بروكسل تدرس رد طهران على مقترحها بشأن الاتفاق النووي

طهران - بعثت طهران إلى الاتحاد الأوروبي ردّها على مسودة النص النهائي الذي طرحه عليها وعلى واشنطن ضمن الجهود الهادفة إلى إحياء الاتفاق النووي، وفق ما أكد الإعلام الرسمي الإيراني.
وأوردت وكالة "إرنا" فجر الثلاثاء "قدمت الجمهورية الإسلامية الإيرانية ردها خطيا على النص المقترح من قبل الاتحاد الأوروبي، وأعلنت أنه سيتم التوصل إلى اتفاق إذا كان الرد الأميركي يتسم بالواقعية والمرونة".
وأكد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان الاثنين أن بلاده ستقدّم "مقترحاتها النهائية" بشأن إحياء الاتفاق الذي انسحبت منه الولايات المتحدة أحاديا عام 2018.
ولم تقدّم "إرنا" تفاصيل بشأن الرد، لكنها أفادت بأن نقاط التباين المتبقية "تدور حول ثلاث قضايا، أعربت فيها أميركا عن مرونتها اللفظية في حالتين، لكن يجب إدراجها في النص"، في حين ترتبط الثالثة "بضمان استمرار تنفيذ خطة العمل الشاملة المشتركة (الاسم الرسمي للاتفاق) والتي تعتمد على واقعية أميركا لتأمين (التجاوب مع) رأي إيران".
وأتاح اتفاق العام 2015 بين طهران وست قوى دولية كبرى، رفع عقوبات عن الجمهورية الإسلامية لقاء خفض أنشطتها النووية وضمان سلمية برنامجها، إلا أن الولايات المتحدة انسحبت أحاديا منه خلال عهد رئيسها السابق دونالد ترامب، معيدة فرض عقوبات قاسية على إيران التي ردت ببدء التراجع تدريجيا عن غالبية التزاماتها.
وكان أمير عبداللهيان اعتبر الاثنين أن إخفاق الاتفاق لن يكون نهاية العالم، في موقف يظهر أن إيران لا تريد الاتفاق وهي تمهد للتملص منه.
يأتي هذا في وقت يقول فيه محللون إن إيران والولايات المتحدة كلاهما لا يضيره تأجيل الاتفاق واستمرار الوضع الحالي كما هو، فكلاهما مستفيد وإن بدرجات مختلفة.
وقال عبداللهيان "إذا تم تحديد خطوطنا الحمراء، فلا مشكلة لدينا في التوصل إلى اتفاق"، مؤكدا أن أحد أسباب التأخير أنهم لا يريدون تجاوز الخطوط الحمراء لإيران.
وأضاف وزير الخارجية الإيراني "هناك ثلاث قضايا إذا تم حلها يمكننا التوصل إلى اتفاق في الأيام المقبلة"، مشيرا إلى أن رد طهران لن يكون قبولا نهائيا لاقتراح الاتحاد الأوروبي أو رفضا له.
ويعتقد مراقبون أن إيران دأبت طوال المفاوضات على إلقاء شروطها أو تسجيل الاعتراضات على المقترحات التي تقدم لها، حتى لا يتم التوصل إلى اتفاق واضح يصبح ملزما لها بصفة نهائية، ويمكن عبره أن تتم مراقبة برنامجها، وهو ما لا تريده قيادتها السياسية التي تعتمد أسلوب المناورة وربح الوقت قبل الوصول إلى نتائج تمكنها من تخصيب اليورانيوم بشكل نهائي وامتلاك القنبلة.
وفضلا عن ذلك، فإن إيران تعلم أن الولايات المتحدة نفسها ليست متحمسة لإنهاء الاتفاق، ولا ترى أن توقيعه مسألة ضرورية.
وشدد المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس على أن "ما يمكن التفاوض عليه قد تمّ التفاوض عليه"، مؤكّدا موقف الولايات المتحدة القائل إنّ الكرة في ملعب طهران.
