برامج المقالب وجبة تلفزيونية بلا طعم في السهرات الرمضانية

برامج المقالب تواصل الخروج عن الخطوط العريضة لفن الكاميرا الخفية، الأم الشرعية لها، لتبتعد عن الكوميديا إلى المواقف المُرعبة، والتعامل مع الجمهور على أنه ساذج ويمتص كل ما يقدم له دون إعمال العقل.
السبت 2019/05/11
التلاعب على الرقابة

يدور الإنتاج البرمجي للتلفزيونات في رمضان في حلقة مفرغة من مضامين المقالب المفزعة، وحوارات “الهارد توك” التي تبحث عن النقاط السوداء في حياة المشاهير، واختفاء تام للبرامج الفنية والترفيهية ذات الأهداف الثقافية التي قد يخرج منها الجمهور باستفادة قد تعود بالإيجاب على سلوك المشاهد. ويراهن أصحاب هذه البرامج حاليا على اجتذاب المزيد من المشاهدين في ظل ضعف الإقبال على الأعمال الدرامية التي تعالج قضايا مكررة.

 القاهرة - ظلت البرامج التلفزيونية الرمضانية أسيرة الخلطة التقليدية المعتادة التي لا تخرج عن فقرات المقالب الكوميدية، واستضافة مشاهير في حوارات هدفها الخوض في نقاط شائكة من حياتهم الشخصية، واللعب على وتر المشكلات الاجتماعية كالفقر والغراميات.

وواصلت برامج المقالب الخروج عن الخطوط العريضة لفن الكاميرا الخفية، الأم الشرعية لها، لتبتعد عن الكوميديا إلى المواقف المُرعبة، والتعامل مع الجمهور على أنه ساذج ويمتص كل ما يقدم له دون إعمال العقل، وتجنب الأخطاء التي تشي بالاتفاق المسبق مع الضيوف.

ويدافع منتجو تلك النوعية من البرامج عن إعادة استنساخها باستمرار بمقولة “الجمهور عايز كده” (الجمهور يريدها)، فرغم الجدل المستمر حول تكرار الأفكار أو أنها محض تمثيل، إلا أنها لا تزال تستقطب الكم الأكبر من المعلنين والمشاهدين، وتوفر المعادلة الأهم بالنسبة لأموال المنتجين.

يقدم المغني أكرم رسلان برنامج مقالب بعنوان “فيلم رعب” على قنوات محلية مصرية، ويعتمد على إثارة فزع جمهور عشوائي في الشوارع أو داخل مصاعد السلاسل التجارية باستحضار النماذج الشهيرة لأفلام الرعب في السينما الأميركية، مثل المهرج والراهبة وفرانكشتاين.

وتدور سلسلة برامج الفنان رامز جلال حول فكرة ثابتة منذ عام 2011، باستحضار نجوم مصريين وعرب إلى مقلب مفزع، وفي الموسم الحالي الذي يحمل اسم “رامز في الشلال” يستقدم ضيوفه إلى جزيرة بالي في إندونيسيا بحجة تصوير إعلان تجاري، ليتم الدفع بهم في شلال مياه خطير ثم مهاجمتهم بغوريلا مزيفة.

ويواصل هاني رمزي على مدار ثلاث سنوات برنامجا يحمل اسمه يعتمد على استدراج زملائه إلى مواقف صعبة، وتحمل نسخة العام الحالي اسم “هاني في الألغام”، ويستقطبهم إلى حقل ألغام وهمي في منطقة العلمين بالصحراء الغربية المصرية ليعيشوا أوقاتا مرعبة وسط القنابل التي يتم تفجيرها بجوارهم. ويؤكد الناقد الفني أحمد سعدالدين وجود حالة من فقر الأفكار وإنتاج البرامج بسبب سيطرة الوكالات الإعلانية على السوق، والسعي وراء مضامين مثيرة تخلق ضجة وصدمة، أكثر من الرغبة في إنتاج مضمون ثقافي راق.

ووقعت برامج المقالب في أزمات متعددة مع الحلقات الأولى لإذاعتها، باعتراف الضيوف بمعرفتهم المسبقة بطبيعة البرنامج، مثل الرياضي رضا عبدالعال مع رامز جلال، أو رد حارس مرمى منتخب مصر عصام الحضري على صوت هاني رمزي حين طالب سائقه بزيادة السرعة كي تكون الحلقة ساخنة، بمقولة “حلقة إيه.. يعني نموت”.

وأرسلت هيئة الرقابة على المصنفات الفنية خطابا إلى مكرم محمد أحمد رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، طالبته فيه باتخاذ الإجراءات اللازمة ضد برنامج “رامز في الشلال” بحجة أنه لم يحصل على ترخيص لعرضه، لكن منتجيه أكدوا أن عرضه يقتصر على أكثر من قناة تابعة لمجموعة “إم.بي.سي” التي تبث من خارج مصر، وبالتالي ليست له علاقة بالمصنفات المحلية. وأضاف سعدالدين لـ”العرب” أن الوكالات الإعلانية تتحجج بأن رغبة الجمهور وراء إنتاجها المزيد من المضامين السيئة، لكنه معذور باعتبار أنه لا يجد بديلا جيدا في السينما أو الدراما أو البرامج أو حتى سوق الإعلانات، وحال توافره سيلفظ المشاهد المنتج الرديء.

ولا تذهب باقي البرامج الترفيهة بعيدا من استنساخ التجارب السابقة، مثل “الزفة” الذي يعتمد في نسخته الثالثة على نفس فكرة خداع زوجة بدعوتها إلي حفل زفاف وهمي لزوجها، أو الاستلهام من الغرب بإنتاج النسخة العربية من برنامح بريطاني شهير، بدأ إنتاجه عام 1988 بعنوان “على مين الدور” ويقدمه الفنان سامح حسين.

