بروين حبيب ظاهرة ثقافية خارج الوصفات الجاهزة

لا يكفي لقب “إعلامية” للتعريف بها، بالرغم من أنها أجادت اللعب في ذلك المجال الحيوي، ورسمت فيه خريطتها الثقافية التي مزجت من خلالها خبرتها الثقافية العميقة بمراس عملي تعلمت من خلاله أن تحوّل كل ما هو ثقافي معقد إلى مزاج عاطفي خفيف الوطأة سريع التأثير.
أكاديمية وناقدة وشاعرة وكاتبة أطفال وكاتبة مقال في صحيفتين في الوقت نفسه هي. غير أن ما ننتظره منها من مفاجآت أكثر مما نعرفه عنها. حاضرة البديهة، سريعة في تنقلها بين مواهبها كما لو أنها تعيش زمنا خاصا بها، اخترعته لكي يتلاءم مع سرعتها في التفكير ورغبتها في التغيير. فهي لا تُرى في مكان حتى تكون قد ظهرت في مكان آخر. مسافرة في الواقع كما في الخيال.
سيرة بملامح عامة
بروين حبيب بحرينية المولد والنشأة غير أن انتماءها إلى الثقافة العربية جعلها ابنة كل مكان شهدت فيه حيوية تلك الثقافة نوعا من النبوغ والاختلاف والمبادرة. وهي تملك من الوقت ما يجعلها حاضرة في زماننا وفي الوقت نفسه ترحل إلى الماضي في مراجعة لأحداث تعنيها وتنسجم مع حساسيتها الأدبية. وباعتبارها شخصية عامة فإن الجزء الأكبر من سيرتها يتداخل مع ما تعرفه عن الآخرين، بحيث أتوقع أنها لو كتبت سيرتها الشخصية فإنها ستكتب عن الآخرين أكثر مما تكتب عن نفسها. فبالرغم من أن ما تكتشفه يجد طريقه مباشرة إلى العلن، فإن ذلك لا يعني أنها تقول كل ما تعرفه.
لقد تعلمت بروين كيف ومتى تصنع المفاجأة. وتعلمت أيضا متى تنتقل بخفة وسلاسة من برنامج تلفزيوني إلى آخر رغبة منها في تطوير علاقتها بجمهور عريض يتابعها لأنه يثق برقي وجمال وعمق ما تقدمه. بروين حبيب اسم، لكنه صفة أيضا.
ولدت بروين حبيب في المنامة بالبحرين عام 1969. بدأت علاقتها بالتلفزيون وهي في الحادية عشرة من عمرها حين ارتبطت بمؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لدول الخليج العربي. عام 1988 عملت مذيعة في فضائية البحرين ثم انتقلت عام 1999 للعمل في فضائية دبي.
درست الأدب العربي في جامعة البحرين. حصلت على شهادة الماجستير عام 1997 من جامعة عين شمس بالقاهرة وكانت أطروحتها عن شعر نزار قباني، كما نالت شهادة الدكتوراه عام 2004 من معهد الدراسات في مصر عن دراسة بعنوان “لغة نص المرأة الشعري بالخليج”.
أصدرت كتابها الشعري الأول وكان بعنوان “رجولتك الخائفة، طفولتي الورقية” عام 2001. بعده أصدرت ثلاثة كتب شعرية هي “أعطيت المرآة ظهري” و”الفراشة” و”الوهم الأخضر”. كما أصدرت كتبا نثرية هي عبارة عن سلسلة من المقالات من بينها “دانتيلا، هذا اليوم لا يشبهني” و”دانتيلا، أقل من الصحراء”.
في مجال الدراسات الأدبية أصدرت عام 1999 كتاب “تقنيات التعبير في شعر نزار قباني”. وفي عام 2022 عادت إلى شاعرها المفضل قباني لتؤلف كتابا هو عبارة عن مختارات من شعره بعنوان “عاشق الكلمات”.
أصدرت حبيب في مجال أدب الأطفال كتاب “جدي والواتساب” الذي حقق انتشارا واسعا. من خلال نشاطها الأدبي وحرصها على الاستمرار في كتابة مقاليها الأسبوعيين وضعت بروين حبيب شخصيتها المستقلة خارج الأطر والوصفات الجاهزة. فهي في كل البرامج التلفزيونية التي ابتكرتها كانت محاورة ذكية تستضيف شخصيات تثق في أن ما تقوله سيكون نافعا للجمهور الواسع الذي يتابعها. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن مشروعها الأدبي الخاص قد هيأ لها مكانة في الملتقيات الأدبية بمعزل عن الهالة الإعلامية.
