بايدن يشدّد لهجته تجاه إسرائيل على خلفية الحرب في غزة

واشنطن - باتت لهجة الرئيس الأميركي جو بايدن تجاه إسرائيل أكثر حدّة في الأيام الأخيرة، غير أنّها انتقلت إلى مستوى أكثر جدّية عندما وصف ردّ فعل إسرائيل في قطاع غزة بأنّه “مفرط” هذا الأسبوع. وتعدّ هذه التصريحات التي أدلى بها الخميس الأقوى للرئيس الأميركي منذ أن بدأت إسرائيل حربها على قطاع غزة في أعقاب هجوم حماس في السابع من أكتوبر على الأراضي الإسرائيلية.
ويعكس ذلك الانقسام المتزايد بين الرئيس الديمقراطي وحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التي تضمّ وزراء من اليمين المتطرّف. غير أنّ المراقبين يستبعدون أنّ يؤثّر هذا التحوّل في اللهجة على المساعدات العسكرية بالمليارات من الدولارات التي اعتادت الولايات المتحدة إرسالها إلى إسرائيل، بما في ذلك حزمة جديدة بقيمة 14 مليار دولار تنتظر موافقة الكونغرس.
لكن المسؤولين الأميركيين لا يخفون امتعاضهم من الطريقة التي تقود من خلالها إسرائيل الحرب التي دخلت شهرها الخامس. وقال بايدن مساء الخميس في مؤتمر صحافي بالبيت الأبيض "أنا أرى، كما تعلمون، أنّ طريقة الرد في قطاع غزة كان مبالغاً فيها". وأضاف “يعاني العديد من الأبرياء من المجاعة. العديد من الأبرياء الذين يواجهون مشاكل ويموتون. يجب أن يتوقف ذلك”، مذكّرا بجهود بذلها من أجل تخفيف وطأة الحرب على المدنيين.
◙ مراقبون يستبعدون أنّ يؤثر هذا التحول في اللهجة على المساعدات العسكرية التي اعتادت الولايات المتحدة إرسالها إلى إسرائيل
وأسفر الهجوم غير المسبوق الذي شنّته حركة حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر عن مقتل 1160 شخصاً، غالبيتهم من المدنيين، وفق حصيلة أعدّتها وكالة فرانس برس تستند إلى أرقام رسميّة إسرائيليّة. وتردّ إسرائيل منذ ذلك الحين بحملة قصف مركّز أتبعتها بهجوم برّي واسع في القطاع، ما أسفر عن مقتل 27940 شخصاً، غالبيّتهم نساء وأطفال، حسب أحدث حصيلة لوزارة الصحّة التابعة لحماس.
وسبق لبايدن أن استخدم عبارته نفسها (“مفرط”) لوصف ردّ حماس على مقترح يتمّ بحثه مع مصر وقطر لإرساء هدنة في غزة مقابل إطلاق سراح الرهائن. لكنّ تعليقاته جاءت هذا الأسبوع في مرحلة حرجة تتمثّل في تخطيط نتنياهو لشنّ هجوم على رفح في أقصى جنوب غزة، حيث لجأ ما يقدّر بحوالي 1.3 مليون مدني هم أكثر من نصف سكان القطاع.
مع ذلك، قال مسؤولون أميركيون إنّهم لم يروا أيّ استعدادات تشير إلى عمليات وشيكة أو “عمليات كبرى”، بينما حذروا من أنّ مثل هذا الهجوم يمكن أن يؤدي إلى سيناريو كارثي مماثل لما حدث في الشمال.
من جهتها، شدّدت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيار الجمعة على أنّ "موقف بايدن لم يتغيّر". غير أنّ ذلك لا ينفي أنّ واشنطن قد بدأت بالفعل في رفع صوتها في وجه إسرائيل. وفرضت الإدارة الأميركية هذا الشهر عقوبات على مستوطنين يهود بسبب العنف ضدّ المدنيين الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، في خطوة نادرة ضدّ الإسرائيليين.
ويبدو أن الموقف الأميركي يتأرجح على نحو متزايد، بين دعم “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها” وحماية المدنيين في غزة، رغم أنّ واشنطن لا تزال ترفض الدعوات إلى وقف إطلاق النار.
في هذه الأثناء، يبذل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن جهودا كبيرة، وهو الذي أنهى هذا الأسبوع جولة خامسة له في المنطقة منذ اندلاع الحرب، لوضع الأسس لمرحلة ما بعد انتهاء القتال، والتي يرى أنها يجب أن تتضمن سلطة فلسطينية بعد إصلاحها، وطريقاً نحو إقامة دولة فلسطينية وتطبيع محتمل بين إسرائيل والسعودية.
◙ الموقف الأميركي بدا أنه يتأرجح على نحو متزايد بين دعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وحماية المدنيين في قطاع غزة
غير أنّ جهوده قوبلت بالرفض من قبل إسرائيل، على الأقل علناً. ومن الواضح أنّ بايدن المرشّح لإعادة انتخابه في نوفمبر، يتعرّض لضغوط في الخارج والداخل. وترى الأغلبية الساحقة في الدول العربية (82 في المئة) أنّ ردّ فعل الولايات المتحدة "سيء للغاية"، وفقا لاستطلاع أجراه المركز العربي في واشنطن نُشر الخميس.
كذلك، أعرب 81 في المئة عن اعتقادهم بأنّ الحكومة الأميركية “ليست جدية” بشأن العمل على إقامة دولة فلسطينية، وفقاً للاستطلاع الذي شمل ثمانية آلاف شخص في 16 دولة عربية. ويريد بايدن أن يحافظ على علاقات إيجابية مع الشركاء العرب، وخاصة مع دول الخليج، في وقت تعيش فيه العلاقات الأميركية – السعودية مرحلة حساسة يمكن أن تتدعم من خلالها نحو الأفضل أو تنقلب إلى انتكاسة.
ويستضيف الرئيس الأميركي اجتماعا ثنائيا مع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في البيت الأبيض، يوم الاثنين المقبل، حسب جدول الرئيس الأسبوعي، طبقا لما ذكرته وكالة بلومبرغ للأنباء السبت.
وكان العاهل الأردني قد أكد الشهر الماضي ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار في غزة وحماية المدنيين وإيصال المساعدات الإغاثية والطبية دون انقطاع. وفي الداخل، ينتقد الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي السياسة التي يعتبرها مؤيّدة لإسرائيل أكثر من اللازم، في حين يعرب الأميركيون العرب عن سخطهم إزاء هذا الدعم. وبات بايدن يُقابل بمتظاهرين يلوّحون بالأعلام الفلسطينية ويردّدون شعار "جو (بايدن) الإبادة الجماعية".