واضطر التكرار في أفكار برامج المقالب وزير الاتصال الجزائري جمال كعوان العام الماضي إلى تقديم اعتذار للجمهور بسبب “غياب الإبداع” و”نقص الاحترافية” بمختلف البرامج الرمضانية، خصوصا الكاميرات الخفية المزيفة التي تميزت بالإفراط في الإنتاج والمضمون. ويدافع الفنان هاني رمزي عن برنامجه مؤكدا أن ضيوفه لا يعلمون شيئا عن المقلب ومن وجهة نظره فمن المستحيل أن يعرف الضيوف أنهم سيمرون بمنطقة تتضمن ألغاما ويوافقون على التصوير، بجانب أن التفجيرات في البرنامج حقيقية.

ويشهد رمضان زيادة كبيرة في البرامج الحوارية، لكن مضمونها يبدو متشابها في استقطاب مجموعة من المشاهير للخوض في حياتهم الخاصة وعدد زيجاتهم والمواقف المؤلمة من حياتهم أو حتى استقطاب المتزوجين حديثا للتعرف على كيفية ارتباطهم.

الحلقة الأكثر تداولا على مواقع التواصل الاجتماعي من برنامج "عايشة شو" تلك التي اعترفت فيها غادة عبد الرازق بأنها تزوجت 11 مرة
الحلقة الأكثر تداولا على مواقع التواصل الاجتماعي من برنامج "عايشة شو" تلك التي اعترفت فيها غادة عبد الرازق بأنها تزوجت 11 مرة

وتتطلب برامج “الهارد توك” مواصفات خاصة لدى المذيعين وقدرة على إثارة الجدل واستجواب الضيوف للخروج منهم بإجابات واضحة وبعيدة عن المناطق الرمادية لضمان تحقيق رواج بين الجمهور والمعلنين.

وتخلت البرامج الحوارية عن ميراثها القديم باستضافة فنانين لديهم خبرة في الحياة وقصة صعود يستفيد منها الجمهور، وبدأت تركز على الأمور شديدة الخصوصية. ولا تختلف فكرة برنامجي “شيخ الحارة” للمذيعة المصرية بسمة وهبي و”عائشة شو” للتونسية عائشة عثمان عن بعضهما كثيرا، فكلاهما يستقبل ضيفا للخوض في المواقف المثيرة للجدل في حياته، كما تدور فكرة برنامج اللبناني نيشان “توأم روحي” والمغربية جيهان خليل “سيرة الحبايب” في إطار الخوض في حياة المشاهير.

ويواصل الإعلامي المصري طارق علام خط البرامج الاجتماعية التي اعتاد تقديمها منذ تسعينات القرن الماضي في “هو ده” باستعراض تجارب المحتاجين واستدرار التعاطف، وتعيد الإعلامية لمياء فهمي في برنامج “وش الخير” تقديم المحتوى ذاته مع الفقراء بالتعاون مع إحدى المؤسسات الخيرية.

وتلعب البرامج الحوارية على وتر سيادة ثقافة النميمة لوضع موطئ قدم في موسم رمضان المعبئ بالأعمال الدرامية، واقتناص نسبة من كعكة المشاهدات بما يخرجها من دائرة التصنيف كمساحات وقتية تسد الفراغ بين عرض المسلسلات أو أوقات إعادتها.

ويرى بعض النقاد أن نوعية الفنانين تغيرت بما يجبر مقدمي البرامج على تغيير المحتوى للتماشي معها بعد اختفاء الممثلين المثقفين، ووجود أجيال جديدة يغلب عليها الترفيه ويغيرون مضامين اللقاءات التي يظهرون فيها إلى السخرية والضحك.

ويمكن اعتبار برنامج “الصدمة” للمصري كريم كوجاك، الذي تم تقديمه في رمضان قبل ثلاثة أعوام، دليلا على تشوق الجمهور للمضمون الجيد، بعدما لقي ترحيبا كبيرا من النقاد، حيث كان يسلّط الضوء على القيم الإنسانية، وتم تصويره في أكثر من عشر دول عربية، ومع نجاحه تم تكرار فكرته في نسخة أخرى تحمل اسم “ورطة إنسانية”.

وتخلت الكثير من المؤسسات الرسمية العربية عن إنتاج البرامج والدراما مؤخرا، وأصبحت المهمة في يد شركات خاصة تسعى إلى تحقيق أعلى نسبة جذب للمشاهدين لزيادة غلتها من الحصيلة الإعلانية.

وتحقق حياة المشاهير معادلة سحرية للمنتجين بمداعبة نهم الجمهور في معرفة جوانب عن حياتهم السرية، بعيدا عن الكاميرات.

وكشفت الفنانة غادة عبدالرازق عن زواجها 11 مرة عبر “عايشة شو”، وهي الحلقة التي باتت أكثر تداولا بين مواقع التواصل الاجتماعي، ولم ينافسها إلا اعتراف الفنان أحمد السعدني في برنامج “السرداب” لرشا الخطيب، بتجسسه على والده الفنان صلاح السعدني في أثناء عمله كصحافي وبتحريض من رئيسه.

يظل نجاح البرامج الرمضانية في المنافسة مرهونا باختيار التوقيت الجيد لعرضها وتدشين حملات دعائية لها تضعها على خارطة المشاهدة في شهر مزدحم، وتحاشي الزج ببعضها كالمعتاد في الأوقات قليلة المشاهدة.

17