بداية متعثرة لتحالف "تماسك" بددت أجواء إيجابية رافقت إعلان تشكيله على الساحة السورية

توجس من تحول التحالف إلى منصة لترويج رؤى سياسية فئوية.
الاثنين 2025/04/14
هل يبقى تحالف "تماسك" متماسكا

بددت الخلافات التي طفت على السطح بين القوى المشاركة في تحالف "تماسك" الأجواء الإيجابية التي رافقت إعلان تشكيله، وسط اعتقاد بأن هذا التحالف قد لا يستطيع الصمود كثيرا على ساحة متحرك.

دمشق - يواجه تحالف “المواطنة السورية المتساوية” المعروف اختصارا بـ”تماسك” في بداية مشواره على الساحة السياسية في سوريا تحديات كبيرة، لعل في مقدمها التباينات الكثيرة بين أعضائه الذين ينتمون إلى مشارب سياسية وفكرية مختلفة، والتي دفعت بعضهم إلى إعلان الانسحاب منه.

وتأسس تحالف “تماسك” في الثاني والعشرين من مارس الماضي بالعاصمة السورية دمشق، وهو أول كيان سياسي يتشكل منذ الإطاحة بنظام الرئيس السابق بشار الأسد.

ويضم التحالف نحو 35 حزبا وتيارا سياسيا بينها مجلس سوريا الديمقراطية الذراع السياسية لقوات سوريا الديمقراطية، ويقول البيان التأسيسي للتحالف إن الهدف منه هو “ترسيخ دور القوى الوطنية في بناء المجتمع، وتقديم مبادرة واضحة نحو سوريا مدنية ديمقراطية”.

وخلف الإعلان عن تحالف “تماسك” أصداء إيجابية على الساحة السياسية في سوريا بعد عقود طويلة من الانغلاق، لكن سرعان ما طفت على السطح خلافات بين مكوناته حول جملة من المبادئ والرؤى بينها الخلاف حول القرار رقم 2254، ورفض البعض الاعتراف بالسلطة القائمة.

وأفضت هذه التباينات إلى إعلان عدد من القوى عن انسحابها منه، على غرار الحزب الشيوعي السوري والحزب السوري القومي الاجتماعي، وسط ترجيحات بانضمام آخرين إليه.

يضم تلوينات سياسية وفكرية متنوعة، هي نقطة ضعف قد تؤدي إلى انهياره سريعا
يضم تلوينات سياسية وفكرية متنوعة، هي نقطة ضعف قد تؤدي إلى انهياره سريعا

وبرر الحزب الشيوعي قرار الانسحاب بأنه “لا يرى في السلطة الحاكمة طرفا يمكن أن يعمل من أجل السيادة الوطنية وإنهاء الاحتلال الأجنبي لأراضي وطننا”، كما أن “الحزب كان ولا يزال يرفض القرار رقم 2254، لأنه ناتج عن صفقة بين دول استعمارية دون الالتفات إلى إرادة الشعب السوري”.

وينص القرار 2254 الذي اتخذه مجلس الأمن الدولي في الثامن عشر من ديسمبر 2015، على أن الشعب السوري هو المخول الوحيد لتقرير مصيره، ويقول المعترضون على القرار إنه جاء في ظرفية مختلفة على تلك التي تعيشها سوريا اليوم، وأن هناك مخاوف من أن يكون القرار مدخلا لشرعنة “تقسيم” سوريا.

ويلتقي المتحفظون مع رؤية السلطة السياسية القائمة، حيث سبق وأن طالب الرئيس أحمد الشرع خلال لقاء له مع المبعوث الأممي غير بيدرسون بضرورة إعادة النظر في القرار.

ويرى محللون أن ضم تحالف “تماسك” لتلوينات سياسية وفكرية متنوعة، هو نقطة ضعف قد تؤدي إلى انهياره سريعا، حيث من الصعب حصول توافق فيما بينها، فضلا عن وجود هواجس لدى البعض الآخر من أن يكون التحالف منصة لتحقيق أغراض سياسية لبعض القوى ومنها مجلس سوريا الديمقراطية، الذي يدفع باتجاه إقرار وضع خاص للأكراد في شمال شرق البلاد.

