بحث حذر في الكويت عن مداخل لتخفيف الفاتورة الاجتماعية عن كاهل الدولة

تسريبات بشأن إصلاح منظومة التقاعد وتحرير أسعار البنزين.
السبت 2024/08/24
النفط وفير ولا خوف من الفقر

فكرة الدفع بإصلاحات في الكويت تطال الحدّ من سخاء الدولة في تقديماتها الاجتماعية والتراجع خطوة عن نموذج دولة الرفاه المطبّق في البلد، والتي ظلّت لسنوات حبيسة الخطاب السياسي والإعلامي للمسؤولين وقادة الرأي، دخلت طور البحث عن مداخل مناسبة لتجسيدها على أرض الواقع بعد أن أصبحت تحظى بفرصة غير مسبوقة لذلك في ظل وجود سلطة تنفيذية مطلقة اليد من قيود البرلمان الذي تم حلّه من قبل الأمير.

الكويت - أوحت التسريبات الرائجة حاليا في الكويت بشأن إمكانية إدخال تعديلات على منظومة التقاعد والقيام بتحرير أسعار البنزين، بدخول الإصلاحات التي تواتر ذكرها خلال السنوات الأخيرة على ألسنة صنّاع القرار وقادة الرأي في البلد مرحلة البحث عن مداخل مناسبة لها.

كما أوحت مراوحة تلك التسريبات بين النفي والتأكيد بما يميّز عملية البحث تلك من حذر وتريّث كون بعض الإصلاحات المطلوبة تمس درجة الرفاه العالية التي اعتاد عليها المواطنون على مدى سنوات طويلة وتشمل تقليص التقديمات بالغة السخاء التي ظلوا يتلقونها من الدولة ورتّبت أعباء كبيرة على ماليتها العامّة وأرست سلوكات اتكالية أثّرت سلبا على نوعية العمل ومستوى الإنتاجية، بينما أحدثت المرتّبات المجزية في القطاع العام والرعاية الاجتماعية الشاملة للمواطنين اختلالا في سوق الشغل تجلى في بطء نمو القطاع الخاص في مقابل تضخّم القطاع العمومي غير المنتج.

ولم تسلم الكويت، خلال السنوات الأخيرة، وعلى الرغم من غناها بموارد النفط في مقابل محدودية عدد سكّانها، من أزمات مالية بلغت حدّ طرح إمكانية العجز عن دفع رواتب الموظفين، الأمر الذي أبرز ضرورة الإصلاح لمواءمة أوضاع البلد مع أوضاع باقي بلدان مجلس التعاون الخليجي التي قطعت أشواطا في مجال الإصلاح الاقتصادي وبدأت تجني ثماره بالفعل.

وبينما وقف البرلمان ذو التركيبة المعارضة في الأغلب الأعّم والذي تحكمه التوجهات الشعبوية لنوابه، في فترات سابقة، في طريق الإصلاح الذي “يمس بجيوب المواطنين” بحسب التعبير الشائع بين هؤلاء النواب، أصبح اليوم طريق الإصلاح مفتوحا أمام السلطات بعد أنّ حرّرتها قرارات أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح بحل مجلس الأمّة وتعليق العمل بمواد في الدستور لفترة لا تتجاوز الأربع سنوات من سطوة النواب واعتراضاتهم الشديدة على أيّ إصلاحات لا تحظى بشعبية من قبيل إقرار ضرائب جديدة وتقليص حجم الدعم الحكومي.

وقالت وسائل محلية إنّ مجلس الوزراء أحال إلى إدارة الفتوى والتشريع (حكومية) “تعديلات جوهرية على التأمينات الاجتماعية والمعاشات التقاعدية” تتضمّن رفع سن تقاعد الرجال إلى ستّين عاما بدلا من خمسة وخمسين حاليا وأن تكون الخدمة الفعلية خمسا وثلاثين سنة على الأقل، ورفع سن تقاعد النساء إلى خمسة وخمسين عاما وأن لا تقل الخدمة الفعلية عن ثلاثين سنة مع إمكانية التقاعد بشكل أبكر بمعاش تقاعدي منخفض لكلا الجنسين”.

وأوضحت صحيفة “السياسة” التي نقلت الخبر عن مصادر وصفتها بالمطلعة أنّ الخطوة الحكومية تأتي ضمن “المسار الرامي إلى ضمان استدامة المالية العامة وفي خط الإصلاحات الاقتصادية منذ تعليق مجلس الأمّة”.

وأشارت إلى وجود “عدة مقترحات لدى الحكومة تسعى من خلالها إلى ضبط الخلل في قانون التأمينات جراء المقترحات التي أقرت بضغط نيابي في مجالس أمّة سابقة تجاوزت فيها التحذيرات الحكومية حينها، في ما اضطرت حكومات سابقة إلى كسب الولاء السياسي في مساعيها للحد من التأزيم بين السلطتين” التشريعية والتنفيذية.

كما أوردت نقلا عن ذات المصادر أنّ “الحكومة تتجه نحو إعادة النظر في مكافأة نهاية الخدمة للعسكريين والقطاعات النفطية بما يحقق العدالة ويضمن الاستقرار الوظيفي”. ويضاف هذا التسريب المتعلّق بإصلاح منظومة التقاعد إلى تسريب سبقه بفترة وجيزة ويتعلّق بدراسة الحكومة الكويتية لخيار الرفع الجزئي أو الكلّي للدعم عن مادّة البنزين.

