بافل طالباني يزور واشنطن في غمرة تصاعد التهديدات التركية للسليمانية

السليمانية- تحوّلت جهود تمتين العلاقات مع الولايات المتّحدة الأميركية ومحاولات الفوز بصداقتها وتأييدها، إلى مدار تنافس بين الحزبين الكبيرين في إقليم كردستان العراق؛ الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة أفراد أسرة بارزاني وحزب الاتّحاد الوطني الكردستاني بقيادة ورثة الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني.
وبدأ رئيس الاتّحاد الوطني بافل طالباني، الثلاثاء، زيارة إلى واشنطن، قال مكتبه الإعلامي في بيان إنّه سيعقد خلالها سلسلة من اللقاءات مع كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية ومن بينهم مسؤولو الخارجية وأعضاء الكونغرس كما يجري اتصالات مع مراكز البحوث في الولايات المتحدة.
وجاءت زيارة طالباني بعد زيارة مماثلة كان قد قام بها إلى الولايات المتّحدة مسرور بارزاني رئيس حكومة إقليم كردستان العراق والقيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني.
كما جاءت غداة زيارة القيادي في الحزب نيجيرفان بارزاني إلى إيران، وبعد أقل من شهر على استقبال قيادات الحزب الديمقراطي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أربيل مركز الإقليم والمعقل الرئيسي للحزب.
ويعكس زخم الاتصالات تلك، نزعة إلى أقلمة وتدويل المشاكل الداخلية لإقليم كردستان سواء ما تعلّق منها بالصراعات الحزبية داخله، أو بصراعات بعض سياسييه وأحزابه مع قوى حاكمة في العراق، فضلا عن صراع سلطاته ضد السلطة الاتّحادية العراقية.
وازداد التقرّب من واشنطن أهمية لكلا الحزبين، ليس لمجرّد الفوز بحليف في الصراع الشرس الذي يخوضه كلّ منهما ضدّ الآخر، ولكن أيضا احتماء من الضغوط المسلّطة عليه من قبل أطراف أخرى تكون في غالبية الأحيان متعاونة مع غريمه ضدّه.
وتعرّض الحزب الديمقراطي الكردستاني ومعه حكومة الإقليم التي يقودها بشكل رئيسي إلى ضغوط شديدة سياسية وقضائية ومالية وأمنية من قبل الأحزاب والفصائل الشيعية المتحكّمة الرئيسية في زمام السلطة الاتّحادية العراقية، في موقف من الحزب غير منفصل عن موقف إيران الحليفة لتلك الأحزاب والفصائل والتي تصنّف حزب آل بارزاني حليفا لمنافستيها على النفوذ في العراق تركيا والولايات المتّحدة.
وفي مظهر على معرفة قيادة الحزب الديمقراطي بأصل المشكلة توجه القيادي في الحزب نيجيرفان بارزاني الذي يشغل منصب رئيس لإقليم كردستان العراق هذا الأسبوع رأسا إلى طهران سعيا لتخفيف ضغوطها وضغوط حلفائها العراقيين على حزبه.
وكان من ضمن أهداف الزيارة تقديم توضيحات للقيادة الإيرانية بشأن علاقات الحزب الديمقراطي مع تركيا ومحاولة إقناعها بأنّها علاقات لا تنطوي على ضرر لمصالح إيران في العراق، وبأنّ قيادة الحزب حريصة على إحداث توازن في العلاقة مع الجارتين كلتيهما.
ويعلم رئيس إقليم كردستان وسائر قيادات الحزب الديمقراطي الكردستاني أن مفتاح نجاح التقارب مع القوى الشيعية الحاكمة في العراق واتّقاء ضغوطها وحلّ المشاكل العويصة معها والمتعلّقة بمسائل حيوية مثل قضية حصّة الإقليم من موازنة الدولة الاتحادية والتزام بغداد بدفع رواتب موظفي الإقليم، وأيضا وقف استهداف الميليشيات لأربيل بالصواريخ والطائرات المسيّرة، تظل كلها بيد القيادة الإيرانية ذات الكلمة المسموعة من قبل كبار قادة تلك القوى الشيعية.
وخلال السنوات الأخيرة تحوّلت كثافة التواصل والتنسيق بين قيادات الحزب الديمقراطي الكردستاني وأركان حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى ظاهرة لافتة.
◄ اشتداد الصراع بين الحزبين الرئيسيين في كردستان العراق يطلق سباقا موازيا على كسب الصداقات الإقليمية والدولية
أما حزب الاتّحاد الوطني فأصبح عرضة لضغوط متزايدة من قبل تركيا صديقة غريمه الديمقراطي المتعاون معها في حربها ضدّ حزب العمال الكردستاني المتمركز بشمال العراق، على العكس تماما من حزب الاتحاد الوطني الذي تتهم أنقرة قيادته باحتضان حزب العمال والتعاون معه ضدّها والسماح لمقاتليه بالنشاط في معاقلها بمحافظة السليمانية.
ومؤخّرا تحوّلت الضغوط التركية على حزب الاتحاد إلى تهديد له وتلويح باستخدام القوة ضدّ معاقله.
وقال وزير الدفاع التركي يشار غولر في أحدث تصريحات له بشأن المواجهة ضدّ حزب العمال الكردستاني “نقول بوضوح للاتحاد الوطني الكردستاني ما قاله رئيسنا: إذا أردتم العيش بسلام تخلصوا من المنظمة الإرهابية واخلقوا بيئة جديدة للعيش بسلام مع شعبكم”.
ولا ترى دوائر في حزب الاتّحاد أن الضغوط والتهديدات التركية للحزب منفصلة عن مساع كيدية تبذلها جهات في الحزب الديمقراطي الكردستاني.
ويمكن للولايات المتّحدة أن تكون مؤثّرة في علاقة الحزبين، لكن ليس على سبيل الانحياز لأحدهما على حساب الآخر حيث ما تزال ترى مصلحة في وجودهما متماسكين معا ليظلاّ رافعتين لتجربة الحكم الذاتي في إقليم كردستان العراق التي كانت واشنطن قد وقفت وراء تأسيسها سعيا لإيجاد موطئ قدم لنفوذ مضمون ومستدام في العراق، وقد ازدادت الحاجة لذلك بعد أن أصبحت تجربة الحكم الاتّحادية العراقية خاضعة لقوى شيعية حليفة لإيران لا تظهر تردّدا في العمل على تقليص نفوذ الولايات المتحدة في البلاد بدءا من سعي تلك القوى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي على الأراضي العراقية.
وفي هذا السياق تحديدا سبق أن بذلت واشنطن جهودا لتوحيد جيش إقليم كردستان المعروف بالبيشمركة والمنقسم إلى فرعين أحدهما تابع للحزب الديمقراطي الكردستاني والثاني تابع لحزب الاتّحاد الوطني.