براغماتية الأسد تجعله يفضل أردوغان على قليجدار أوغلو

الأسد يراهن على التقاط أنفاسه سياسيا واقتصاديا، لكنه يصطدم بوعد قليجدار أوغلو الذي تعهّد بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
الجمعة 2023/05/19
ما تبقى للمعارضة السورية وقطر بعد عودة الأسد

أنقرة- إذا كان ثمة تجسيد للمفارقات السياسية في الشرق الأوسط فلن يقتصر على حضور الرئيس السوري بشار الأسد القمة العربية في جدة؛ فالأسد يفضّل بقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في سدة الحكم على إزاحته من قبل مرشح المعارضة كمال قليجدار أوغلو.

ويراهن الأسد، الذي أعيد تأهيله إقليميا وتمت دعوته إلى زيارة أكثر من عاصمة عربية ويحضر قمة جدة التي تنعقد اليوم، على التقاط نظامه أنفاسه سياسيا واقتصاديا، لكنه يصطدم بوعد مرشح المعارضة التركية قليجدار أوغلو الذي تعهّد بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.

ورغم الخلاف بينه وبين أردوغان يجد الأسد نفسه أقرب إلى الرئيس التركي الذي لم يدل بتصريحات تحث على طرد السوريين دفعة واحدة، ويمكن التفاوض معه بشأن عودة منظمة وعلى مراحل فيما سيقود فوز قليجدار أوغلو إلى أزمة حادة للأسد الذي يسعى للاستفادة من الانفتاح العربي على مستوى جلب الاستثمارات وإعادة الإعمار وتأمين ظروف مقبولة لعودة الملايين من اللاجئين.

◙ قليجدار أوغلو اتهم أردوغان بأنه لم يقم بـ"حماية الحدود وشرف البلاد"
قليجدار أوغلو اتهم أردوغان بأنه لم يقم بـ"حماية الحدود وشرف البلاد"

وتعهّد قليجدار أوغلو الخميس بإعادة الملايين من اللاجئين السوريين وغير السوريين سعيا لكسب أصوات الناخبين الأتراك الذين يرون في بقاء السوريين على أراضي تركيا تعميقا لأزمتهم الاقتصادية.

وأيا كانت مبررات إعادة اللاجئين فإنهم في كل الأحوال سيمثلون مشكلة بالنسبة إلى الأسد؛ فهم إما عبء اقتصادي أو عائدون مسلحون يشعلون حربا أهلية جديدة، أو يمثلون بؤرة تهديد لسوريا وتركيا معا، وهو ما يجعل خيار التفاوض هو الأقرب إلى حل أزمتهم بدلا من عودة إجبارية وبشكل جماعي لا تستطيع دمشق التعامل معها أمنيا وإنسانيا.

ولن تكون هذه العودة القسرية مشكلة للأسد وحده؛ فهي ستمثل تحديا جديا للعرب الذين تحمسوا لعودة سوريا إلى موقعها في الجامعة العربية. وأبرز عنصر من عناصر هذا التحدي هو اضطرارهم إلى ضخ الكثير من الأموال لتأمين هذه العودة، خاصة أن سوريا تعيش وضعا اقتصاديا صعبا.

وقد يكون هذا المآل هو الذي دفع قطر إلى الانكفاء ومعارضة عودة الأسد إلى الصف العربي، وكأنما تتملص من مسألة اللاجئين السوريين وتداعياتها وتستعدّ لاحتمال خسارة أردوغان جولة الإعادة في الثامن والعشرين من مايو الجاري.

وفي خطاب له الخميس اتهم قليجدار أوغلو أردوغان بأنه لم يقم بـ”حماية الحدود وشرف البلاد”، ووجه إليه خطابا مباشرا قال فيه “أدخلت عمدا أكثر من 10 ملايين لاجئ إلى هذا البلد. فور وصولي إلى السلطة سأعيد كل اللاجئين إلى بلدانهم”.

وأدلى زعيم المعارضة العلمانية بأول خطاب له منذ انتخابات الأحد التاريخية التي حلّ فيها متأخرا بخمس نقاط تقريبا عن أردوغان.

وكان أداء قليجدار أوغلو (74 عاما) هو الأفضل للمعارضة منذ تولي أردوغان السلطة قبل عقدين. لكنه لم يرق إلى توقعات الاستطلاعات التي سبقت الانتخابات وخيّب آمال المعارضة.

ومنذ ذلك الحين أجرى زعيم المعارضة تغييرات على فريق حملته وشدد على ضرورة كسب الناخبين اليمينيين في الدورة الثانية المقررة في الثامن والعشرين من هذا الشهر.

كما يخطط لعقد لقاء مع سنان أوغان، وهو يميني متشدد نال 5.2 في المئة من الأصوات ولم يحسم قراره بعد بشأن الشخصية التي سيدعمها.

وسبق أن أشار أوغان إلى أنه لن يدعم إلا مرشّحا ينفّذ حملة أمنية ضد المهاجرين ويكافح “الإرهاب”، وهو المصطلح المستخدم في تركيا لدى الحديث عن المقاتلين الأكراد.

وباتت تركيا تستضيف أكبر عدد من اللاجئين والمهاجرين في العالم؛ إذ بلغ عددهم خمسة ملايين خلال العقد الأخير.

وساهم اتفاق منفصل عام 2016 بين أنقرة والاتحاد الأوروبي في التخفيف من حدة أزمة الهجرة التي واجهتها أوروبا عبر السماح للأشخاص الساعين للوصول إلى غرب أوروبا بالاستقرار في تركيا. وحصلت تركيا من بروكسل مقابل ذلك على تمويل لصالح اللاجئين قدره 1.4 مليار يورو.

لكن تسارعت الأزمة الاقتصادية مع اقتراب الانتخابات، ما أدى إلى ازدياد حدة المشاعر المعادية للمهاجرين.

وحاولت حكومة أردوغان إيجاد حل وسط. وقال وزير الداخلية سليمان صويلو الخميس إن تركيا أعادت حتى الآن أكثر من نصف مليون سوري.

وأضاف “لن نحوّل تركيا إلى مستودع للاجئين ولم نفعل ذلك حتى الآن. لكن السوريين يعتبرون أشقاء لنا”.

وتابع “لا يمكننا إرسالهم إلى الموت. ولم نقم بذلك. رجب طيب أردوغان لا يريد أن يتم تذكره على أنه الزعيم الذي أرسل السوريين إلى الموت”.

1