برامج قديمة تعود إلى فضائيات مصرية: إفلاس إعلامي أم تغيير

استدعاء منابر فقدت بريقها رسالة سلبية إلى جمهور ينتظر التجديد.
الجمعة 2023/02/17
طبعة أولى للإنجازات

يكتشف المتابع عن قرب للتغيّرات الحاصلة في الإعلام المصري، تحديدا على مستوى الخارطة البرامجية الجديدة لبعض القنوات، فقدانها للرغبة الحقيقية في القيام بتطوير جذري يُفضي إلى نتائج إيجابية يتطلع لها المواطنون وخلوّها من الإعلام الرامي إلى تقديم رسالة تعتمد على التوازن بين أهداف الحكومة واحتياجات الجمهور.

القاهرة - أطلقت قنوات تابعة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية في مصر، وهي الجهة المالكة لعدد كبير من المؤسسات الإعلامية، مجموعة من البرامج مؤخرا، تنوّعت بين السياسي والكوميدي والسياحي، غير أنها كادت تختزل التغيير في استدعاء برامج من الماضي لم تحقق ومقدميها الغرض المرجو منها على مستوى الرسالة التنويرية.

وبدأت شبكة تلفزيون “الحياة” قبل أيام في إطلاق برنامج “آدم شو” الذي يقدمه الفنان الكوميدي أحمد آدم، والذي سبق وقدم البرنامج بالأسلوب نفسه على هذه القناة منذ سنوات، ويناقش بعض القضايا بشكل ساخر، ويقوم بالتعليق على الأحداث والتطورات المحلية والعالمية في قالب كوميدي، وهي طريقة قدم بها البرنامج وفقد بريقه بسببها.

القطيعة بين الإعلام المصري والفئات الشبابية تصاعدت لقيام القنوات بالتغريد بعيدا عن اهتمامات هذه الشريحة

ويستهدف برنامج “آدم شو” تناول الظواهر والسلوكيات في حياة الناس في محاولة لتغييرها إلى الأفضل بدعوى أن الناس بحاجة إلى من ينتشلهم من التضليل، خاصة الأجيال الجديدة، مع أن شريحة المراهقين والشباب تعد شاشات التلفزيون من آخر اهتماماتهم.

وهناك قطيعة بين الإعلام المصري والفئات الشبابية عموما بدأت تتصاعد في الآونة الأخيرة لقيام معظم القنوات بالتغريد بعيدا عن اهتمامات هذه الشريحة، وتحولت شبكات التواصل الاجتماعي لوجهة جاذبة لهم، ولم يعد يؤثر فيهم الخطاب الإعلامي مهما كانت طبيعة البرامج أو الوجوه التي تقدمها.

وفي الوقت نفسه جرى إطلاق برنامج “الطبعة الأولى” على فضائية “الحياة” من تقديم الكاتب والإعلامي أحمد المسلماني، والذي قدم البرنامج نفسه منذ سنوات على قناة “دريم”، ودرج فيه على تسليط الضوء على أبرز الأحداث المحلية والعالمية التي تتناولها الصحف ويقوم بالتعليق عليها بصورة مبسّطة، انقسم بشأنها الجمهور.

وقال المسلماني في تصريحات إعلامية إن النسخة الجديدة من البرنامج تأتي تحت شعار “صناعة الأمل”، وتسلّط الضوء على نجاحات الدولة المصرية وأبرز المبادرات الرئاسية لمواجهة الأصوات التي تسعى لاستغلال الأزمة الاقتصادية الحادة لبث اليأس والإحباط بين صفوف الناس وجعلهم يفقدون الأمل.

وقام المسلماني في النسخة السابقة من برنامجه بالتركيز على الموضوعات الجدلية التي يتناولها الإعلام، وعمل على شرحها للجمهور بشكل سهل عبر تقديم ملخص لأهم الأحداث المصرية والإقليمية والدولية، لكن اختزال النسخة الجديدة في صناعة الأمل والترويج للمشروعات القومية والمبادرات الحكومية، كما تفعل البرامج الموجودة، يعكس انتفاء النية لتناغم الإعلام مع الشارع وإدخال تعديلات على صيغته.

ويرى متابعون للمشهد الإعلامي المصري أن إعادة إنتاج برامج قديمة لفظها الجمهور تنطوي على رسالة محبطة للشارع بأنه لا أمل في تطوير وتغيير المنظومة إلى الأفضل، وهي رسالة توحي بأن الإعلام المصري يعاني من حالة إفلاس وغير قادر على التطوير، وأن المحتوى الإعلامي مخطط له أن يلعب في دائرة ضيقة لا تخرج عن القضايا الاجتماعية والتخديم على الحكومة.

