالي كبير في شكل تبرعات لحساب أفرع التنظيم في الشرق الأوسط وتنظيمات متشددة حليفة له.
وقال كاميرون إن جماعات مرتبطة بالإخوان المسلمين أو متأثرة بها صنفت بريطانيا أحيانا بأنها معادية بشكل جوهري للدين والهوية الإسلامية كما عبرت عن تأييدها لهجمات انتحارية تنفذها حركة المقاومة الإسلامية حماس.
وأضاف “ومن ثم فإن جوانب من فكر الإخوان المسلمين وأنشطتها يتعارض مع قيم بريطانية كالديمقراطية وسيادة القانون وحرية الفرد والمساواة والاحترام المتبادل والتسامح مع الأديان والمعتقدات المختلفة”.
وأشار إلى أن الحكومة ستراقب آراء منتسبي الإخوان المسلمين وأنشطتهم في بريطانيا وستحدد إن كانت الجماعة تندرج تحت التوصيف القانوني للمنظمات الإرهابية.
وستواصل بريطانيا أيضا رفض منح تأشيرات دخول للأعضاء والمنتسبين للحركة ممن أدلوا بتصريحات متطرفة وستكثف مراقبتها للآراء والأنشطة التي يروج لها الأعضاء والمنتسبون في الخارج. ومن بين هؤلاء الشيخ يوسف القرضاوي الزعيم الروحي للجماعة الذي يقيم في الدوحة، والممنوع من دخول بريطانيا.
ويعني التقييم الحكومي أن ثمة إجراءات تنفيذية جديدة ستتخذ تتيح لأجهزة الاستخبارات البريطانية مراقبة التحويلات المالية لحسابات مرتبطة بالتنظيم، بما فيها للأعضاء، كما ستشدد من مراقبتها لارتباطات الأعضاء بتنظيمات جهادية خارج بريطانيا.
وقال دانيال كافشينسكي عضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس العموم البريطاني لـ”العرب” إن “هناك ضغوطا كبيرة على الحكومة داخل البرلمان لمتابعة مراقبة هذا التنظيم وكل التنظيمات الأخرى التي تحاول تغيير طبيعة المجتمع البريطاني والقيم المترسخة فيه”.
وأضاف “لدينا حلفاء استراتيجيون في منطقة الشرق الأوسط يعتقدون أن أنشطة الإخوان المسلمين تؤثر على استقرار المنطقة، وقد تحدثوا إلينا بالفعل ورفضوا توفير ملجأ لقادة الإخوان في لندن، لذلك ينبغي علينا القيام بفعل شيء ما حيال التنظيم على الفور”.
وستؤثر هذه الإجراءات على أفرع التنظيم في دول أخرى في أوروبا على رأسها فرنسا التي تشكل الوجهة الاحتياطية لقادته إذا ما صعدت لندن من إجراءات خنق التنظيم الدولي في لندن.
وبات مؤكدا أن حلفاء بريطانيا في الشرق الأوسط كالإمارات والسعودية ومصر مارسوا مرارا ضغوطا على بريطانيا لتقويض تحركات التنظيم الذي يقولون إنه يشكل خطرا على استقرار وأمن المنطقة بأكملها.
وكافح حزب الديمقراطيين الأحرار البريطاني الذي كان عضوا في الائتلاف الحاكم لتأجيل صدور التقرير والتخفيف من محتواه المنتقد للتنظيم المتشدد.
الإخوان عنوان للتطرف في بريطانيا