بداية جديدة لأردوغان أم إعادة تغليف لسياسات قديمة

أنقرة- كشف خطاب النصر الذي ألقاه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد إعادة انتخابه عن رغبة في طي صفحة أخطاء الماضي بالحديث عن الوحدة والتفكير في مستقبل تركيا ومصالحها والخروج من الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعيشها البلاد.
يأتي هذا في الوقت الذي يتساءل فيه المراقبون عما إذا كان خطاب التهدئة مؤشرا على بداية جديدة لأردوغان أم إعادة تغليف لسياسات قديمة قامت على معاداة الداخل والخارج والبحث عن صناعة صورة الزعيم دون اهتمام بتداعياتها على تركيا.
وعقب الفوز احتفل مئات الآلاف من أنصار أردوغان وهم يلوحون بالأعلام حتى وقت متأخر من الليل مما يعكس الحماس الذي يستطيع أن يولده أردوغان وسياساته ذات المرجعية الإسلامية بين مؤيديه، وذلك على الرغم من الصعوبات الاقتصادية التي اعتقد الكثيرون أنها قد تتسبب في هزْمه من قبل منافسه كمال قليجدار أوغلو.
◙ اختبار قدرة أردوغان على إحداث تغيير حقيقي لا يقف عند قضايا الداخل، فلديه أزمات خارجية يحتاج إلى تبريدها
ويرى مراقبون أنه ليس مهما إطلاق الشعارات بشأن الوحدة بعد الفوز والإيحاء بأن أردوغان سيكون رئيسا للجميع، وإنما المهم هو إظهار ذلك على أرض الواقع من خلال طمأنة المعارضة والكف عن إثارة قضايا خلافية واستثمارها في المعارك السياسية، والاستماع إلى المجتمع التركي واحترام تنوعه الفكري والثقافي وعدم شيطنة العلمانيين والأكراد، والكف عن فرض مجتمع محافظ وتوظيف الدين في معاركه السياسية.
وانتصر أردوغان بعدما اعتمد على خطاب يمزج بين الاتجاهين المحافظ والقومي لمهاجمة خصمه قليجدار أوغلو.
وحين كان يتودد لمؤيديه من المحافظين، وصف أردوغان المعارضة مرارا في تجمعاته الانتخابية بأنها مؤيدة لمجتمع الميم. كما زعم أن قليجدار أوغلو له صلات بحزب العمال الكردستاني الذي يعتبره العديد من الأتراك عدوا لهم بسبب التمرد الدامي الذي يشنه على السلطات منذ عام 1984.
وحذر المراقبون من أن الاعتماد على شيطنة الجميع والدفع نحو تقسيم المجتمع إلى محافظين وعلمانيين، وإلى قوميين أتراك وأكراد، سيقود أردوغان إلى تكرار أخطائه السابقة وعدم التخلي عن الشعبوية التي أرهقت تركيا بالصراعات.
وأكد إمره بركر من مجموعة أوراسيا الاستشارية أنه بعدما حشد ائتلافا ضم ناخبين قوميين ومحافظين ومتديّنين، “سيؤكد (أردوغان) على سياساته الشعبوية؛ فالاستقطاب السياسي موجود وسيبقى”.
ويعد تخفيف حدة أسوأ أزمة اقتصادية تعصف بتركيا منذ تسعينات القرن الماضي من أبرز أولويات أردوغان.
ولا يُعرف ما إذا كان الرئيس التركي سيتخلى عن أفكاره الاقتصادية التي تتناقض مع منطق السوق وكانت السبب الرئيسي في ارتفاع التضخم، وهل لديه القدرة على ترك الملف الاقتصادي للخبراء والمختصين لإدارته أم أنه سيتدخل فيه شخصيا بالرغم من الفشل الذي طبع تجربة السنوات الخمس الماضية.
وتجاوزت نسبة التضخم 40 في المئة، وهو أمر أسهمت فيه جزئيا سياسة أردوغان غير التقليدية القائمة على خفض معدلات الفائدة في محاولة للتخفيف من حدة زيادة الأسعار.
ويشير محللون إلى أن تعهّدات أردوغان خلال حملته الانتخابية بزيادة الإنفاق وتمسكه بمعدلات الفائدة المنخفضة ستفاقم الضغط على احتياطات البنوك من العملات والليرة التي تراجعت مقابل الدولار الاثنين.
وأفاد محلل الأسواق لدى شركة “كونوتوكسيا” بارتوش ساويكي بأن آمال “التخلي عن نموذج اقتصادي مجنون وغير تقليدي والعودة إلى ما يصب في مصلحة المستثمرين الدوليين تعرّضت إلى خيبة”.
ورأى تيموثي آش من “بلو باي لإدارة الأصول” أن “النموذج الحالي غير قابل للاستدامة”، مشيرا إلى عشرات المليارات من الدولارات التي ضخها المصرف المركزي لدعم الليرة.
وحذر من أنه في حال رفض أردوغان التراجع عن موقفه حيال معدلات الفائدة والتخلي عن الليرة “قد يصبح الوضع سيئا”.
ولا يقف اختبار مدى قدرة الرئيس التركي على إحداث تغيير حقيقي عند قضايا الداخل، فلديه أزمات مفتوحة خارجية يحتاج إلى حسمها والسير عمليا في مسار تصفير المشاكل والانسحاب من القضايا الخلافية التي كان لها تأثير مباشر على الوضع الداخلي، من ذلك التدخل في سوريا والسعي للسيطرة على مناطق حدودية.
اقرأ أيضا:
ولا تزال العلاقات مع دمشق فاترة بعدما دعمت تركيا فصائل مسلحة مناهضة للرئيس بشار الأسد خلال الحرب. وفشلت محادثات جرت مؤخرا برعاية روسيا في تحقيق اختراق باتّجاه تطبيع العلاقات. والأمر متروك لخطوات جدية من الرئيس التركي باتجاه حل مخلفات التدخل في سوريا، من بينها التأكيد على الانسحاب من الأراضي السورية والتوقف عن تمويل وتسليح المجاميع المعارضة، والتوصل إلى توافق بشأن إعادة الملايين من اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
وسيكون الاختبار الثاني الأهم، بعد تفكيك مخلفات التدخل في سوريا، هو مدى استعداد أردوغان للقطع مع أخطاء الماضي في العلاقة بتوظيف ملف الإخوان الإسلاميين في توتير العلاقات مع دول خليجية وعربية أخرى، وهل توجد ضمانات تمنع العودة إلى توظيف هذا الملف في المستقبل، خاصة أن ذلك يتزامن مع بروز شكوك جدّية في أن التهدئة الحالية مع دول الخليج ومصر ليست وليدة خيار إستراتيجي تركي، وإنما هي نتيجة خيار الضرورة في ظل حاجة تركيا إلى الأموال والاستثمارات الخليجية.
يضاف إلى هذا التوتر بين تركيا والغرب بسبب تصريحات وسياسات عدائية من أردوغان تجاه محيطه الأطلسي، واقترابه من روسيا بشكل بات يهدد دور تركيا في حلف الناتو.
وقال غالب دالاي من معهد تشاتام هاوس “خمس سنوات جديدة في ظل حكم أردوغان تعني المزيد من الموازنات السياسية بين روسيا والغرب”.
وأضاف “ستنخرط تركيا والغرب في تعاون براغماتي كلّما أملت المصالح ذلك” ولن تنضم إلى العقوبات الغربية المفروضة على موسكو ردا على الحرب التي شنتها على أوكرانيا، وستسعى إلى إقامة علاقات مربحة اقتصاديا.