بداية نارية للحملة الانتخابية في كردستان العراق تنذر بتفجير الاستحقاق

خطاب شديد اللهجة من بافل طالباني وملاسنة حادّة بين مسرور بارزاني ونائبه في رئاسة الحكومة.
الخميس 2024/09/26
على طريقة مصارعة الثيران

التوترات الشديدة والخلافات المتراكمة بين الحزبين الرئيسيين في إقليم كردستان العراق تدفع باتجاه تحويل الحملة الانتخابية، ومن ورائها الاستحقاق الانتخابي ككل إلى معركة حامية لا أحد يضمن انزلاقها إلى ما هو أبعد من التجاذبات اللفظية وصولا إلى إمكانية تفجير المناسبة التي سبق أن أرجئت عدة مرّات لأسباب لا تنفصل عن الصراع السياسي الشرس في الإقليم.

السليمانية (العراق) - اتّخذت الحملة الانتخابية الخاصة بانتخابات برلمان إقليم كردستان العراق منذ اليوم الأول لانطلاقها الأربعاء منحى تصعيديا بين الحزبين الحاكمين في الإقليم، الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، مخالفا تماما لدعوات التهدئة والالتزام بضوابط العمل السياسي السلمي وبقواعد التنافس النزيه التي سبقت الإعلان عن إطلاق الحملة من قبل مفوضية الانتخابات المرتبطة بالسلطة الاتّحادية العراقية.

وأثار الخطاب المتوتّر للحزبين تجاه بعضهما البعض المخاوف من انزلاق الحملة إلى ما هو أبعد من مجرّد التصعيد اللفظي في ظل المناخ السياسي شديد التوتّر في الإقليم بسبب الخلافات التي ثارت على مدى الأشهر الماضية حول تعديل القانون الانتخابي، والتي ازدادت تعمّقا بسبب ما دار من تنافس شرس بين حزبي بارزاني وطالباني على قيادة الحكومة المحلية لمحافظة لكركوك إثر انتخابات مجالس المحافظات التي أجريت في العراق نهاية العام الماضي.

وتحمل البداية النارية للحملة الانتخابية، بحسب متابعين لشؤون الإقليم، نذر اندلاع أعمال عنف وذلك استنادا إلى ما للحزبين الرئيسيين في كردستان العراق من سوابق في الاحتكام إلى السلاح لتصفية الحسابات السياسية، ونظرا أيضا لانتشار الأسلحة ووجودها بيد جهات غير رسمية تمّ تسليح بعضها من قبل نفس الحزبين في نطاق تقديمهما رشاوى انتخابية  لشيوخ العشائر وغيرهم.

وتشمل المخاوف أن يفضي توتّر الحلمة الانتخابية إلى تهديد الاستحقاق الانتخابي بحدّ ذاته وإرجائه مجدّدا بعد أن كان أرجئ لعدّة مرات منذ سنة 2022.

ومثّلت ملاسنة بين رئيس حكومة الإقليم القيادي في الحزب الديمقراطي مسرور بارزاني ونائبه قوباد طالباني القيادي في حزب الاتحاد الوطني خلاصة الاحتقان بين الحزبين، في ما عكس خطاب حادّ لرئيس حزب الاتحاد وردّ الحزب الديمقراطي عليه المنحى الهجومي الذي سلكه الحزبان في حملتهما الانتخابية التي بدأت تتلخّص في مجرّد معركة ثنائية تمثّل امتدادا لمعارك الطرفين المتواصلة منذ عقود من الزمن.

وجاءت الملاسنة بين مسرور بارزاني ونائبه، بحسب وسائل إعلام محلية، بسبب قيام قوباد طالباني بعرض صورة لشقيقه بافل وهو بصدد الإشارة إلى شعار الحزب الديمقراطي قائلا “سوف ننهيه”، الأمر الذي أثار حفيظة بارزاني الذي ردّ بالقول أنتم من ستنتهون، وليجيبه طالباني “سننهيكم ولن تستطيعوا بعد اليوم سرقة أصوات الناخبين، وكذلك لم تعد هناك مقاعد الكوتا”.