جنان بوشهري: مقترح زيادة سن التقاعد أرسل فعلا إلى الفتوى والتشريع
جنان بوشهري: مقترح زيادة سن التقاعد أرسل فعلا إلى الفتوى والتشريع

وقالت صحيفة “الرأي” المحلية التي نقلت بدورها الخبر عن مصادر لم تحدّدها إنّ وزارة المالية تدرس حاليا تحرير أسعار البنزين جزئيا أو كليا “وذلك ضمن تحرك مجلس الوزراء نحو ترشيد الدعم وتوجيهه للمستحقين وإعداد التصورات النهائية بشأن إستراتيجية الدعم المستهدفة”.

وتتوقّع دوائر اقتصادية ومالية أن تتمكّن الكويت في حال طبقت خيار رفع الدعم عن البنزين من توفير ما يصل إلى ملياري دولار سنويا، ذلك أنّ أسعار الوقود في البلد هي الأرخص بين دول مجلس التعاون، كما تأتي الكويت في الترتيب الخامس عالميا في هذا المجال بفعل دعمها لجميع مستهلكي الوقود على أرضها مواطنين ووافدين.

وتتراوح التصورات المطروحة للدرس في مجال ترشيد دعم البنزين بين التحرير الجزئي لأسعاره وبين تحريرها بشكل كامل وبيعه بالسعر العالمي لجميع فئات المستهلكين من مواطنين ومقيمين وشركات، على أن تقدم الدولة للمواطنين، في مقابل ذلك، الدعم بطريقة أخرى وبما يعوّض الجزء الأكبر من الزيادة التي قد تطرأ نتيجة الفارق بين السعر الحالي والسعر المحرر.

وترى دوائر مطّلعة على الشأن الكويتي أن رواج مثل تلك التسريبات يأتي انعكاسا لما يعتمل داخل مراكز صنع القرار في البلاد من نقاشات بشأن سيناريوهات التخلّص التدريجي من نموذج دولة الرعاية الشاملة الذي سبق أن أكّد رئيس الحكومة السابق الشيخ محمد صباح السالم الصباح استحالة التمادي فيه بالاعتماد على ثروة النفط الآيلة للنضوب.

لكنّ ذات الدوائر تنبّه إلى حالة الحذر الشديد الذي ما تزال السلطات الكويتية تَلْزَمُه في مقاربتها لسيناريوهات رفع الدعم أو تقليصه أو تغيير طرق تقديمه وتوجيهه نحو مستحقّيه الفعليين. كم تستبعد تلك الدوائر أن تكون التسريبات  المذكورة صادرة عن فراغ مرجّحة أنّها تأتي بمثابة بالونات اختبار يتمّ إطلاقها لتهيئة الرأي العام للتغيرات القادمة في مجال تقديم الدعوم والتي سيكون لها أثر مباشر على حياة المواطنين ودرجة رفاههم.

وقال مصدر سياسي كويتي إنّ السلطات التي باتت تتعامل مع التغييرات في موضوع الدعم كأمر واقع ومسألة وقت تسلك طريق الحذر والتدرّج حتى لا يبدو أن رفع الدعم أو تقليصه بمثابة استفراد بهم في غياب البرلمان، وحتى لا يذهب في رَوْعِهم أنّ الحكومة تعمل ضد مصلحتهم وأنّ نواب المجلس كانوا يشكّلون مظلة لهم وحماة لتلك المصالح.

ويبدو أنّ المبالغة في الحذر من مقاربة موضوع الدعم وتقليص الامتيازات الاجتماعية قاد الحكومة الكويتية إلى نوع من الارتباك وعدم التجانس بين مختلف الجهات التابعة لها. وانتقدت جنان بوشهري العضو السابق في مجلس الأمّة الكويتي افتقاد الوزراء لجرأة الدفاع عن مشاريع قوانينهم وتعديلاتهم التشريعية التي يقترحونها.

وقالت في منشور لها على منصّة إكس “للمرة الثانية خلال أربع وعشرين ساعة تتبرأ جهة حكومية من مشروع قانون وزيرها لإجراء تعديلات تشريعية على قانونها”، مضيفة “اليوم تنفي التأمينات الاجتماعية وجود تعديلات على قانون المؤسسة لزيادة سن التقاعد، والحقيقة أن وزير المالية أنور المضف أرسل مشروع القانون لإدارة الفتوى والتشريع لزيادة سن التقاعد ونسبة الاستقطاع، وبالأمس هيئة الرياضة تنفي تعديلات قانون الرياضة بالرغم أن مشروع القانون قد أرسل من قبل الوزيرة أمثال الحويلة للفتوى".

وخلصت إلى القول “نحن هنا أمام احتمالين أحلاهما مر، فإما أنّ الوزراء يشرّعون بمعزل عن جهاتهم الحكومية المعنية وهذه كارثة، أو أنّ الجهات الحكومية تريد إحراج الوزراء، وهذه مصيبة”، معتبرة أنّه “في كل الأحوال كان من الواجب على الوزراء الظهور إعلاميا للدفاع عن مشاريع قوانينهم وتعديلاتهم التشريعية وعدم القبول ببيانات النفي التي تضرب مصداقيتهم في مقتل”.

3