برلمان كردستان العراق مهدد بالحل في ظل تعثر تشكيل الحكومة

الحكمة الاتحادية العليا تنظر الشهر المقبل في دعوى تطالب بإلغاء نتائج انتخابات وإعادة تنظيمها مع استرجاع الامتيازات المالية الممنوحة للنواب الحاليين.
الاثنين 2025/05/26
النظر في شرعية البرلمان بسبب عدم تسمية هيئة رئاسية

بغداد – حددت المحكمة الاتحادية العليا في العراق، اليوم الاثنين، السادس من يوليو المقبل، موعدا للنظر في دعوى قضائية تطالب بإلغاء نتائج انتخابات إقليم كردستان وإعادة تنظيمها، إلى جانب استرجاع الامتيازات المالية الممنوحة للنواب الحاليين.

وتأتي هذه الخطوة وسط تصاعد المطالبات السياسية بحل برلمان إقليم كردستان العراق، الذي لم ينجح في تسمية هيئة رئاسية له، إثر الخلافات المستحكمة بين الحزبين الرئيسيين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، وفشلهما في التوصل إلى اتفاق نهائي يقضي بتشكيل الحكومة الجديدة في الإقليم.

وهذا الانسداد يُظهر بوضوح أن الحزب الديمقراطي الكردستاني يلتزم بالمبادئ الديمقراطية والنتائج الانتخابية، في حين تسعى بعض الأطراف إلى تجاوز هذه الاستحقاقات بما قد يهدد العملية الديمقراطية في الإقليم.

وكشف عمر گولپي، المرشح الفائز عن حركة العدل الاجتماعية، في تصريح صحفي، أن المحكمة الاتحادية العليا خصصت يوم 6 يوليو 2025 لعقد أولى جلساتها للنظر في الدعوى المرقمة (88/اتحادي/2025)، التي قُدمت مطلع الشهر الجاري.

وأوضح گولپي أن مضمون الشكوى يتضمن المطالبة بـ"إلغاء الدورة السادسة لبرلمان إقليم كردستان، وتكليف المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بإجراء انتخابات جديدة في أقرب وقت، فضلاً عن استرجاع جميع الامتيازات المالية التي حصل عليها 97 نائباً خلال الأشهر الستة الماضية دون مزاولة أي عمل فعلي".

وبيّن أن النواب الذين أدوا اليمين القانونية منذ ستة أشهر لم يتمكنوا من مباشرة أعمالهم بسبب تعثر انتخاب هيئة رئاسة البرلمان، إلا أنهم استمروا بتقاضي رواتب شهرية بلغت 8 ملايين و200 ألف دينار لكل نائب.

وكانت حركة العدل الاجتماعية، التي حصدت ثلاثة مقاعد، قررت عدم المشاركة في أعمال البرلمان، ووصفت الانتخابات بأنها "مصممة سلفاً"، ومع ذلك، شارك أحد نوابها، هيرو عتار، في جلسة أداء القسم وأعلن لاحقا انسحابه من كتلة الحركة.

تُعاني الساحة السياسية في إقليم كردستان من استعصاء مستمر في مفاوضات تشكيل الحكومة منذ الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت قبل ستة أشهر.

هذه الانتخابات كرّست مكانة الحزب الديمقراطي الكردستاني كحزب أول في الإقليم، بحصوله على تسعة وثلاثين مقعدا من المقاعد المئة للبرلمان، بينما حافظ الاتحاد الوطني الكردستاني على موقعه كمنافس أول للديمقراطي بحصوله على ثلاثة وعشرين مقعداً، إلا أن المشكلة التي برزت وأفضت إلى تأخير تشكيل الحكومة تمثلت في إصرار الاتحاد الوطني على تجاوز ما أفضت إليه الانتخابات، ومطالبته بمناصب ومواقع في السلطة يراها غريمه الديمقراطي خارج استحقاقه الانتخابي.

وتُجسّد قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني من خلال شعارها "تغيير مسار الحكم"، الذي رفعته قبل وبعد الانتخابات، طموحا بالغا لتجاوز النتائج الانتخابية.

ويرى المراقبون في هذا الشعار رغبة على استحواذ على مناصب رئاسية سواء رئاسة الإقليم أو الوزراء مما يعكس سعي الاتحاد لتعزيز نفوذه بغض النظر عن الحجم الانتخابي للحزب الديمقراطي الكردستاني.

وفي المقابل، يتمسك الحزب الديمقراطي الكردستاني، بقيادة الزعيم المخضرم مسعود بارزاني، بمبدأ أساسه "إقليم واحد، برلمان واحد، حكومة واحدة، وقوات بيشمركة موحدة" لتشكيل الحكومة الجديدة.

