باكستان تلهث وراء مساعدات مالية سعودية لم يعد من السهل الحصول عليها

تراجع قيمة إسلام آباد لدى الرياض بعد أن بدا أنّها غير مفيدة لها بشكل مباشر في صراعها مع طهران.
الثلاثاء 2024/04/09
التنسيق والتواصل مستمران مع مراعاة تبدل الظروف

باكستان التي لطالما وجدت في السعودية داعما كبيرا لها في أزماتها الاقتصادية والمالية بدأت تلمس صعوبات في الحصول على الدعم من قبلها، ليس فقط لأنّ المملكة غيرت نهجها في منح المساعدات وأصبحت تفرض قيودا واشتراطات على ذلك، بل لأنّ مكانة إسلام آباد قد تكون تراجعت كحليف إستراتيجي للرياض بفعل سياسة المصالحات وتصفير المشاكل التي سلكتها السعودية.

الرياض- اختار رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف المملكة العربية السعودية كأول وجهة خارجية له بعد تشكيل حكومته الائتلافية في فبراير الماضي.

ويلتمس شريف لدى المملكة الحصول على دعم مالي لبلاده التي تعاني أزمة اقتصادية حادّة مترتّبة عن حالة عدم الاستقرار السياسي التي تمرّ بها منذ سنوات.

لكن الحصول على مثل ذلك الدعم لم يعد أمرا سهلا، أو على الأقل لم يعد متاحا مثلما كانت عليه الحال من قَبل، بعد أن أعلنت الرياض بشكل واضح تخليها عن نهج منح المساعدات من دون الحصول على مقابل واضح لها.

وقال وزير المالية السعودي محمد الجدعان في وقت سابق”إننا اعتدنا تقديم منح ومساعدات مباشرة من دون شروط، ونحن نغير ذلك”، مضيفا قوله “نفرض ضرائب على شعبنا ونتوقع من الآخرين فعل الأمر نفسه وأن يبذلوا جهدا”.

وظلت باكستان طيلة عقود ماضية من ضمن المستفيدين مما تقدّمه السعودية من مساعدات ومنح مباشرة وودائع مصرفية غير مشروطة لبلدان عديدة في منطقة الشرق الأوسط وفي آسيا ومناطق أخرى من العالم من أجل دعم حلفائها وتعزيز نفوذها الخارجي.

وبالنسبة للتغير في طبيعة علاقة إسلام آباد بالرياض فإن الأمر قد لا يقتصر فقط على تغيير النهج السعودي في تقديم المساعدات، لكنّه يشمل أيضا تراجع مكانة باكستان لدى المملكة التي يرجّح أنّها لم تعد تنظر للبلد الإسلامي الوحيد الممتلك للقنبلة النووية بنفس الأهمية التي كانت تنظر بها إليه في السابق.

فقد كانت باكستان السُنيّة تمثّل بالنسبة للسعودية عامل توازن في المنطقة لمعادلة إيران الشيعية، ولفرملة نفوذها قدر الإمكان.

ورغم أنّ المملكة لم تتخلّ بالكامل عن نظرتها لإيران باعتبارها مصدر تهديد لاستقرار المنطقة، إلاّ أنّها اختارت مهادنتها والتصالح معها، وذلك في نطاق سياسة سعودية أشمل تقوم على تصفير المشاكل مع مختلف البلدان وتجنّب الانغماس في الصراع معها، قصد التفرّغ لاستكمال إصلاحاتها الداخلية وتنفيذ برنامجها التنموي الضخم.

◄ شهباز شريف يلتمس لدى المملكة الحصول على دعم مالي لبلاده التي تعاني أزمة اقتصادية حادّة مترتّبة عن حالة عدم الاستقرار السياسي التي تمرّ بها منذ سنوات.
شهباز شريف يلتمس لدى المملكة الحصول على دعم مالي لبلاده التي تعاني أزمة اقتصادية حادّة مترتّبة عن حالة عدم الاستقرار السياسي التي تمرّ بها منذ سنوات.

إلى ذلك لم تَبْدُ باكستان رغم ما تمتلكه من قدرات عسكرية ضخمة مفيدة على نحو مباشر للسعودية في الحرب التي خاضتها ضدّ جماعة الحوثي في اليمن، عن طريق تحالف عسكري كانت قد شكّلته بهدف منع الجماعة الموالية لإيران من السيطرة بالكامل على البلد وتحويله إلى منطقة نفوذ للإيرانيين في جنوب جزيرة العرب.

