بروكسل تنافس فيينا في الاحتفاء بالفنان التشكيلي بيتر بروغل الأكبر

"ما وراء بروغل" معرض يضمّ أعمال الفنان الشهير على غرار عروض رقمية تقتفي أثَر مراحل تطور تقنياته وموضوعات أعماله وكيف استوحاها.
الجمعة 2019/09/27
حدث فريد

بروكسل - لا ترغب بروكسل أن يُسلب منها دور البطولة، فبعد المعرض الكبير الذي أقيم في فيينا، وضمّ لأوّل مرة عددا غير مسبوق من أعمال الفنان الشهير بيتر بروغل الأكبر، تريد العاصمة البلجيكية الاحتفاء على النحو اللائق بالذكرى الـ450 لرحيل هذه الشخصية المحورية في المدرسة الفلمنكية وأحد أعلام عصر النهضة.

ولهذا حرصت بروكسل على أن يكون المعرض المُقام بهذه المناسبة تحت عنوان “ما وراء بروغل” حدثا فريدا، يضمّ، بالإضافة إلى أعمال الفنان الشهير، عروضا رقمية تقتفي أثَر مراحل تطور تقنياته وموضوعات أعماله وكيف استوحاها.

المعرض مُقام في قاعة “باليه ديناسيتي” التاريخية، وسيظل مفتوحا للجمهور حتى الـ31 من ديسمبر من العام الجاري.

ويتيح المعرض للزائرين مشاهدة بزوايا تصل إلى 360 درجة، وفقا لأحدث تقنيات التصوير الرقمي، لعالم لوحات بروغل، حيث تتعايش في نفس الإطار وحوش عملاقة، وأطلال غرائبية، أو مشاهد ريفيّة عبثيّة، ويُصاحب هذه المشاهد مقطوعات موسيقية تتناسب مع أجواء اللوحات.

وهكذا عندما يحرّك الزائر المؤشر على الشاشة تظهر لوحة مثل “صراع السيد الدنيوي مع السيدة تقوى”، وهو موضوع كان شائعا في عصر النهضة يصوّر مُتع الدنيا من جهة، والعفّة والورع في صورة بشرية من جهة أخرى، وكيف يحدث الصراع بينهما، أو تظهر لوحة “برج بابل” وهو أيضا من الموضوعات الغرائبية في عصر النهضة، عن الملكين اللذين نزلا من السماء لغواية البشر وكانا يتحدثان بكل اللغات، فأصبحت فكرة برج بابل، معادلا لمجال الترجمة بكل اللغات، فإن المتفرج يجد نفسه في حالة حراك مع الصورة التي تتغيّر أبعاد تفاصيلها لدرجة تصوّر أنه بالفعل وسط اللوحة، تعلوه السماء، ويحلّق من أعلى البرج.

تجدر الإشارة إلى أنّ المعلومات حول حياة الفنان الشخصية شحيحة للغاية، ولكنّ مكان وفاته معروف بكل دقة وتأكيد وهو مدينة بروكسل في التاسع عشر من سبتمبر 1569، أما تاريخ ميلاده، فغير مؤكد، ويرجّح المؤرخون أنه يتراوح بين 1525 و1530، ومن المحتمل أن يكون في مدينة بريدا، بالقرب من أنتويرب. كما يُعرف أيضا أنه قضى شطرا طويلا من حياته في العاصمة البلجيكية، ووري جسده الثرى بها، ويقال إنه رسم ثلثي الأعمال المعروفة المنسوبة إليه وعددها 40 لوحة.

يشار إلى أنّ المعرض تم تنظيمه دون كتالوغ أو بوسترات دعائية، توضّح تفاصيل كل عمل من اللوحات المعروضة، كل ما هنالك، يصاحب الزيارة صوت يسرد الخطوط العريضة لحياة الفنان الذي ينتمي إلى المرحلة المتأخرة من عصر النهضة، وهي فترة تصادف أنْ اندلعت خلالها حروب دينية دموية عنيفة، كان من أبرز أبطالها، دوق ألبا الرهيب، الذي أرسل من إسبانيا إلى بلاد الفلاندرز من أجل إحكام السيطرة عليها، وكانت تابعة للتاج الإسباني، فضلا عن الأهوال التي تسببت فيها محاكم التفتيش.

وقد نجح المعرض بالفعل في إبراز الجماليات الفنتازية في أسلوب الفنان، وما يتخللها من روح سخرية مأسوية فريدة ميّزت أعمالها عن غيرها في ذلك العصر. وعلى الرغم من أن الزائر لا يكاد ينتبه لبيانات السيرة الشخصية للفنان، إلا أنه يدرك بوضوح أن بروغل الأكبر، كان تلميذا لفنان أنتويرب، بيتر كويركي فان ايلست.

كما يبرز المعرض أنه سافر خلال الفترة بين 1552 و1555 إلى إيطاليا، وهي تجربة تركت بصمتها على أسلوبه في صياغة المناظر الطبيعة، ويلاحظ أيضا إلى أيّ مدى استلهم أسلوب البوسكو، الفنان الراحل عام 1512، من خلال لوحاته التي تعجّ بالشخصيات الفنتازية والغرائبية.

يذكر أن الاحتفاء بذكرى بروغل بدأ في فيينا قبل عام من خلال معرض “مرة في العمر”، وكان حدثا ضخما نظرا إلى أنه ضمّ 30 لوحة كبيرة من أعماله بخلاف 60 اسكتشا ولوحة غرافيك. ويمتلك متحف تاريخ الفنون بالعاصمة النمساوية 12 لوحة للفنان، وبهذا يكون المتحف الأوروبي الوحيد الذي يضمّ أكبر مجموعة مقتنيات لبروغل، ولهذا السبب أقيمت الاحتفالية في البداية في فيينا وليس في بروكسل، التي لا تملك سوى أربعة أعمال فقط، منها “سقوط الملائكة المتمردين” وهي من الأعمال الفنتازية و”متزلجون وسط منظر طبيعي شتوي وفخ للطيور”.

استطاعت بروكسل تعويض ما ينقصها من أعمال بروغل من خلال أفكار مبتكرة، فبالإضافة إلى معرض “ما وراء بروغل”، يتمّ عرض جولة شاملة لملامح الفن الحضري المستوحى من أعمال وروح بروغل. كما تتضمّن الفعاليات جولة في المدينة، وفقا للأماكن التي كان يتردّد عليها الفنان، ومن بينها كنيسة نوتردام دي لا شابل، حيث تزوّج بروغل من مايكين كويكي، وحيث تمّ دفنه.

وبالمقارنة مع فيينا، يضمّ معرض بروكسل عدد لوحات أقلّ، إلا أنّ المكتبة الملكية البلجيكية، لا تزال تضمّ مجموعة مقتنيات مملوكة للحكومة تضمّ عددا من أعمال الحفر (الغرافيك)، سوف يتمّ عرضها اعتبارا من الخامس عشر من أكتوبر. ويؤكّد هذا المعرض أن إنتاج بروغل من هذه النوعية من الأعمال الفنية كان يفوق أعماله الزيتية.

يُذكر أن بروغل أنجز خلال حياته 60 عمل غرافيك، موزّعة الآن في أماكن كثيرة من العالم. وتضمّ المكتبة الملكية مجموعة فريدة لا مثيل لها من أعمال الغرافيك بالأسود والأبيض، وسوف تكون مُتاحة للجمهور خلال معرض أكتوبر، لتقديم جوانب غير معروفة حتى الآن للجمهور من شخصية بروغل، بحسب ما تؤكده منسّقة المعرض مآرتين باسينز.

20