بحثا عن كازنوفا

البندقية هي المدينة المائية التي تحمل اسم "فينيسيا" عالميا وربما يختزلها البعض برحلات ابنها ماركو بولو التي رواها في سجنه.
السبت 2024/04/27
هناك مَن يلذ له تتبع خطى "كازنوفا"

في القطار الذاهب إلى محطة "سانتا لوسيا" سرني أن أتوهم أنني بطل رواية توماس مان "موت في البندقية". حين وقفت على شاطئ تلك المدينة تذكرت تلك المفارقة التي صنعها التجار العرب حين اختصروا عبارة بون دوقية ومعناها بالغة الفينيشية التي لا يزال يتكلمها حوالي أربعة مليون إيطالي الدولة الفاضلة بـ"بندقية".

البندقية هي المدينة المائية التي تحمل اسم "فينيسيا" عالميا. ربما يختزلها البعض برحلات ابنها ماركو بولو التي رواها في سجنه بعد أن كان قد وصل إلى الصين ويُقال إنه تخيل ذلك. وفي المقابل فإن هناك مَن يلذ له تتبع خطى ابنها "كازنوفا" الكاتب والشاعر والمحامي والشخصية المرموقة التي عاشت فيها قبل قرنين ونصف القرن.

وأنا أفكر في "كازنوفا" صرت أردد مع نفسي "بين شطين والمية/ عشقتكم عينيه/ يا غالين عليه/ يا أهل إسكندرية” هل كانت إسكندرية قريبة في ذلك الزمان؟ لم يوقظني من حلمي سوى الصراخ "تاكسي" والمقصود به القارب المائي أو ما يُسمى بـ"الجندول" وكان المصري علي محمود طه قد بدأ رحلته في المدينة قبلي بمئة سنة وكتب واحدة من أجمل القصائد التي غناها محمد عبدالوهاب “آه لو كنت معي نختال عبره/ في شراع تسبح الأنجم إثره/ حيث يروي الموج في أرخم نظره/ حلم ليل من ليالي كليوبترا” وكان كما لو أنه يفكر في الإسكندرية التي أقامت فيها كليوبترا.

وعلى سطح الجندول لا يملك المرء وهو يتمتع برشقات الهواء الناعم سوى أن يردد مع ليلى مراد "بحب اثنين سوا يا هناي بحبهم/ المية والهوا طول عمري جمبهم/ حكايتي في الهوا مكتوبة ف قلبهم”، وكم يود المرء لو أنه كتب “رسالة من تحت الماء” ليلتقطها كازنوفا وهو يغادر فجرا بيت إحدى عشيقاته اللواتي يُقال إن عددهن بلغ 565 امرأة.

ألم يشعر ذات مرة بالندم فيقول ما قاله نزار قباني على لسان عبدالحليم حافظ "لو أني أعرف أن البحر عميق جدا ما أبحرت" ولكنني على يقين من أنه لن يقول "الموج الأزرق في عينيك يناديني نحو الأعمق/ وأنا ما عندي تجربة في الحب ولا عندي زورق / إني أتنفس تحت الماء إني أغرق"، فللرجل تجاربه ومغامراته في العشق التي لا يجاريه فيها أحد. ولن يكون شمس الدين بن العفيف التلمساني إلا واحدا من أصغر تلاميذه وهو القائل "ثلاثة يذهبن عن المرء الحَزن/ الماء والخضرة والوجه الحسن"، بعيني كازنوفا نظرت إلى بيوت البندقية وعبرت على جسورها ومشيت في أزقتها القصيرة وأنا أنعم بصوت فائزة أحمد “عدينا بحورهم عدينا/ وحدفنا الموج ولا حسينا/ ولا رحنا معاهم ولا جينا/ وسيرتهم مش عايزة تسيبنا”.

18