برلمانيون ومنظمات تونسية يطالبون بتغيير قانون تعاطي القنب الهندي

تونس - طالب برلمانيون وإعلاميون ومنظمات حكومية في تونس بتغيير قانون تعاطي القنب الهندي واستبداله بقانون آخر يضع حدا للعقوبات السجنية، وذلك في أعقاب جدل فجرته أحكام وصفت بالقاسية بحق شباب متهمين باستهلاك “المخدرات”.
وأجمع هؤلاء خلال مناظرة تلفزيونية نظمتها مبادرة “مناظرة”، وامتدت لأكثر من ساعتين مساء الأحد وبثتها العديد من القنوات التلفزية والإذاعات المحلية الخاصة، على ضرورة إيجاد مقاربة جديدة للتعاطي مع ظاهرة استهلاك القنب الهندي بعيدا عن “قانون 52” الذي تم سنه في العام 1992.
ووجه متسابقون وهم من فئة الشباب أسئلة شفاهية للحاضرين حول الجدوى من القانون “الذي جُرب من التسعينات ولكنه لم يحد من ظاهرة استهلاك الحشيش بل فاقمها”.
وأثير موضوع استهلاك القنب الهندي والعقوبات المترتبة عن ذلك في تونس إثر صدور حكم قضائي في يناير الماضي بالسجن 30 عاما في حق ثلاثة أشخاص في محافظة الكاف (شمال – غرب)، وعاد النقاش من جديد تبعا لذلك حول العقوبات التي أقرّها القانون منذ زمن حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.
وأجمع الحاضرون في المناظرة التي لم تخل من أجواء التشنج في بعض أطوارها على ضرورة تغيير القانون 52 الذي بات من المشاكل التي تؤرق الشباب التونسي وفجر احتجاجات مؤخرا، حيث ترفضه العديد من المنظمات والجمعيات التي ترى أنه لا يمكن مكافحة الظاهرة بالردع.
وتدفع كتل نيابية تونسية بمشاريع قوانين تنص على عقوبات بديلة عن العقوبات السجنية التي أقرها القانون 52، لكن لم يحصل حولها توافق إلى حد كتابة هذه السطور.
وقال النائب البرلماني عن حزب قلب تونس أسامة الخليفي إن “القانون 52 لسنة 1992 هو قانون رجعي متخلف، نحن في قلب تونس قمنا بمبادرة لإلغاء العقوبة السجنية وتعويضها بأي عقوبة أخرى، كل شيء إلا السجن لا”.
وتابع “نطالب أيضا الدولة بأن تعالج الإدمان وتقوم بعملية تأهيل نفسي للمدمنين.. كل التقارير الدولية تؤكد أنه لم يعد التعامل مع موضوع القنب الهندي كجريمة.. مثل هذه القوانين تضر الشباب ومستقبلهم، لذلك نحن لم ننتظر وتحركنا وقدمنا هذه المبادرة التي سندافع عنها”.
وفي المقابل، رأى زياد الغناي وهو نائب عن حزب التيار الديمقراطي أن “أصل المشكلة يكمن في أننا لا نريد معالجة ظواهر بل نسعى إلى تغطيتها”.
وأوضح الغناي أن “أصل المشكلة أيضا ثقافي، الأنظمة تريد دائما تلميع صورتها عندما يكون الواقع مأساويا، أصل المشكلة في أن السياق التشريعي الذي تم فيه وضع هذا القانون سياق زجري، في 1998 أضافوا العلاج وأيضا في 2017 لكن كلها محاولات من أجل تلميع صورة الأنظمة لا أكثر”.
وحاول القائمون على هذه المناظرة تشريك جل الأطراف المتداخلة في هذا الملف، لاسيما في ظل محاولات من كتل نيابية لتمرير مشروع قانون جديد بشأن استهلاك القنب الهندي.
وشهدت المناظرة حضور ممثلين عن إدارة السجون الذين نفوا نفيا باتا حدوث حالات تعذيب لمتهمين باستهلاك القنب الهندي في السجون، وهو ما أثار حفيظة بعض المشاركين الذين اتهموا رجال الشرطة بذلك.
ولم يحجب الدفاع عن ضرورة تغيير القانون 52 لسنة 1992 الانتقادات اللاذعة لاستهلاك القنب الهندي، حيث نوه العديد من المشاركين سواء من النواب أو غيرهم بالمخاطر الناجمة عن ذلك.
وقال النائب البرلماني ياسين العياري إن “القانون السيء لا يجب أن نركب عليه السياسة أولا لأنني استمعت لمن يقول إنه قانون بن علي (الرئيس التونسي الراحل)، ثم لنتفق على أن القنب الهندي هي مادة مضرة لكن المشكلة أنها أصبحت مادة موجودة في المجتمع بشكل كبير جدا، لا يمكن التغافل عنها”.
وأقرّت تونس قانون 52 في العام 1992، حين كان بن علي يريد أن يصدر صورة تونس كبلد قاس في ردع ظاهرة استهلاك المخدرات، إثر اتهام شقيقه في قضية تجارة كوكايين في فرنسا.
ونشرت منظمة “محامون بلا حدود” في العام 2019 تقريرا تبين فيه أن 21.5 في المئة ممن سجنوا كانوا يستهلكون القنب الهندي بشكل شخصي.
وكان رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي قد دعا إلى تنقيح قانون المخدرات مقترحا “عقوبات بديلة”، لكن المسألة تبدو صعبة في ظل وجود برلمان شديد الانقسام ويضم كتلا وأحزابا محافظة لها حضور قوي.