وأقحمت الرياض إسلام آباد ضمن التحالف الذي شكّلته تحت مسمّى التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، وأسندت قيادته العسكرية للقائد السابق للجيش الباكستاني رحيل شريف، لكن التحالف مايزال منذ تأسيسه مكتفيا بعقد الاجتماعات من حين لآخر من دون الإعلان عن تحقيقه إنجازات فعلية في مجال عمله الذي أنشئ من أجله.

وعرفت باكستان خلال السنوات الأخيرة صراعات داخلية شديدة على السلطة خلقت حالة من عدم الاستقرار أثّرت على اقتصاده الذي دخل في أزمة وصفها صندوق النقد الدولي بأنّها وقوف على حافّة الهاوية وسعى لانتشال البلد منها عن طريق حزمة إنقاذ قصيرة الأجل بقيمة ثلاثة مليارات دولار حصلت منها باكستان إلى حدّ الآن على 1.9 مليار دولار.

وبينما تبحث إسلام آباد عن الحصول على برنامج إنقاذ آخر من الصندوق، عبّر الأخير قبل أيام عن استعداده للدخول في مباحثات معها لمساعدتها في تسوية “تحديات الاستقرار المالي والخارجي”.

وفي انتظار ذلك بدا التوّجه نحو السعودية  الحل الأنسب لرئيس الوزراء الباكستاني الجديد.

ولم توصد الرياض باب المساعدة بالكامل في وجه إسلام آباد لكنّها تعرض عليها بدل المساعدات المباشرة شراكة استثمارية.

وأكد الجانبان السعودي والباكستاني التزامهما بالتعجيل في تنفيذ حزمة استثمارية بقيمة خمسة مليارات دولار لصالح البلدين كانت قد تمّت مناقشتها في وقت سابق.

وجاء في بيان مشترك صدر عن الاجتماع الذي عقده بمكة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف أنّ “المباحثات تمحورت حول تعزيز العلاقات بين البلدين وبحث سبل تعزيز التعاون في مختلف القطاعات، وتم التأكيد على دور المملكة الداعم للاقتصاد الباكستاني والرغبة المتبادلة في تعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية”.

الرياض لم توصد باب المساعدة بالكامل في وجه إسلام آباد لكنّها تعرض عليها بدل المساعدات المباشرة شراكة استثمارية

كما تبادل الجانبان وجهات النظر حول التطورات الإقليمية والعالمية ذات الاهتمام المشترك، بما في ذلك الوضع المثير للقلق في قطاع غزة، وحث الجانبان على بذل جهود دولية لوقف العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة وتخفيف تداعياتها الإنسانية. وشدّد الطرفان على ضرورة قيام المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل لوقف الأعمال العدائية والالتزام بالقانون الدولي وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة دون عوائق.

كما ناقش الجانبان ضرورة دفع عملية السلام وفقا لقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة ذات الصلة وكذلك مبادرة السلام العربية الهادفة إلى إيجاد حل عادل وشامل لإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

وأكد الجانبان على أهمية الحوار بين باكستان والهند لحل القضايا العالقة بين البلدين، خصوصا نزاع جامو وكشمير، لضمان السلام والاستقرار في المنطقة.

ووجّه رئيس وزراء باكستان دعوة إلى ولي العهد  السعودي لإداء زيارة رسمية إلى باكستان في أقرب فرصة ممكنة، بينما أعلن الأمير محمّد بن سلمان عن قبوله الدعوة.

ودخلت السعودية منذ سنوات في ما يشبه سباقا ضدّ الساعة لتنفيذ برنامجها التنموي الطموح المعروف برؤية 2030 الهادف إلى تنويع مصادر دخل الاقتصاد السعودي والتخفيف من حدّة ارتهانه للنفط وذلك بإقامة مشاريع كبيرة سيكلّف إنشاؤها مبالغ ضخمة تستدعي تعبئة الكثير من الموارد المالية الأمر الذي يعني بالنتيجة تقليص الإنفاق على تقديم المساعدات وترشيده إلى أبعد حدّ ممكن مع الأخذ في الاعتبار الحصول على عوائد واضحة في مقابله.

3