برايتون.. حلية المحيط الغافية في حضن القنال الإنكليزي

وصفها سائح لندني كان يزور المدينة للمرة الأولى قائلا، حتى قبل أن يقرر الانتقال نهائيا للعيش فيها، “برايتون، ظاهرة طبيعية تجتذب روح الفنان بشدة.. حيث شواطئها المليئة بالحصى وأجوائها الغريبة.. عندما انتقلت للعيش فيها، وحتى هذه اللحظة، ما زلت أشعر وكأنني في نزهة مستمرة”.
يعود الدليل الأثري لتاريخ هذه المدينة إلى العصر البرونزي والعصر الروماني والأنغلوسكسوني. تعرضت المدينة في أوائل العصر الحديث إلى هجمات أجنبية عدة، عواصف مدمرة، تراجع اقتصادي وتناقص في عدد السكان، لكنها بدأت بالازدهار شيئا فشيئا باجتذاب الزوار إثر التطور الذي شهده النقل البري خاصة الطرق التي تصلها مع لندن، حيث واصلت برايتون نموها كمركز سياحي مهم بعد وصول السكة الحديدية العام 1841، ثم أصبحت نقطة انطلاق للمراكب المتجهة إلى فرنسا.
في العصر الجورجي ، تطورت برايتون كمنتجع ساحلي عصري، بتشجيع من رعاية الأمير ريجنت، وهو الملك جورج الرابع في وقت لاحق، الذي قضى الكثير من الوقت في المدينة وشيد الجناح الملكي فيها.
تم بناء العديد من مناطق الجذب الرئيسية في العصر الفيكتوري، بما في ذلك جراند هوتيل، ويست بيير وبرايتون بالاس بيير. استمرت المدينة في النمو حتى القرن العشرين، حيث توسعت لتشمل المزيد من المناطق في حدود المدينة قبل انضمامها إلى مدينة هوف لتشكيل السلطة الموحدة لبرايتون وهوف، لتصبح وجهة شهيرة للمصطافين القادمين من لندن بل الوجهة الساحلية الأكثر شعبية في المملكة المتحدة، ثم للسياح الأوروبيين ومن مختلف أنحاء العالم، حيث تتميز المدينة بوجهها التاريخي العريق المتناغم وجمالها العمراني الحديث.
يطلق عليها مواطنو البلد لقب “أسعد مدينة في بريطانيا” و”حلية المحيط”. ولهذا الأمر أسبابه طبعا، فالمدينة هي عبارة عن مخزون كبير ومتنوع لمبان تاريخية ومعمارية لا مثيل لها في الندرة والتنوع، إضافة إلى سواحلها الرائعة.
بلغ التعداد السكاني لسكان مقاطعة برايتون وهوف (وهو اسمها الرسمي)، قرابة الربع مليون نسمة وأكثر حتى نهاية العام 2017، ويعتقد بأن أكثر من 42 بالمئة من سكانها لا يعتنقون أي دين. يمكن للزائر وهو يتجول في شوارع هذه المدينة الرائعة، أن يستمتع بجمال المشهد الأخاذ حتى وهو يسير بمحاذاة الشارع المطل على الساحل، حيث يمتزج البناء المعماري الحديث مع رائحة التاريخ التي تنبعث من بعض الشوارع التي تحوي كنائس قديمة وقصرا تاريخيا مترامي الأطراف، تحيطه مساحات وحدائق خضراء غناء. لكن السائح يمكنه أيضا أن يلمح العديد من المشردين أو الذين بلا مأوى أو يملكون مأوى مؤقتا.. ليس هناك من سبب واضح، في الأقل من وجهة نظر الغريب الذي يرى في المدينة مركزا جاذبا لأصحاب الأعمال وخاصة في قطاع السياحة الذي يوفر أعدادا كبيرة من فرص العمل. مع ذلك، تشير الأرقام إلى أن شخصا واحدا في الأقل من بين 68 شخصا هم بلا مآوى تقريبا وهي من بين النسب الأعلى في البلد، حتى أن الظاهرة أصبحت لا تثير أي دهشة للسكان المحليين خاصة عندما نلمح زوجا وزوجته يلقيان التحية على جارهما الذي يسكن في الشارع المقابل وهما في طريقهما للتسوق!
تقع برايتون على الساحل الجنوبي لإنكلترا، بين ساوث داونز والقنال الإنكليزي من الشمال والجنوب على التوالي. تبعد عن لندن مسافة 76 كم جنوب لندن، قرابة ساعة بالقطار وساعتين ونصف الساعة تقريبا بالسيارة. وتتميز المدينة بمناخ معتدل مقارنة بالمناطق المحيطة بها.
يعد القصر الملكي (رويال بافيليون)، من أبرز معالم المدينة ويقع في مركزها السياحي، وكان في السابق الجناح الملكي لإقامة الملك جورج الرابع أثناء زياراته للمدينة في بدايات القرن التاسع عشر كمركز لإقامة العائلة المالكة في خلال العطلات الطويلة. تم إنجاز بنائه على مراحل حتى اكتمال التوسعات في العام 1823 بإشراف المهندس المعماري جون ناش، بعد أن أضاف لمساته على تصميم المقر القديم مع توسعات ومرافق أكثر. القصر هو خليط معماري أنيق على الطراز الهندي – الشرقي حيث القباب والمنائر والمساحات الواسعة، كما يتشكل البعض من تصميماته الداخلية على الطراز الصيني. يضم القصر قاعات كبيرة وفخمة وقطع أثاث تاريخية ولوحات فنية نادرة، أما شرفاته فتطل على مشهد ساحر من حدائق ريجنسي التي تحيط بالقصر من كل زاوية مثل طوق من ورود، وهي تمنح فرصة للزوار لزيارة حديقة القصر، والجلوس فيها والتمتع بجو من الاسترخاء.
يشكل القصر الملكي الذي أصبح ملكا لبلدية المدينة مع حديقة ريجنسي، إضافة إلى المتحف ومعرض الفنون وقبة برايتون، القلب الثقافي لمدينة برايتون، فيما يعد القصر الملكي وحده رمزا للمدينة حيث يقوم بزيارته سنويا قرابة نصف مليون سائح محلي وأجنبي.
تتميز مدينة برايتون في العموم بتنوع الشواطئ والواجهات البحرية، بكل ما يحيطها من وسائل الترفيه والراحة من مطاعم ومدن ملاه للأطفال، وفعاليات محلية وأماكن إقامة متنوعة كالفنادق الفاخرة والمنتجعات. ويعد ميناء برايتون “برايتون مارينا” أكثرها شهرة، وهو مرسى لليخوت ووجهة ساحرة لمحبي الرياضات المائية والنزهات البحرية، التي توفر للزائرين متعة الاستمتاع بمشهد البحر ورحلات القوارب التي تأخذهم في جولة للتعرف إلى أهم معالم المدينة، كما توفر إمكانية ممارسة هواية الصيد.
بالقرب من الرصيف البحري، تتفرع أزقة ضيقة تشكل منطقة محلات تجارية، مقاهي، محلات تحف، مطاعم ومسارح متعددة، إضافة إلى مراكز تسوق منتشرة في مركز المدينة أو بالقرب من مينائها. ويمكن للسائح التوجّه إلى الشاطئ المليء بالحصى على الواجهة البحرية لقضاء مساء مميز بالاستلقاء على الصخور أو الاستمتاع بجولة واستنشاق نسمات الهواء، ليختتم الجولة بتناول وجبة السمك والبطاطا المقلية ذات المذاق المتميز التي تشتهر بها مطاعم المدينة.