بدل رفو المزوري: أنا والقصيدة شربنا معا من ماء دجلة

الجمعة 2014/07/18
المزوري: الوطن الأم سيظل دائما هو الوطن

لطالما كان الشاعر هو ذلك المسافر على قلق دائم، ذلك المغترب أينما حل، والذي لا تسعه أرض، ليكون رحالة باحثا عن مواطن الجمال ومصدّرا قضايا وطنه، هكذا هو بدل رفو الشاعر والمترجم الكردي الذي ولد سنة 1960 بقرية الشيخ حسن من كردستان العراق.

أضاف رفو إلى الأدب الكردي والعالمي أعمالا عدة بين ترجمات وشعر ومقالات، ولكي نكون على تماس مع التجربة الغنية، كان لـ "العرب" معه الحوار التالي.

عندما يتابع المرء تجربة الشاعر الكردي العراقي بدل رفو المزوري تدهشه هذه المسيرة الطويلة الشاقة، المحملة بآلام وهموم ومتاعب الغربة وعشق الوطن، وهو إذ يقوم بتحويل عشقه إلى وطنه وآلام غربته إلى شعر وترجمة يضمّهما الترحال، فإنه بذلك ينحت سر العذوبة والجمالية في تجربته الشاملة.


القصيدة لا تفارقني


عن اتصاله الأول بالقصيدة، عندما اتقدت فيه جمرة الشعر الأولى، يستذكر بدل رفو قائلا: «إن القصيدة بدأت معي من أزقة مدينة تاريخية، وهي الموصل في العراق، ومن الإحساس الأول بالوجع الإنساني والبحث عن إحساس جميل بين ثنايا الإنسانية. أنا والقصيدة شربنا معا من ماء دجلة، وتغربنا معا لنشرب من ينابيع النمسا الجبلية، ترافقنا آهات ووجع شعب يبحث عن حريته. حملت القصائد وكلماتي المبعثرة من سفر الحياة في حقيبة ظهر ممزقة، لتشاهد وجه العالم، ويشاهدها العالم والإنسانية بصورتيهما الجميلتين. القصيدة بدأت معي في نهاية السبعينات، وبقينا معا، عبرنا حدود البلدان معا، ولم نفترق أبدا».

بدل رفو شاعر يعشق الوطن، كما يتبدّى في نصوصه الشعرية. عن استقراره في وطنه الأم، يؤكد الشاعر أنه لم يعشق الوطن في نصوصه فقط، بل عشقه لوطنه متسع، يشمل حتى أغاني المهد التي كانت تردّدها له والدته أيام الطفولة.

حين أترجم لشاعر، ربما يكرهني هو وهذا لا يهمني، فأنا أترجم أدب شعب وتاريخه

يقول: «هويت الوطن وأنا في رحم أمي، وأنصت لأغانيها وهي تتغنى ببطولات شعبي وناسي وبلادي المسافرة معي في دمي، إنها أعظم مطربة بالنسبة إليّ. بلادي لا تختلف عن بلدان الشرق، من ناحية التهميش والإقصاء، وأقصد هنا رأسًا وزارة الثقافة والمؤسسات الثقافية، ولهذا اخترت الغربة من أجل أن أحتفظ بتاريخ بهيّ ونقيّ، وسأقضي العمر المتبقي في هذه البلاد التي منحتني الحرية، حيث أحسّ بأنني حقا إنسان، وأجد العدالة الإنسانية، ولكن الوطن الأم سيظل دائما هو الوطن».

ربما هو “فيتامين دفع السفر”، إن جاز التعبير، الذي يغذي في أعماق رفو روح السفر والترحال هذه، محلقا بين جغرافيا الكون المتعددة، بلغاتها وثقافاتها وعاداتها وتقاليدها، من المغرب مرورا بالنمسا، موطنه الجديد، وانتهاء بصداقاته مع أطفال الهند.

فالشاعر يعتبر رحلاته بحثا عن نفسه وروحه المهاجرة وصورة وطنه، بحثا عن البلدان القديمة وهويات الأوطان وثقافات الشعوب. مستشهدا بالمثل الكردي “هذا الإنسان رأى الدنيا”، وبالشاعر التشيلي بابلو نيرودا، في قوله إنه يعترف أنه قد عاش حياته، ويعترف الشاعر الكردي أيضا بأنه بدوره قد عـاش حياته، ورأى مختلف العوالم والثقافات.

