"ببليوجرافية الجوف".. كتاب فهرسي للباحثين في التراث السعودي

تمتاز منطقة الجوف بموقعها الجغرافي المتميز في شمال غربي المملكة العربية السعوية. وتربط بين المملكة وبلاد الشام، وبلاد الشام بدول الخليج العربي عبر منفذ مركز الحديثة، التابع لمحافظة القريات؛ ما أكسب المنطقة أهمية تاريخية وإستراتيجية جعلتها تتبوأ مكانة مهمة؛ ولكنها تحتاج إلى تثمين تاريخها والحفاظ عليه.
الرياض- تزخر منطقة الجوف السعودية إضافة إلى عراقتها التاريخية والأثرية الضاربة في جذور الزمن بأهمية ثقافية بالغة، إذ تحفل بالروايات والأشعار الشفوية، والفنون التراثية، وغيرها من العناصر التي تستدعي البحث فيها والحفاظ عليها.
وكان “وادي السرحان” في غربي منطقة الجوف من أهم الطرق للتجارة النبطية، حيث استطاع الأنباط من خلاله إيصال تجارتهم القادمة من شرق الجزيرة العربية وجنوبها إلى بصرى الشام، وهذا له دور في لفت نظر الرحالة الذين مروا بالمنطقة، وسجلوا عنها معلومات قيمة، مؤكدين فيها على غناها بالآثار المتمثلة في النقوش النبطية وما خلفته الأمم السابقة من القلاع والسدود والمدافن وغيرها.
بهذه المقدمة المختزلة، صدّر الباحث محمد بن حلوان الشراري كتابه الفهرسي “ببليوجرافية الجوف”، الصادر من مركز عبدالرحمن السديري الثقافي.
تيسير البحث
جاء الكتاب الواقع في 131 صفحة، لجمع المصادر والمراجع المتعلقة بمنطقة الجوف تحديدا؛ بهدف حصرها في كتاب واحد؛ لكي تعطي معلومات عن مختلف أوجه المنطقة وتاريخها مقننة وفق الضوابط المتعارف عليها في مجال التوثيق، لتيسير سبل الوصول إليها، وتوفير الوقت وحفظ النتاج الفكري؛ بتجميعه وتنظيمه وتوثيقه والتعريف به.
ويشمل التصنيف في هذه الببليوغرافيا الكتب والرسائل العلمية (الماجستير والدكتوراه) والبحوث التي نشرت في الدوريات العلمية المحكمة، والتي يتعلق مضمونها بمنطقة الجوف أو المحافظات والمراكز والقرى التابعة لها.
وتناول الباحث بالتدوين رؤوس عناوين الموضوعات المتعلقة بالآثار، العلوم الاجتماعية، الإدارة العامة، الأدب العربي، الاقتصاد، العلوم الأمنية، البيئة، التاريخ والجغرافيا، التراجم والسير، التعليم، تقنية المعلومات، الرياضة، الزراعة والثروة الحيوانية، الصحة العامة، العمارة، السياحة، الشباب، المهن، الموسوعات.
ويحتوي العمل على جدول للمختصرات المستخدمة في الكتاب، وكشافين أحدهما للأعلام، وآخر للأماكن، وفي هذا تيسير كبير على الباحثين من أجل وصولهم إلى المعلومة بأسرع طريقة وأيسر سبيل، علما أن هذا العمل لا يكاد يخرج عن النمط السائد في الأعمال التكشيفية، المتمثلة في سرد بيانات المؤلف، والعنوان الكامل، واسم الناشر، وتاريخ النشر، ورقم الطبعة، ونوع الوعاء.
يذكر أن “مركز عبدالرحمن السديري الثقافي” الناشر لهذا الكتاب يتبنى برنامجا لنشر الأبحاث والدراسات التي تخدم المجتمع في شتى المجالات ودعمها.
