باكستان تواجه مفارقة فائض إنتاج الكهرباء

محطات الفحم الصينية تضاعف من قدرة توليد الطاقة.
السبت 2021/02/27
مشاريع الطاقة قادمة من المستقبل

أدت كثافة بناء محطات الطاقة الجديدة بباكستان إلى طفرة كبيرة في الطاقة الكهربائية، حيث ساعدت هذه المحطات التي تعمل بالفحم بتمويل صيني على معالجة إشكالية نقص الكهرباء، غير أنها وضعت البلد أمام مواجهة مفارقة فائض الطاقة الكهربائية كما أثارت المخاطر المناخية لاستخدام الفحم.

إسلام آباد - بعد معاناة لعقود من نقص الكهرباء الذي ترك العائلات والشركات في الظلام، تجد باكستان نفسها في مواجهة مشكلة جديدة تتعلق بإنتاج طاقة كهربائية أكثر من اللازم، حيث أدى البناء واسع النطاق لمحطات الطاقة الجديدة التي تعمل بالفحم بتمويل من الصين إلى تعزيز قدرة الطاقة في البلاد بشكل كبير.

وقال المساعد الخاص لرئيس الوزراء الباكستاني للطاقة تابيش جوهر لرويترز عبر الهاتف “هذا صحيح. نحن ننتج أكثر بكثير مما نحتاج في باكستان”.

وحتى مع زيادة الإمدادات لا تصل الطاقة الكهربائية إلى 50 مليون شخص في باكستان وفقا لتقرير البنك الدولي لسنة 2018 رغم التخطيط لتوسيع الإمداد. ولا يزال انقطاع التيار الكهربائي شائعا، فقد حدثت مشكلة الشهر الماضي تركت العديد من المدن الرئيسية في البلاد في الظلام.

وتساهم سعة الطاقة الزائدة من الوقود الأحفوري في زيادة تكاليف الكهرباء وتثير تساؤلات حول مدى نجاح البلاد في تحقيق أهدافها المتعلقة بتغير المناخ، حيث يشدد العلماء على ضرورة الابتعاد عن استخدام الفحم لمنع آثار تغير المناخ السيئة.

وفي العام الماضي وعد رئيس الوزراء عمران خان بأن باكستان ستنتج 60 في المئة من طاقتها الكهربائية من مصادر متجددة بحلول سنة 2030.

وأضاف جوهر أن “البلاد تحصل حاليا على 64 في المئة من الكهرباء من الوقود الأحفوري و27 في المئة من الطاقة الكهرومائية ونحو 5 في المئة من الطاقة النووية، وحوالي 4 في المئة فقط من مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح”.

وألغت البلاد بالفعل خططا لإنشاء محطتين تعملان بالفحم بتمويل صيني، لكن سبعا أخرى مضت قدما كجزء من مشروع الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان.

تابيش جوهر: نحن ننتج طاقة كهربائية أكثر بكثير ممّا نحتاج

كما مولت الصين محطة للطاقة المتجددة على نطاق أصغر، حيث من المقرر أن تولد ست مزارع رياح أقل بقليل من 400 ميغاوات من الطاقة، ومشروع طاقة شمسية 100 ميغاوات وأربع محطات للطاقة الكهرومائية من المتوقع أن تنتج 3400 ميغاوات بحلول عام 2027.

ويهدف الممر إلى تعزيز روابط النقل البري والحديدي والجوي والتجارة بين الصين وباكستان ودول أخرى في المنطقة بالإضافة إلى تعزيز إنتاج الطاقة.

وقال فاقار زكريا رئيس شركة هاغلر بايلي باكستان وهي شركة استشارية بيئية مقرها إسلام أباد، إن توسع توليد الطاقة من الفحم في باكستان يتماشى مع أهدافها الوطنية السابقة.

ويعتقد أن إلقاء اللوم على الصينيين ليس عادلا لأن هذه المشاريع كانت سياسة وأولوية في باكستان. ولم يرد مسؤولون في السفارة الصينية في إسلام آباد على المكالمات ورسائل البريد الإلكتروني.

ومع تنشيط محطات جديدة تعمل بالفحم من المتوقع أن تتمتع باكستان بقدرة طاقية أكبر بنسبة 50 في المئة ممّا هو مطلوب حاليا بحلول سنة 2023.

وتابع جوهر أنه نظرا إلى أنه يتعين على الحكومة سداد قروض بناء المحطات وعقود شراء الطاقة، تنتج الطاقة الزائدة تكاليف “يتعين على الحكومة دفعها لمنتجي الطاقة بموجب عقود ملزمة بغض النظر عن الحاجة الفعلية”.