يقول بدل: «لأول مرة أقول هذا الشيء، فقد كانت لجدتي، أم والدي، التأثير الكبير عليّ في حبي للسفر، وذلك بعد موت جدي “رفو”. كانت جدتي تعشق السفر إلى الأماكن المقدسة، فتجدها مرة في مكة، ومرة في أماكن أخرى مقدسة. وحين ترجع من السفر تحكي لي حكـايات سفرها، وفوائد الترحال وثقافته».

ويضيف قوله: «أنا أفتقدها في كل رحلاتي، وأقول في نفسي كم أتمنى لو كانت حية، وسردت على مسامعي حكايات الشعوب والأوطان، “فيتامين السفر” هو المعرفة وحب المغامرة، والرقود على الجبال بالخيمة، والاختلاط بالطبقات البسيطة من المجتمعات، وإقامة الحلقات الثقافية حول شعبي وعاداته وثقافاته».

الترجمة والكتابة

حين أترجم لشاعر، ربما يكرهني هو وهذا لا يهمني، فأنا أترجم أدب شعب وتاريخه، وأقدم للآخر جمال الشعر الكردي

عن كيفية توفيقه بين كتابة الشعر والترحال والترجمة والعمل الصحفي، يقول الشاعر: «أينما يكون اتجاهي فهو من أجل 5 دقائق حرية مع الذات، بوسعي السفر إلى آخر العالم والترجمة، فأنا سعيد بأنني تمكنت من تحقيق حلمي، فقد ترجمت إلى حدّ الآن لأكثر من 100 شاعر كردي و100 شاعر نمساوي.

وترجماتي الآن هي من المصادر المهمة للباحثين عن الأدب الكردي والنمساوي، وبالنسبة إلى العمل الصحفي، فأنا أكتب حول النمسا، وقد وفقت في ربط النمسا بالشرق، وأن أكون ذلك الجسر الثقافي بضمير إنساني.

وحين أترجم لشاعر، ربما يكرهني هو وهذا لا يهمني، فأنا أترجم أدب شعب وتاريخه، وأقدم للآخر جمال الشعر الكردي». وللعلم فقد أورد الشاعر أنه ترجم لعدد كبير من الكتاب دون أن يراهم أو تربطه بهم صداقة أو علاقة، فالمهم عنده أدب شعبه وبلاده.

في ما يخص تأثره بالشعراء الكرد والعرب، يؤكد رفو أن التأثير شيء، والقراءة لهم والاستفادة من كلماتهم وصورهم وعوالمهم الشعرية شيء آخر. فقد قرأ باستمرار أيام الدراسة للشعراء عبدالرحمن مزوري وبدرخان السندي وجلال زنكابادي وصديق شرو ولطيف هلمت. أما الشعراء العرب، فقد أوضح أنه كان يقرأ للماغوط ومحمود درويش وقباني، وشعراء الثورة.

وأما بالنسبة لشعراء العالم، فإنه يعتبر ملهمه الأول هو رسول حمزاتوف، الذي يحتفظ بكتابه الخالد بلدي. كما لا ينكر الشاعر قراءته واستفادته من شعراء آخرين، وخاصة شعراء روسيا في القرن التاسع عشر.

الإنسان المبدع في بلداننا مهمش ومقصي، ولهذا يظهر التمرد في أعماق الطبقة المسحوقة

وعن مآسي الشرق الأوسط، والحال الذي وصلت إليه شعوبنا، واشتداد الصراعات والنزاعات المذهبية والطائفية، بعد الربيع العربي في ظل الصمت السياسي وكذلك الإنساني العالمي الغريب.

يعتبر رفو أن مشكلة شعوبنا في الشرق هي الديمقراطية التي لم تنضج، ولم تولد بعد من أصله. الربيع العربي، كما يسمونه في رأيه، هو خريف عربي. فالديمقراطية لا تعني رحيل رئيس ومجيء آخر، بالعكس الديمقراطية هي احترام الرأي الآخر، والتعلم في المدارس.

يقول الشاعر: «في شرقنا المهترئ، السياسي ينظر بعين الاستصغار إلى العامة والشعب، ولكن كلما كان السياسي قريبا من شعبه، كبر في أعينه. وفي بلداننا فإن أغلب الوظائف تقوم على العلاقات الشخصية، ولهذا نرى الإنسان الشرقي المبدع، أكثر نجاحا وتحقيقا لذاته في الغرب، لأنه يمنحه الأمان والحرية والحقيقة.

الإنسان المبدع في بلداننا مهمّش ومقصيّ من قبل الجهات المسؤولة، ولهذا يظهر التمرّد في أعماق الطبقة المسحوقة، ويطغى عدم توفر العدالة الاجتماعية والظلم والفساد».
15