وهذا المبدأ يُعد بمثابة طمأنة من المحاذير التي أثارتها دوائر مهتمة بشؤون كردستان العراق بشأن مواجهة الإقليم لخطر التقسيم إلى إدارتين متوازيتين بفعل تعمّق الخلافات بين الحزبين الرئيسيين، ودخول جهات أخرى على خطّ تلك الخلافات، لاسيما الأحزاب والفصائل الشيعية الحاكمة في العراق والمتحالفة مع قيادة الاتحاد الوطني التي باتت محسوبة بفعل ذلك التحالف ضمن معسكر الولاء لإيران المهتمة أيضاً بمدّ نفوذها صوب الإقليم.

وكان الوفدان المفاوضان للحزبين الديمقراطي الكردستاني بقيادة الزعيم المخضرم مسعود بارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافل طالباني، عقدا، في 21 مايو الجاري، اجتماعا مكملا لسلسلة لقاءات سابقة تهدف إلى تقريب وجهات النظر، والتوصل إلى تفاهمات سياسية، بشأن توزيع المناصب وتشكيل الكابينة الوزارية المقبلة في الإقليم.

وشهد إقليم كردستان، خلال الأشهر الخمسة الماضية، استعصاء بالمشاورات والاجتماعات بشأن تشكيل الحكومة بين الحزبين الكبيرين، المعنيين بشكل رئيسي بتشكيلها باعتبارهما الحائزين على العدد الأكبر من مقاعد برلمان الإقليم في انتخابات أكتوبر الماضي

وخلال الأيام الأخيرة الماضية شهد الحزبان تقاربا سياسيا على تقاسم الحقائب الوزارية والمواقع القيادية في السلطة، لكن الوضع عاد للتأزم مع اختلاف وجهات النظر، ودخول قوى المعارضة طرفا في الصراع.

 ورغم عقد عدة اجتماعات بين اللجان التفاوضية للحزبين، إلا أن التقدم لا يزال محدودا، مما يزيد من حالة الجمود السياسي في الإقليم، وسط ترقب داخلي وضغوط خارجية لحلحلة الأزمة.

وتُشير التداعيات القانونية والسياسية لهذا الانسداد إلى عمق الأزمة. وأعلنت رئيس كتلة الجيل الجديد، سروة عبدالواحد، في 8 مايو الجاري، رفع دعوى قضائية ضد رئيس إقليم كردستان، نيجيرفان بارزاني، لدى المحكمة الاتحادية، وذلك لامتناعه عن حل برلمان الإقليم، وفشله في انتخاب هيئة رئاسة البرلمان ضمن المدة القانونية.

وكان عضو حركة تفكري آزادي الكردية، لقمان حسن، أكد في 5 مايو الجاري، مساعي الحزبين الحاكمين لترحيل تشكيل حكومة الإقليم إلى ما بعد الانتخابات التشريعية في البلاد، من أجل تقاسم السلطة وفق الرؤية السياسية التي ستنتجها الانتخابات.

وجدد رئيس حراك الجيل الجديد، شاسوار عبدالواحد، في 22 أبريل الماضي، تهديده بحل برلمان إقليم كردستان، في حال عدم عقد الجلسة خلال الأسبوعين المقبلين.

وطبقا للنظام الداخلي لبرلمان الإقليم، يتعين على رئيس الإقليم، دعوة البرلمان المنتخب إلى عقد جلسته الأولى، خلال 10 أيام من المصادقة على نتائج الانتخابات، وإذا لم يدع الرئيس إلى عقد الجلسة الأولى، يحق للبرلمانيين عقدها في اليوم الحادي عشر للمصادقة على النتائج، فيما يترأس العضو الأكبر سنا جلسات البرلمان، قبل انتخاب الرئيس الدائم، بعد تأدية القسم الدستوري.

وشهد البرلمان بدورته السادسة انعقاد جلسته الأولى في مطلع ديسمبر 2024، والتي تضمنت تأدية اليمين القانونية لأعضائه، وإبقاء الجلسة مفتوحة بسبب عدم حسم المناصب الرئيسة في الإقليم.

ويقف سقف المطالب المرتفع للاتحاد الوطني عائقا في طريق تشكيل حكومة شراكة، وهو ما يفتح الباب أمام تساؤلات حول الخيارات المتاحة في تجاوز سقف هذه المطالب، وسط سعي الحزبين لاستقطاب قوى من ساحة المعارضة التي يفرض بعضها شروطا تعجيزية، وآخر اتخذ قرارا قطعيا بعدم المشاركة في أي حكومة يشكلها الحزبان في ظل عقبات قانونية تفرض سقوفا زمنية، في حال إبقاء جلسة البرلمان مفتوحة لحين إبرام اتفاق سياسي.