وقال الباحث حازم نهار إن تحالف “تماسك” بُني على عجالة، ولم يكن هناك تعب حقيقي في إنجازه، بل لم يغادر الطريقة القديمة المعتادة في بناء التحالفات، فقد جمع أحزابا سياسية عريقة في معارضتها لنظام الأسد، مثل حزب “العمل الشيوعي” وحزب “البعث الديمقراطي”، إلى جانب أحزاب أخرى كانت حليفة للنظام السابق في “الجبهة الوطنية التقدمية”، مثل الحزب “الشيوعي السوري” والحزب “السوري القومي الاجتماعي”.

ومضى نهار قائلا في تصريحات لموقع “عنب بلدي” القريب من السلطة السورية “كما جمع التحالف تشكيلات سياسية إلى جانب تشكيلات مدنية، وهيئات إعلامية، ما يعني أننا أمام خليط من القوى والهيئات، وهذا في حدِّ ذاته مشكلة تمنع بلورة خطاب سياسي ناضج لاختلاف أولويات القوى المشكِّلة للتحالف ومعاييرها السياسية والوطنية.”

وبحسب الباحث السوري، فإن “التسرع يظهر أيضا في أن التحالف استند إلى بيان تأسيسي فقط، حيث لا توجد أوراق تفصيلية تتناول الرؤية السياسية والبرنامج السياسي وآليات العمل وغيرها، ومعروف أن البيانات تتناول القضايا بعموميتها، ولا يمكن الركون إلى الاتفاق على العموميات في بناء تحالفات جدية، حيث تبدأ الخلافات بين القوى المكونة لأي تحالف عندما تذهب باتجاه التفاصيل والمفاهيم وآليات العمل، وقد علمت بمغادرة الحزب ‘الشيوعي السوري والحزب السوري القومي الاجتماعي’ للتحالف، لأسباب توحي بأنه لم يكن هناك نقاش جدي حول القضايا.”

تحالف "تماسك" بُني على عجالة، ولم يكن هناك تعب حقيقي في إنجازه، بل لم يغادر الطريقة القديمة المعتادة في بناء التحالفات

ويرى نهار أن القوى السياسية الموجودة في التحالف بحاجة إلى أن تعيد النظر في برامجها السياسية وآليات عملها وخطابها السياسي أولا قبل الذهاب باتجاه بناء التحالفات، قائلا إن الأرض السورية ما زالت ذات طبيعة رملية غير مستقرة، وتستطيع أن تبتلع هذا التحالف وغيره.

في المقابل قللت عضو رئاسة حزب “الإرادة الشعبية” عروب المصري من شأن الانسحابات التي عرفها التحالف، وقالت إنها لا تتجاوز 4 أو 5 جهات من أصل حوالي 30 جهة، وجزء منها انسحب قبل إعلان التحالف، بسبب عدم الوصول إلى توافق كامل حول هذه القضية أو تلك.

ورأت المصري أن هذا أمر طبيعي ولا يؤثر على استمرار تواصل التحالف مع هذه القوى نفسها ومع قوى أخرى عديدة على الساحة السورية، والأكيد أيضا هو أن عمليات التفكيك والتركيب والبحث عن تحالفات ستستمر وستشمل الجميع، حيث إن سوريا في مرحلة سمتها هي التغير السريع.

وشددت المصري على أن المطلوب اليوم هو توحيد السوريين على أساس مصالحهم الوطنية المشتركة، وفي مقدمتها وحدة بلادهم، وسلمها الأهلي، وحصر السلاح وإعادة إقلاع الاقتصاد، ويتطلب إنجاز هذه المهام ترك الخلافات الأيديولوجية جانبا، على الأقل إلى حين العبور بالبلاد إلى بر الأمان.

2