برنامج توطين الوظائف في الكويت يراوح مكانه

تواصل مشكلة عزوف الكويتيين عن العمل في القطاع الخاص المرهق والأقل أجرا.
السبت 2025/03/08
من من الكويتيين يقبل بهذا العمل المرهق والخطير

الكويت - أظهرت أرقام رسمية مجدّدا حجم المصاعب والتعقيدات التي يواجهها برنامج توطين الوظائف في الكويت والذي تعمل السلطات على تنفيذه منذ سنوات بهدف الحدّ من أعداد الوافدين العاملين في القطاعين الحكومي والخاص.

ويتم تسجيل تقدّم نسبي في “تكويت” وظائف القطاع العمومي الذي تمتلك السلطات قدرة أكبر على التحكم فيه، لكنّ الأمر يبدو أصعب في القطاع الخاص الخاضع بشكل أكبر لمقياس العرض والطلب والذي يحدّ من عدد المواطنين الكويتيين العاملين فيه عزوف المقبلين على سوق العمل وميلهم الشديد للحصول على وظائف حكومية أكثر راحة وأعلى أجرا.

وأظهر تقرير صادر من الإدارة المركزية للإحصاء ارتفاع نسبة العمالة الوافدة في القطاع الخاص في مقابل ثبات نسبة المواطنين حيث بلغت نسبة مشاركة العمالة الكويتية في سوق العمل 20.6 في المئة في مقابل 79.4 في المئة لغير الكويتيين، في حين شكلت نسبة المواطنين في القطاع الحكومي نحو 79.5 في المئة. ويضع برنامج تكويت الوظائف في الكويت ضمن أهدافه الحدّ من أعداد الوافدين الذين يشكلون غالبية السكان وذلك في إطار ما يعرف محليا بتعديل التركيبة السكانية.

توطين الوظائف في القطاع العمومي أيسر منه في القطاع الخاص شريطة أن تترافق العملية بتوفر الكوادر الوطنية المؤهلة

لكن الأرقام الرسمية تظهر عدم إحراز تقدم نحو تحقيق ذلك الهدف حيث أظهر تقرير إدارة الإحصاء ارتفاع عدد العمالة الوافدة بأكثر من 790 ألف فرد في الفترة ما بين سبتمبر 2023 وسبتمبر 2024 بمعدل قدره 4.8 في المئة من إجمالي عددها. وتعدّ كثرة الوافدين وما انجرّ عنها من مشكلات متنوعة من أعقد الملفّات المطروحة منذ سنوات على الحكومات الكويتية المتعاقبة التي أعلنت بشكل متكرّر نيتها معالجة المسألة.

ورفعت السلطات الكويتية في سنوات سابقة سقف الطموح في عملية التكويت عاليا وأعلنت مطلع سنة 2022 نيتها إتمام توطين الوظائف الحكومية بنسبة مئة في المئة في أحد عشر تخصصا وظيفيا قبل منتهى السنة المذكورة، دون أن يتحقق تقدم يذكر في اتجاه تحقيق ذلك.

ولتسريع العملية في أكثر القطاعات أهمية وحساسية، بدأت السلطات تتخذ قرارات صارمة بأهداف محدّدة بسقوف زمنية. وتمّ الكشف خلال الفترة الماضية عن توجّه نحو حصر ممارسة الوضائف العليا في سلك القضاء بالمواطنين الكوتيين.

وجرى تحديد سقف زمني بخمس سنوات لاستكمال العملية والشروع في العمل على مسودة مرسوم بتعديل قانوني يتضمّن جملة من الشروط والضوابط الواجب توفّرها في المرشحين لشغل مناصب القضاة في مقدّمها أن يكونوا من الكويتيين بصفة أصلية أي من غير المجنّسين. وعلى مدى السنوات الماضية اعتمدت الكويت في سد النقص الحاصل في كوادر القضاء على الاستعانة بقضاة من مصر بموجب اتفاقية موقّعة معها بهذا الشأن.

ونصت التغييرات التي وردت في مشروع تنظيم القضاء الجديد على أن “لا يُعيَّن بمنصب القضاة إلا الكويتي بصفة أصلية”، إضافة إلى إلغاء فقرة تقول إنّه “يجوز تعيين القضاة المنتمين إلى دولة عربية”.

ويقول متابعون للشأن الكويتي إن السلطات تستطيع تحقيق تقدم في توطين الوظائف في القطاع العمومي إذا ما رافقت عملية التوطين عملية موازية لتخريج الكوادر الوطنية المؤهلة لشغل بعض الوظائف والاختصاصات التي تتطلّب مستوى معيّنا من المعرفة العلمية والخبرات العملية.

20.6

في المئة نسبة مشاركة العمالة الكويتية في سوق العملفي مقابل 79.4 في المئة لغير الكويتيين

لكن المشكلة تظل قائمة في القطاع الخاص الذي يتطلب جهودا كبيرة وحلولا مبتكرة لجعله مغريا وجاذبا للمقبلين على سوق الشغل. وتزداد القضية تعقيدا عندما يتعلّق الأمر بالمهن البسيطة وخصوصا منها الشاقة ومتدنية الأجور.

وتضمّنت لائحة أقرّتها اللجنة الوطنية لتعديل التركيبة السكانية في وقت سابق بنودا لتحسين جاذبية القطاع الخاص، من بينها إلزام المقاولين بمنح العمال الكويتيين مزايا وظيفية مشجّعة كالتأمين الصحي وتذاكر السفر السنوية وضبط سلّم للرواتب.

ويمثل الوافدون نحو 68 في المئة من إجمالي عدد سكان الكويت الذي يبلغ نحو 4.6 مليون نسمة. وتشكّلت ظاهرة كثرة الوافدين في الكويت على مدى سنوات طويلة تميّزت بالوفرة المالية من جهة، وبالتساهل في عملية استقدام الوافدين إلى البلد إلى درجة ظهور تجارة غير مشروعة رائجة لجلب الآلاف من هؤلاء من بلدانهم ومنحهم إقامات في الكويت خارج القوانين المعمول بها والمنظمة للإقامة والشغل في البلاد، من جهة مقابلة.

ومع ما شهدته الكويت في سنوات سابقة من مصاعب مالية فقد مثلت فاتورة تحويلات الأجانب نحو بلدانهم الأصلية عبئا إضافيا على الدولة المعتمدة بشكل رئيسي على عوائد النفط، حيث يتجاوز الحجم السنوي لتلك التحويلات مبلغ 13.5 مليار دولار وهو ما يساوي ميزانية بعض الدول الفقيرة متوسطة الحجم مساحة وسكانا.

ولا يبدو تجاوز هذا الوضع متاحا بالسرعة المطلوبة إذ لا تزال سوق العمل تظهر حاجة كبيرة إلى الأيدي العاملة الوافدة وفي أبسط المهن في بعض الأحيان كما هي الحال على سبيل المثال بالنسبة لعمال المنازل الذين يسبب النقص المسجل في أعدادهم حالة إرباك كبيرة متواصلة منذ سنوات، الأمر الذي حوّل المسألة في بعض الأحيان إلى مشغل حكومي.

3