وأضاف خلال مؤتمر صحافي "الطريقة الوحيدة لتحقيق عودة متبادلة لخطة العمل الشاملة المشتركة (...) تكمن في تخلّي إيران عن مطالبها غير المقبولة، والتي تتجاوز بكثير اتفاق خطة العمل الشاملة المشتركة".
وقال دبلوماسيون ومحللون ومسؤولون إن طهران وواشنطن سواء قبلتا عرضا "نهائيا" من الاتحاد الأوروبي لإحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 أم لا، فمن غير المرجح أن يعلن أي منهما إلغاءه لأن إبقاءه يخدم مصالح الطرفين.
لكن أسباب الطرفين حول ذلك تختلف جذريا. وبالنسبة إلى إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، لا توجد أساليب واضحة أو سهلة لكبح جماح برنامج إيران النووي، بخلاف الاتفاق الذي قيّدت إيران بموجبه برنامجها النووي مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية من الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وسيكون من الصعب استخدام الضغط الاقتصادي لإرغام إيران على المزيد من الحد من برنامجها النووي، كما حاول دونالد ترامب سلف بايدن بعد الانسحاب من الاتفاق في عام 2018، إذا واصلت دول مثل الصين والهند شراء النفط الإيراني.
وقال دبلوماسي أوروبي، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، "كلا الجانبين سعيد باستمرار الوضع الراهن".
وقال مسؤول إيراني كبير، طلب أيضا عدم ذكر اسمه، "لسنا في عجلة من أمرنا".
وأضاف "نحن نبيع نفطنا، ولدينا تجارة معقولة مع العديد من الدول، ومنها دول مجاورة، ولدينا أصدقاؤنا مثل روسيا والصين على خلاف مع واشنطن.. برنامجنا (النووي) يتقدم. لماذا علينا التراجع؟".
وعندما انسحب ترامب من الاتفاق، قال إن الاتفاق كان سخيا جدا مع إيران، ثم أعاد فرض عقوبات أميركية قاسية بهدف خنق صادرات النفط الإيرانية ضمن حملة "الضغوط القصوى".
وبعد انتظار لمدة عام تقريبا، بدأت إيران في انتهاك القيود النووية للاتفاق، وتكديس مخزون أكبر من اليورانيوم المخصب، وتخصيب اليورانيوم حتى درجة نقاء 60 في المئة بما يزيد كثيرا على الحد البالغ 3.67 في المئة بموجب الاتفاق، واستخدام أجهزة طرد مركزي متطورة بشكل متزايد.
وتواجه إيران والولايات المتحدة صعوبة في التغلب على الخلافات المتعلقة بثلاث قضايا رئيسة في المحادثات غير المباشرة لإحياء الاتفاق النووي المبرم مع إيران عام 2015، بينما دخلت المفاوضات الجارية منذ أشهر مرحلة حاسمة.
وقال مسؤول كبير بالاتحاد الأوروبي يقوم بجهود مكوكية بين الطرفين في الثامن من أغسطس إنه تم اقتراح عرض "نهائي"، ومن المتوقع الحصول على رد في غضون أسابيع.
وعلى الرغم من تصميم طهران وواشنطن على انتهاج الدبلوماسية، فإن النقاط الشائكة للغاية هي: تخلي الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن مزاعمها في شأن أنشطة طهران النووية والحصول على ضمانات بألا تتراجع "أي إدارة أميركية" عن أي اتفاق تم إحياؤه، ولكن لا يمكن للرئيس الأميركي جو بايدن أن يتعهد بذلك لأن الاتفاق النووي تفاهم سياسي غير ملزم وليس معاهدة ملزمة قانونا، وأيضا استبعاد الحرس الثوري الإيراني من القائمة الأميركية لمنظمات الإرهاب الخارجية ورفض واشنطن القيام بذلك.