بروين حبيب ظاهرة ثقافية يمتزج فيها الخاص والعام.
“الفراشة تختار جيئتها وذهابها/ تختار جناحها/ وتختار تخطفها/ لكن الزهرة فتنة الفراشة/ والظل ريشتها/ وفي مسقط الضوء/ في المدى مخطوفا/ والحركة راعشة/أتولد كما يفعل يوم يتيم/في عالم يتيم/ أأنا الفراشة/أم الشمس في مصباح؟ ” تقول حبيب في قصيدة بعنوان “الفراشة”.
ومن كواليس عملها تتذكر بروين جملة قالها لها محمود درويش”التلفاز كالوحش الجائع المفترس يلتهم، اخلصي للشعر والكتابة والثقافة”. غير أن بروين تؤمن أن هناك مساحة مشتركة بين ما هو إعلامي وما هو ثقافي. تقول وهي تتحدث عن تلفزة الثقافة “تجاوزت الثقافة فنون الثقافة. فهي ليست الكتب والشعر والرواية والمسرحية. الثقافة اليوم تشمل فنونا كثيرة ونحن اليوم نعيش حسب وصف أحد فلاسفة أوروبا مرحلة ملحمة العين”.
ما أشبه بروين بفراشتها وهي تختار جناحها وعينها على الزهرة.
بين الشعر والإعلام
تسأل بروين حبيب نفسها “أين تجدين نفسك كاتبة أم إعلامية؟”. فتجيب “أنا ما زلت أبحث عن نفسي في كل الأشكال والصور. ولكنني مؤمنة بأني أروي شغفي اتجاه التجربة في كل ما صنعته”. وتضيف “في كل الأشكال أنا أجرب وأبحث عن نفسي واستنهض ربما بعض المواهب أو الشوق في اتجاه إيجاد شكل جديد”.
لكن بروين لا تُخفي انحيازها إلى الشاعرة التي تسكنها. فهي في كل ما تكتب تناقش قضايا ومشكلات الشعر بعمق ودقة، بل إنها تحارب من أجل أن يبقى الشعر محتفظا بمكانته الأولى في الحياة الثقافية العربية.
تقول “مأزق الشعر كبير. وهروب الشعراء إلى الرواية ليس سوى الورقة التي تبقيهم في الواجهة كطريقة تضمن لهم الرواج على أنهم أحياء يرزقون. وانتقادهم على هذا الأساس ليس من حق أحد ربما، لكن لنطرح سؤالا غير بريء وننتظر الإجابة من الذين مشوا مع موجة الرواية فقط لكسب شريحة قراء جديدة ماذا قدموا للشعر حتى يحافظ على مكانته؟”
ومن أُتيحت له فرصة متابعة بروين حبيب في برامجها المختلفة لابد أن تكون لغتها بكل جزالتها ودقتها وعمق معانيها قد استرعت انتباهه. فهي شاعرة بثياب إعلامية.
جبهة الشعر التي تقاوم
“رجاء عودوا للشعر إن كنتم شعراء حقيقيين، تصالحوا مع قلوبكم، أكتبوا خيالات الحب التي تجول في رؤوسكم، أكتبوا الرواية إن شئتم بجنون الشعر لكن لا تخذلوا الشعر لأن الجمهور (عايز كده)”. تقول بروين حبيب وهي توجه خطابها إلى الشعراء الذين اتجهوا إلى كتابة الرواية لا لشيء إلا لأنها بضاعة رائجة فيما يعاني الشعر من الكساد.
ذلك خطاب لا يصدر إلا من شاعرة غيورة على الشعر وبروين حبيب هي كذلك. وهو ما يكسب وجودها في مجال الإعلام طابعا ثقافيا ضروريا، على الأقل حين يكون الأمر متعلقا بالدفاع عن الشعر في مواجهة آليات الركاكة والتبسيط التي تُضعف اللغة وتسلب شعرية الحياة أعز ما فيها “اللغة”. بروين حبيب هي بالنسبة للثقافة بشكل عام والشعر بشكل خاص جزء أساس من الجبهة التي تقاوم من أجل الحفاظ على اللغة.