باولو كويلو ينقذ مهرجان جاز "مناهض للفاشية" في البرازيل

ريو دي جانيرو (البرازيل)- عرض الكاتب البرازيلي باولو كويلو تمويل مهرجان للجاز لم يحظ طلبه للحصول على مساعدات عامة بردّ إيجابي باعتباره “مناهضا للفاشية”.
وجاء في تغريدة نشرها صاحب رواية “الخيميائي” الذي يعيش في جنيف ويدير منذ 2015 مؤسسة مع زوجته كريستينا أويتيسيكا أن “مؤسسة كويلو وأويتيسيكا تعرض تغطية نفقات مهرجان كاباو”.
وكان المهرجان قد تقدّم بطلب للحصول على مساعدات عامة بقية 145 ألف ريال برازيلي (28 ألف دولار). وأوضح الكاتب أن “الشرط الوحيد” لهذا الدعم هو أن يحافظ المهرجان على طابعه “المناهض للفاشية والمؤيّد للديمقراطية”.
وتتّهم إدارة مهرجان كاباو للجاز الذي يُنَظم منذ العام 2010 في بلدة صغيرة من وادي كاباو في ولاية باهيا (شمال شرق البرازيل) حكومة الرئيس اليميني المتطرّف جايير بولسونارو برفض طلبه الحصول على مساعدة لأسباب “أيديولوجية”.
وكشف القيّمون على هذه الفعاليات أن المؤسسة الوطنية للفنون (فونارتي)، وهي هيئة عامة تحت وصاية وزارة الثقافة، أشارت في رأيها التقني إلى أنها ردّت طلب المساعدة لأسباب عدّة، من بينها الطابع “المناهض للفاشية” و”المؤيّد للديمقراطية” الذي يُذكر خلال الترويج للمهرجان.
يبدو أن التضييق يستمر على بعض التظاهرات الثقافية والفنية التي لا تتماشى والتوجه الحكومي، وهو ما يناهضه جل الفنانين والمبدعين والمثقفين في البرازيل
ومن منشورات المهرجان الصادرة في يونيو 2020 على شبكات التواصل الاجتماعي ما مفاده “لا يمكننا القبول بالفاشية والعنصرية وغيرهما من أشكال القمع أو الأحكام المسبقة”، في صدى للانتقادات الأخرى الموجّهة إلى الرئيس اليميني المتطرّف.
وأوضحت المؤسسة العامة في تصريحات لها أن هذا المستند ليس سوى رأي تقني صادر عن “مستشارين” تقنيين وأن القرار النهائي لمنح المساعدة أو رفضها لم يُتّخذ بعد.
ونفت فونارتي فرضها أيّ نوع من الرقابة، مشيرة إلى أن الرأي التقني الذي رأى فيه المستشار “انحرافا عن الغاية المرجوّة” هو قيد التحليل راهنا. وكثّف جايير بولسونارو منذ وصوله إلى سدّة الرئاسة هجماته ضدّ أوساط الثقافة التي تتّهمه بممارسة الرقابة.
وفي يناير 2020 استقال وزير الثقافة روبرتو ألفيم بعدما أثار جدلا بخطاب استعاد فيه تصريحات ليوزيف غوبلز الذي كان مسؤولا عن البروباغاندا النازية. وفي المقطع المصور قال روبرتو ألفيم “الفن البرازيلي سيكون بطولياً في العقود القادمة، وسيكون وطنياً.. أو لن يكون”.
وشبهت وسائل إعلام برازيلية مثل صحيفة “فولها دي إس باولو” الجملة بكلمة لغوبلز، في سيرة ذاتية أعدها المؤرخ الألماني بيتر لونغريتش، نقلت عن الوزير النازي لمخرجي المسرح في 1933 “الفن الألماني للعقد القادم سيكون بطولياً، وسيتمتع برومانسية كبيرة.. أو لن يكون”.
وكان العمل المصور ونبرة الكلمة والموسيقى في الخلفية التي كانت معزوفة “لونغرين” للموسيقار الألماني ريتشارد فاغنر كلها تعيد إلى الذاكرة الدعاية النازية.

وفي وقت لاحق، حاول ألفيم تأكيد أن التشابه كان صدفةً، وأنه لم يكن يعرف من أين جاءت الجملة.
وأدانت السفارة الألمانية في البرازيل كلمة ألفيم على وسائل التواصل الاجتماعي وقالت “من المهم مقاومة أي زلاّت للتقليل من شأن حقبة شهدت معاناة بلانهاية للإنسانية، أو تمجيدها”.
وتعاني البرازيل اليوم بعض الرقابة غير الرسمية على الرغم من انتهاء معظم الرقابة الحكومية قبل فترة إعادة الديمقراطية التي بدأت في عام 1985.
ولكن يبدو أن التضييق يستمر على بعض التظاهرات الثقافية والفنية التي لا تتماشى والتوجه الحكومي، وهو ما يناهضه جل الفنانين والمبدعين والمثقفين في البرازيل.
وما أقدم عليه كويلو الكاتب البرازيلي الأشهر عالميا والأكثر انتشارا فيثبت من جديد ضرورة التزام المبدع والمثقف بالقضايا الإنسانية والفنية، حيث يقف المثقف الحقيقي صاحب الوعي الفردي المنعزل أمام كل أشكال الهيمنة.
وكما يصف المفكر الفرنسي جوليان بيندا المثقف الحقيقي بأنه يتحلى بالحس الأخلاقي الفذ، ويشكل ضمير البشرية. فالمثقف الحقيقي لديه يتلخص دوره في الدفاع عن ثوابت الحق والعدل من خلال “فضح الفساد والدفاع عن المستضعفين وتحدي السلطة القائمة”.
ويبدو من الضرورة تجاوز المثقف اليوم لفكرة الالتزام السياسي وتبنّي مفهوم الالتزام الإنساني؛ بأن يكون المثقف منشغلا بقضايا الإنسان ورافضا بكل أشكال الهيمنة والسيطرة.
وما دعم كويلو لمهرجان الجاز الصغير في البرازيل سوى تذكير بواجب المثقفين والمبدعين اليوم أيا كانت مجالات اشتغالهم في الأدب أو الفنون أو غيرها إلى التكاتف ضد كل نزعة عنصرية وفي دعم لحرية الفكرة الإبداعية والسياسية.