صبحي المندلاوي: تصريحات بافل طالباني تفتقر إلى المسؤولية واللباقة
صبحي المندلاوي: تصريحات بافل طالباني تفتقر إلى المسؤولية واللباقة

والكوتا هو تعبير محلي عن المقاعد المخصصة للأقليات من مسيحيين وتركمان وأرمن في برلمان إقليم كردستان وقام القضاء العراقي بتقليصها من أحد عشر مقعدا إلى خمسة فقط ضمن جملة من التعديلات على القانون الانتخابي للبرلمان كان حزب الاتحاد قد دفع نحو إجرائها، وأغضبت غريمه الديمقراطي الذي أعلن بداية عن مقاطعته للانتخابات القادمة قبل أن يعود عن قراره ويقرر المشاركة.

وتذكّر قضية الصورة بحادثة شبيهة كانت جرت بعد تمكّن حزب الاتحاد من الفوز بمنصب محافظ كركوك وتمثّلت في نشر صورة لثلاثة من قادة الحزب على هيئة أبطال أفلام الأكشن مفتولي العضلات الأمر الذي أثار حفيظة الحزب الديمقراطي الذي رأى في الصورة رسالة استفزاز موجّهة إليه.

وعلّق مراقبون على الحادثة باعتبارها نموذجا عن المستوى الذي يمكن أن تتدنى إليه صراعات الحزبين، وعدم ترفّعهما عن استخدام أيّ من الطرق والوسائل لتسجيل النقاط كل على حساب الآخر. وتعميقا لحالة التوتّر افتتح رئيس حزب الاتحاد الوطني بافل جلال طالباني الحملة الانتخابية لحزبه بكلمة متلفزة حمل فيها بعنف على الحزب الديمقراطي الكردستاني.

وقال متوجها إلى جمهور حزبه “هذه الانتخابات مهمة جدا وليست كباقي الانتخابات وأصواتكم لن تضيع، فهناك حزبان لهما تأثير على حياتكم أحدهما مجرب منذ عدة سنوات، ورئيس الوزراء من ذلك الحزب وكذلك الوزراء في الوزارات الأساسية.. اسألوا أنفسكم وانظروا إلى أطفالكم هل أنتم راضون عن هذا الحزب، هل استطاع الدفاع عن حقوقكم، وهل استطاع حماية أرض كردستان كما يجب”. وأضاف “هذا الحزب يقوم ببيع الأرض التي قدمنا تضحيات كبيرة من أجل حمايتها، لمصلحة أعداء الأكراد وكردستان”.

ويشير طالباني بذلك إلى العلاقة الكبيرة التي باتت تجمع بين حزب بارزاني وتركيا والذي تطور إلى تنسيق مع أنقرة في الحرب ضدّ مسلحي حزب العمال الكردستاني والتي تدور رحاها الآن بشكل أساسي في محافظة دهوك المصنفة ضمن مناطق نفوذ الحزب الديمقراطي. وتعبّر إثارة هذا الموضوع من قبل بافل طالباني عن مدى دخول العامل الخارجي على خط الخلافات بين الحزبين، حيث يُتهم الحزب الديمقراطي بالولاء لتركيا بينما يتهم حزب الاتّحاد بالولاء لإيران وأيضا بالتعاون مع حزب العمال وإيواء مقاتليه في مناطق نفوذه وتحديدا في محافظة السليمانية.

واعتبر طالباني أنّه يتعين على مواطني الإقليم ألاّ يشعروا بالأمان، قائلا “الطائرات المسيرة التابعة للعديد من الدول تحلّق فوق رؤوسنا، وكل هؤلاء المواطنين والشباب يقتلون في هذا البلد ولا أحد ينطق بحرف، والحزب الحاكم في كردستان كل تركيزه ينصب على مصالحه الخاصة وجيوبه”.

وتعمّد رئيس حزب الاتّحاد اللعب على وتر الرواتب الحساس لمواطني الإقليم الذين يعانون باستمرار اضطرابا في تسلم رواتبهم وتأخيرا يصل أحيانا إلى عدة أشهر متتالية، متهما حزب بارزاني بالمسؤولية عن ذلك، إذ أنّ بغداد تريد، حسب تعبيره، “إرسال الرواتب لكنهم (قيادات الديمقراطي) يمنعون ذلك لأنهم يريدون أن تدخل الأموال إلى مصارفهم وهم الذين يوزعونها”.

