برود مصري إزاء مواصلة جهود التقارب السياسي مع تركيا

مناورات أنقرة بورقة الإخوان تبدد حماسة القاهرة.
السبت 2022/03/19
طرد الإخواني ياسر العمدة من تركيا أقل من انتظارات القاهرة

لا يزال ملف جماعة الإخوان المسلمين التي تحتضن تركيا عددا من قيادتها، يعرقل التقارب السياسي بين أنقرة والقاهرة. وتشعر مصر بأن تركيا الساعية إلى تسوية خلافاتها السياسية معها تناور عبر ورقة الإخوان، ما بدد حماستها لمواصلة الانفتاح السياسي.

القاهرة – تتعمد تركيا من حين إلى آخر أن تبعث بإشارات لمصر توحي بحرصها على استمرار عملية التقارب السياسي، بينما تلتزم مصر بالصمت الذي يشي بعدم الاكتراث، لأن ما تقدمه أنقرة، حسب مراقبين، يقل كثيرا عما تريده القاهرة.

ولم تظهر الحكومة المصرية تجاوبا رسميا مع إعلان الإخواني ياسر العمدة مغادرته تركيا، التي طلبت منه سلطاتها عدم ممارسة نشاطه من أراضيها، وكانت تعتقد أن هذه الخطوة قد يكون وقعها إيجابيا لدى القاهرة، خاصة أنه درج على بث فيديوهات تنال من النظام المصري وتوجه انتقادات حادة للرئيس عبدالفتاح السيسي.

وحوى فيديو، بثه العمدة الثلاثاء على يوتيوب تزامنا مع إعلان مغادرته تركيا، انتقادات حادة للنظام المصري وتحريضا على الثورة، مستغلا موجة غلاء الأسعار لحث المواطنين على الخروج إلى الشارع، بما يتسق مع شعار رفعه في حلقاته السابقة “حركة الغلابة.. الغلابة هتكسر الحصانة”، وتأكيده أنه سيواصل نشاطه من مكان آخر.

وكلّما وجدت السلطات التركية تعثرا في تقاربها السياسي مع مصر الذي بدأته منذ نحو عام، تلجأ إلى توظيف ورقة إعلام الإخوان الذي يبث من أراضيها، فتارة توقف أنشطة البعض وكأنها تكبح جماحهم، وأخرى تضيّق الخناق على محطات فضائية ومنصات تابعة للجماعة، وفي كل الحالات لا تتخذ موقفا حاسما من نشطاء الإخوان كما تريد مصر.

أحمد سلطان: أنقرة غير جادة في تغيير سلوكها في المنطقة

وتدفقت مياه كثيرة في هذا النهر دون أن تسفر التفاهمات الظاهرة بين الطرفين عن خطوات حقيقية تنهي الملفات العالقة بينهما، ويظل نشاط الإخوان في تركيا مؤشرا لدى الحكومة المصرية تقيس به مدى استعداد أنقرة لطي الصفحة القاتمة مع القاهرة.

وذكر العمدة في فيديو المغادرة، الذي تصل مدته إلى نحو أربع عشرة دقيقة، أن أنقرة طلبت منه مرتين المغادرة، إحداهما في أكتوبر الماضي والثانية قبل أيام، ولم يفسر أسباب عدم المغادرة في الأولى، وهو تأكيد على أن تركيا تتصرف وفقا لأجندة سياسية محددة بشأن التعامل مع الإخوان، وتريد توظيفها على مراحل وإلى أقصى درجة ممكنة.

وقال الباحث في شؤون الحركات الإسلامية أحمد سلطان لـ”العرب” إن مغادرة العمدة مرتبطة بمخالفته التعليمات الصادرة إلى عدد من نشطاء الإخوان، وحثهم على التهدئة النسبية وعدم مهاجمة النظام المصري، في توقيت بدأ فيه الرئيس رجب طيب أردوغان تحركات لتطبيع علاقاته مع كل من السعودية والإمارات، وتعكير الأجواء مع القاهرة يؤثر على مصداقيته معهما، ويقلل فرص تطوير العلاقات معها لاحقا.

وأضاف أن المغادرة في هذا التوقيت على صلة برؤية أنقرة أكثر من كونه تغييرا جذريا في توجهاتها، بدليل استمرار نشطاء آخرين تابعين للإخوان في العمل بحرية دون تضييق عليهم، مع التزامهم بعدم التصعيد الحاد في الإعلام ووسائل التواصل.

واستبعد سلطان أن يكون ترحيل العمدة مقدمة لترحيل قيادات إخوانية أخرى، لأن تركيا لا تزال تقبض على ورقة الجماعة وتناور بها، وهذا أمر تتحفظ عليه مصر.

ويتفق هذا الرأي مع حديث مصادر مصرية لـ”العرب” حول عدم اتخاذ تركيا إجراءات صارمة لإجباره على المغادرة في المرة الأولى، ولجأت إلى ذلك في المرة الثانية، حيث تأكدت خطورة ما يبثه من فيديوهات تنادي بالثورة والعزف على وتر ارتفاع الأسعار، ما يثبت أن أنقرة غير جادة في تغيير سلوكها في المنطقة، وما تقوم به تجاه قوى إقليمية ودولية هو انحناءات لعواصف تهب على النظام التركي.

وكشفت المصادر ذاتها أن القاهرة لم تطلب من أنقرة وقف نشاط العمدة، لكنها طلبت منذ فترة وقف التحريض عموما وتسليم الكثير من القيادات التي صدرت بحقها أحكام قضائية أو تورطت في أعمال عنف، من باب تأكيد حسن النوايا.

السلطات التركية كلّما وجدت تعثرا في تقاربها السياسي مع مصر، تلجأ إلى توظيف ورقة إعلام الإخوان الذي يبث من أراضيها

وأشارت إلى أن أنقرة لم تنفذ كل ذلك، باستثناء حالات نادرة، وما جعل محاولات التقارب تتعثر أن تركيا تبدو مصممة على استخدام ورقة الإخوان حتى النهاية في مناوراتها السياسية، وتتحايل عليها ولا تريد التخلي عنها عمليا في الوقت الراهن.

وكان ياسر عبدالحليم أحمد عبدالحفيظ، الشهير بالعمدة، يعمل موظفا إداريا في ميناء دمياط المصري المطل على البحر المتوسط، قبل هروبه إلى تركيا، ومارس نشاطا تجاريا في مجال العقارات بعد أن استقر في إسطنبول.

وأدرجته محكمة جنايات القاهرة ضمن 187 متهما على قوائم الإرهاب لمدة خمس سنوات، وفي ديسمبر 2017 أعلنت أجهزة الأمن تورطه في التحريض على إسقاط نظام الحكم، حيث قام ببث فيديو يحث المواطنين على التظاهر وارتكاب أعمال عنف ضد مؤسسات الدولة، وهو ما لم يتوقف عنه حتى الآن.

وفرضت تركيا منذ حوالي عام قيودا على فضائيات الإخوان التي تبث من أراضيها، وطلبت من القائمين عليها عدم توجيه انتقادات للنظام المصري، في إطار خطتها لتحسين العلاقات معه، وأوقفت أنشطة إعلاميين على مواقع التواصل الاجتماعي.

ومن أبرز هؤلاء محمد ناصر وحمزة زوبع والفنان هشام عبدالله، وهيثم أبوخليل وحسام الغمري، بجانب معتز مطر الذي انتقل إلى بريطانيا مؤخرا ويمارس دوره السابق في انتقاد النظام المصري من لندن عبر قناته على يوتيوب.

2