وذكر أن هذه التكاليف تبلغ حاليا نحو 850 مليار روبية (5.3 مليار دولار) سنويا، لكنها سترتفع إلى ما يقرب من 1450 مليار روبية (9 مليارات دولار) سنويا بحلول سنة 2023، حيث لا تزال محطات الطاقة الجديدة التي تعمل بالفحم قيد الإنشاء. وقال جوهر إن هذا يؤدي إلى ارتفاع الأسعار التي يدفعها المستهلكون مقابل الطاقة (30 في المئة في العامين الماضيين) وهي مشكلة من المرجح أن تستمر ما لم تتمكن باكستان من جذب المزيد من المشترين لقدرتها التوليدية الجديدة.

وأوضح أن الحكومة تخطط لإيقاف تشغيل بعض محطات الوقود الأحفوري القديمة لخفض الطاقة الزائدة. لكنها تمضي قدما لإضافة محطات طاقة جديدة من الرياح والطاقة الشمسية والطاقة الكهرومائية إلى الشبكة لتحقيق أهدافها المناخية.

وتابع بالقول إن السلطات تجري محادثات لإعادة التفاوض بشأن معدلات التعريفة مع منتجي الطاقة المستقلين في البلاد بما في ذلك شركات الوقود الأحفوري والطاقة المائية وطاقة الرياح والطاقة الشمسية. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت ستسعى إلى إعادة التفاوض بشأن أسعار المصانع التي تمولها الصين والتي لا تزال في طور الإعداد أو بشأن فترات سداد ديون أطول.

50

في المئة نسبة توقعات نموّ الطاقة الكهربائية مقارنة بالنسبة الحالية بحلول 2023

وأشار جوهرإلى أنه “عند الانتهاء من مشاريع الكهرباء التي لا تزال قيد الإعداد، ستنتج باكستان حوالي 38 ألف ميغاوات من الطاقة”. لكنه ذكر أن ذروة الطلب الحالي في الصيف تبلغ 25 ألف ميغاوات، مع انخفاض استخدام الكهرباء إلى 12 ألف ميغاوات في الشتاء.

وقالت المتخصصة في الطاقة بالبنك الدولي سعدية قيوم إن “الإنتاج الزائد يبقى مشكلة أفضل من نقص العرض. لكن البلاد بحاجة إلى وضع طرق جديدة لاستخدام الكهرباء. إلّا أن تحفيز النقل الكهربائي على سبيل المثال لن يكون حلا أخضر إذا كان إنتاج حصة كبيرة من الكهرباء الجديدة في البلاد يتم في محطات الفحم”.

وقال جوهر إن “الحكومة تقدم للعملاء رسوما مخفضة على الكهرباء لمحاولة جذب أولئك الذين يعتمدون الآن على محطاتهم التي تعمل بالغاز إلى الشبكة الوطنية”.

وأشار زكريا إلى أن الطلب “يعتمد على السعر والعرض والموثوقية”.

ورجّح جوهر أن تؤدي الأسعار المرتفعة إلى كبح الطلب وتحفيز سرقة الطاقة، وهي مشكلة خطيرة في البلاد. وتوقع أن ينتهي الأمر بالسكان والمشتركين إلى دفع فاتورة طاقة التوليد الزائدة، حيث تتلقى الصناعات والزراعة دعما للطاقة.

وقد يعني ذلك أن “العملاء الذين يدفعون الثمن سيستخدمون كهرباء أقل، مما يزيد الوضع سوءا”، خاصة وأن الكثيرين يرون ميزة اقتصادية في شراء الألواح الشمسية.

واعتبرت سعدية قيوم أنه رغم فائض الطاقة في البلاد يستثمر البنك الدولي 450 مليون دولار على مدى السنوات الأربع المقبلة في الطاقة المتجددة في باكستان في محاولة للحد من اعتماد البلاد على واردات الوقود الأحفوري وخفض تكاليف الطاقة.

وأشار جوهر إلى أن “باكستان ستحتاج إلى مستوى معين من الطاقة التي تعمل بالوقود الأحفوري في السنوات المقبلة للمساعدة في تحقيق التوازن بين المصادر ‘المتقطعة’ مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح التي لا تولد الكهرباء على مدار 24 ساعة في اليوم”. لكنه ذكر أن الخطة طويلة الأجل التي لا تزال قيد المناقشة تقضي بعدم مساهمة محطات الفحم بأكثر من 15 في المئة من قدرة إنتاج الكهرباء في البلاد.

10