وتساءل طالباني “هل تعلمون كيف كانت كردستان عزيزة لدى المجتمع الدولي، كانت محاكمنا مختلفة، وحكومتنا مختلفة، والمواطن كان يعبّر عن رأيه بكل حرية. فمن الذي يستطيع الآن أن يكون له رأي مختلف. الكتّاب والمدونون يعتقلون بسبب مقالة أو تعليق صغير في مواقع التواصل الاجتماعي ويتحولون إلى إرهابيين ويحاكمون”.

◙ تزايد المخاوف أن يفضي توتّر الحلمة الانتخابية إلى تهديد الاستحقاق الانتخابي بحدّ ذاته وإرجائه مجدّدا بعد أن كان أرجئ لعدّة مرات منذ سنة 2022

ودعا طالباني مواطني كردستان العراق إلى إجراء التغيير بالتصويت “للحزب الذي يستطيع تصحيح المسار وتحسين مستوى معيشة السكان”، وخاطب الناخبين بالقول “صوّتوا لمن ينفذ ما يقول وأعطوا المجال لي وللاتحاد الوطني الكردستاني فمنذ سنوات فعلنا كل ما قلناه؛ قلنا إننا سنغير قانون الانتخابات وفعلنا ذلك، وقلنا إننا سنجعل من كركوك خضراء وفعلنا ذلك وأعدنا منصب المحافظ إلى الاتحاد الوطني والأكراد”.

ووصف حزبه بأنّه “قوي موحد يقف أمام أعداء كردستان لوحده، وصوته مسموع في بغداد وعلاقاته مع المجتمع الدولي عادت إلى سالف عهدها كما كانت في زمن الرئيس مام جلال”. وأثارت تصريحات طالباني حفيظة الحزب الديمقراطي الذي ردّ عليها بالقول على لسان القيادي صبحي المندلاوي إنها تفتقر إلى المسؤولية.

ونقلت وكالة بغداد اليوم عن المندلاوي قوله “إذا قارنا بين تصريحات قادة الديمقراطي الكردستاني وكلماتهم وخطاباتهم مثل كلمة نيجيرفان بارزاني ومسرور بارزاني، وبين خطاب بافل طالباني فإننا نجد فرقا كبيرا”. وأضاف “تصريحات طالباني تفتقر للمسؤولية واللباقة في الكثير من الأحيان، بينما تصريحات قادة الديمقراطي هي كلمات رجالات دولة تحث على حفظ الأمن والاستقرار وتؤكد على نزاهة الانتخابات”.

وأشار إلى أن “الجميع يعلم كيف تصدى الحزب الديمقراطي رغم كم المشاكل التي تعرض لها الإقليم للأزمات واستطاع أن يستحصل الحقوق مثل الرواتب وغيرها بعد دفاع مستميت في بغداد”. وتستشعر العديد من الجهات المهتمة بالشأن العراقي حالة الاحتقان الحافّة بانتخابات إقليم كردستان وتدعو للتهدئة تجنبا للمخاطر والمنزلقات.

وأكدت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق “يونامي”، الأربعاء، على أهمية ضمان بيئة انتخابية خالية من العنف والترهيب مع انطلاق الحملة الدعائية للمرشحين للانتخابات. وحثّ بيان للبعثة المشاركين في الاستحقاق “على التنافس السلمي بين الرؤى والبرامج لتمكين الناخبين من اتخاذ قرارات مستنيرة في صناديق الاقتراع”.

وطلب "من جميع المرشحين والجهات السياسية الفاعلة الأخرى ووسائل الإعلام لتعزيز مناخ الاحترام والشمول والحوار المفتوح طوال الحملة الانتخابية”، مشدّدا على وجوب “معالجة أيّ نزاعات تتعلق بالانتخابات من خلال الآليات المتاحة بما في ذلك تلك التي أنشأتها المفوضية العليا للانتخابات".

3