ويعتقد هؤلاء المتابعون أن تغليف البرامج الجديدة بغطاء توعوي أو حداثي هو محاولة للالتفاف على احتياجات الجمهور من الإعلام المطلوب رؤيته، فالناس لا ترغب في عودة برنامج من الماضي ليحدثهم حول الحاضر عن السلوكيات الخاطئة ويحاول تغييرها للأفضل أو من يرشدهم على التضليل، إذ يكفي ما يفعله الإعلام الآن.

وجه قديم بديكور جديد
وجه قديم بديكور جديد

وقال حسن علي عميد كلية الإعلام بجامعة السويس سابقا، رئيس جمعية حماية المشاهد المصري، إن الجمهور يأمل من إعلامه في أن تكون الخارطة البرامجية ملبية لرغباته وطموحاته وتوصيل نبضه إلى دوائر صناعة القرار، لا أن تتحول كل المنابر إلى وسيط بين الحكومة والشارع، لذلك فانضمام برامج جديد لقائمة من يروجون للإنجازات فقط رسالة سلبية، وربما مخيبة للآمال.

وأضاف لـ”العرب” أن ترميم علاقة الناس بدوائر صناعة القرار تنطلق من الإعلام، وهذه رسالة غائبة عن القائمين على إدارة المنظومة، ومن غير المنطقي إنتاج برامج جديدة بلا هوية أو تطوير حقيقي، مع أن الدولة في حاجة ملحة الآن إلى محتوى إعلامي توعوي متزن ينقل الحقيقة بتجرّد، كي لا تتشعب الأزمات الراهنة.

يبدو أن المسؤولين عن الإعلام في مصر استشعروا أن الكثير من الوجوه الراهنة فقدت بريقها أو لم تعد رسالتها الإيجابية عن إنجازات الدولة تحظى بثقة ومصداقية عند الناس، فكان التوجه نحو أن يتم تقديم الرسالة من خلال آخرين ولو حافظت على أسماء برامجهم القديمة التي كانت لها شعبية أو لافتة للانتباه.

وباتت هناك قناعة لدى الكثير من العاملين في مجال الإعلام بأنه من الواضح وجود توجه رسمي لهيمنة الصوت الواحد واستبعاد فكرة التوازن بين صوت الشارع وصوت الحكومة بالمزيد من الحرية، وهو توجه يكرس القطيعة مع المواطنين، طالما أن كل الشاشات تروج للفكرة والمضمون نفسه، ولو اختلفت الطريقة أو تبدل مقدمو المحتوى، وهي أزمة لن تعالجها البرامج الجديدة ولو كان بعضها يتم تقديمه في قالب كوميدي وجذاب، لأنها في النهاية تصل رسائلها بصبغة سياسية مبتورة.

المسؤولين عن الإعلام في مصر استشعروا أن الكثير من الوجوه الراهنة فقدت بريقها أو لم تعد رسالتها الإيجابية عن إنجازات الدولة تحظى بثقة ومصداقية عند الناس

ويستنكر معارضو محاولات الإعلام المصري انتشال الجمهور من حالة الإحباط واليأس والتضليل من خلال هذه النوعية من البرامج، على الرغم من أن المفترض أولا أن يتقنع القائمون على إدارة المشهد أن كل المشاعر القاتمة جاءت بسبب وقوف الإعلام في صف الحكومة ودعمها سواء أكانت على صواب أم خطأ وتحصين قراراتها من الانتقادات، حتى بلغت خيبة الأمل الجماهيرية ذروتها تحولت بعض المنابر الإعلامية إلى شريك في الترويج لعدم تسليط الضوء على الحقيقة.

وبالرغم من التخمة الظاهرة على البرامج التي تلامس السياسة إلا أن شريحة كبيرة من الجمهور لا تتجاوب معها، لأن السياسة تكاد تسقط من أولويات المصريين.

وجرى إطلاق برنامج جديد على فضائية “أون” يحمل اسم “كل الزوايا”، يناقش الملفات المرتبطة بالعلاقات الخارجية لمصر، إضافة إلى القضايا المرتبطة بالإنجازات التنموية في الداخل، مع أن المعلن عن سياسة البرنامج مناقشته لكل الزوايا، أيّ تقديم الرأي والرأي الآخر، لكنه انضم إلى قافلة البرامج الترويجية.

وربما يكون الاستثناء في الخارطة الجديدة إطلاق برنامج جديد على فضائية “أون”، يحمل اسم “أيمن وسكر” لتقديم صورة جديدة عن السياحة في مصر بهدف دعم القطاع السياحي وإبراز المزارات بشكل حضاري وتوعية المواطنين بمقومات بلدهم وكيفية اختيار الأماكن المطلوب زيارتها، إضافة إلى جذب السياحة الأجنبية، لكن تظل معضلة البرامج الهادفة أن غالبية وسائل الإعلام في مصر تسير في حلقات غير مبتكرة.

5