ووفق الباحث محمد بن حلوان الشراري فإن كتابه يحتوي على 374 عنوانا، من كتب وبحوث أخرى، مشددا على تعدد البحوث التي تناولت المنطقة التاريخية المهمة.
ويضيف “الكتاب استند على المجلات المحكمة والبحوث المحكمة لا الكتب فحسب، مثل دراسات خليل المعيقل وسليمان الذيب”.
ويرى الكثير من الباحثين أن سكان منطقة الجوف لهم فضل في نقل الخط العربي الكوفي، ولكن الباحث يؤكد أنه لم يمرّ عليه بحث دقيق في هذا الشأن، لكنه يرى أن هذا البحث مفيد لأهل المنطقة، خاصة وأن الموروث الشعبي عريق في الجوف خاصة الأدب الشعبي الذي يعتبر من أبرز الروافد الثقافية.
توثيق التراث
يقول الشراري “بداية فكرة الكتاب انطلقت عندما كنت أرصد الكتب التي صدرت عن منطقة الجوف، فكلّما وجدت كتابا عن المنطقة أخزّنه حتى وجدت العديد من العناوين التي تتناولها من جوانب مختلفة، لذا ارتأيت تجميعها ونشرها للمختصين والباحثين. فالبحث الرصين يبدأ بالببليوغرافيا وينتهي بها، وأرجو أن يفيد الكثير من الباحثين للكتابة عن المنطقة”.
الشراري جمع ببليوغرافيا واسعة الاختصاصات، وكتابه كان كما يقول بجهود شخصية، مستدركا “استفدت من مكتبة الملك فهد الوطنية التي تعاونت معي في إنجاز الكتاب، علاوة على الدكتور عبدالواحد الحميد في مؤسسة السديري الثقافية” .
وحول دور جامعة الجوف والمؤسسات الأخرى وأدباء المنطقة في الحفاظ على تراث المنطقة، يبين الباحث أن الجامعة لها دور كبير في نشر تراث المنطقة وثقافتها وأعلامها، موضحا أن الكثير من الكتب صدرت عن المنطقة لكنها ما تزال تحتاج إلى التوسع أكثر بالدراسة والتنقيب ونشر المعطيات العملية والأدبية والثقافية.
ويضيف “أتمنى من المثقفين والأدباء في منطقة الجوف بذل الكثير من الجهد في النشر والتأليف حول المنطقة وتصدير المنطقة ثقافيا. الكثير من شعراء المنطقة مهملون لدور التوثيق، الكثير من الروايات الشفاهية والعادات والتقاليد ذهبت ولم تجد من يوثّقها، وأدعو إلى البحث أدبيا وثقافيا وعلميا في تراث المنطقة”.
وتعد منطقة الجوف واحدة من أقدم الأماكن المأهولة بالسكان في شبه الجزيرة العربية، وتوفر الكثير من تراث ثقافي وتاريخ عريق، إذ استفادت من موقعها الذي يمثل ممرا هاما إذ تحدها الأردن من جهة الشمال الغربي، ومن الجنوب منطقة حائل وتبوك، ومن الشمال والشرق منطقة الحدود الشمالية. وتعتبر أكبر منتج لزيت الزيتون في السعودية حيث يزرع شجر الزيتون فيها بكثرة ومقر إمارتها مدينة سكاكا.
ويمر بالمنطقة طريق قاري يربط المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي بالدول المجاورة، وتتفرع منه عدة طرق تربطها بدول الشام وتركيا والعراق مما يجعلها أقرب مناطق المملكة لعدد من الدول العربية والأجنبية، ويزدحم هذا الطريق بحركة المسافرين الذين يتوقفون بالجوف بغرض الراحة والاستجمام من عناء السفر مما يجعل منها “استراحة مسافر” وليس منطقة عبور، ولذا ازدهرت ثقافيا بشكل لافت وهو ما يدعو إلى البحث فيه لحفظ تراث المنطقة.