باغيت فرنسا ومعارف سكان كولومبيا الأصليين تراث ثقافي غير مادي للبشرية

يكمن الهدف من إدراج عناصر معينة ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية التي تعلنها منظمة اليونسكو سنويا في الاحتفاء بالتقاليد والممارسات والمهارات البشرية وصونها من الاندثار. لذا فإن إدراجها لعنصر ما لا يعني العنصر في حد ذاته وإنما التقاليد والمهارات المرتبطة به والتي حولته إلى ثقافة متوارثة، وهو أبرز المعايير التي تعتمدها.
الرباط - تواصل منظمة اليونسكو دراسة ترشيحات جديدة من عدة بلدان لإدراج فنون ثقافية غير مادية على قائمة التراث العالمي، وذلك خلال الاجتماع السابع عشر للجنة المعنية بالمنظمة الذي افتتح الاثنين بالرباط، ويتواصل إلى غاية الثالث من ديسمبر، حيث تدرس المنظمة 56 ملفا بينها أربعة تستدعي إجراءات عاجلة لصونها من الاندثار، مثل فن الخزف الخاص بقومية شام في فيتنام.
وتضم عدة ترشيحات من بلدان عربية مثل موسيقى الراي الجزائرية وصلصة “الهريسة” الحارة التونسية والخنجر العماني والمواقع التراثية “لمسار رحلة العائلة المقدسة” في مصر. فيما تقدمت إيران وسوريا بملف مشترك حول “فن صناعة الأعواد والعزف عليها".
وبدأ الإعلان عن الملفات التي يتم قبولها الثلاثاء على أن يستمر حتى السبت، على حساب اليونسكو على تويتر، حيث كانت معارف مجموعات من السكان الأصليين في كولومبيا ومهارة صناعة الباغيت الفرنسي أول العناصر المدرجة على القائمة.
أدرجت منظمة اليونسكو على قائمتها للتراث الثقافي غير المادي للبشرية المعارف المتوارثة لدى أربع مجموعات من السكان الأصليين في سييرا نيفادا، أعلى سلسلة من جبال الساحل في العالم بشمال كولومبيا.
وتعيش المجموعات الأصلية الأربع، وهي أرهواكو وكانكوامو وكوغوي ويوا، في منطقة شاسعة تمتد من سواحل البحر الكاريبي وصولا إلى قمم الجبال على ارتفاع 5770 مترا، فيما تحافظ على معارف أساسية لـ”الاهتمام بالطبيعة الأم والبشرية والكوكب”، بحسب اليونسكو.
ومع أنّ المجموعات الأربع متمايزة إحداها عن الأخرى، إلّا أنّ روابط معيّنة تجمعها. ويسير أفرادها في المنحدرات الحادة مرتدين ملابس تقليدية بالأبيض الناصع فيما يحملون حقائب ظهر منسوجة ويضعون قبعات من القش تكون بيضاء في الغالب.
معارف فريدة
وتشير وزارة الثقافة الكولومبية إلى أنّ “حكمة أسلاف” السكان الأصليين تلعب في ظل التوسع السياحي في سييرا نيفادا، “دورا أساسيا في ضمان حماية النظام الإيكولوجي، وتحول دون زوال هويتهم الثقافية”.
وتذكر منظمة “سورفايفل إنترناشونال” غير الحكومية المدافعة عن الشعوب الأصلية في العالم أنّ “سييرا نيفادا تشكل محور العالم للسكان الأصليين”، مضيفة أنّ “هؤلاء السكان الأصليين يطلقون على أنفسهم تسمية ‘الإخوة الكبار‘ ويعتبرون أنّهم يتحلّون بحكمة وتفهّم باطني يفوقان ما تظهره الشعوب الأخرى التي يلقّبون أفرادها بإخوانهم الصغار”.
وتوضح منظمة “سورفايفل” أنّ “الإخوة الكبار يعتبرون أنّ الحفاظ على التوازن في الكون من مسؤوليتهم”، مضيفة “عندما تحدث أعاصير أو موجات جفاف أو مجاعات في العالم، يلومون أنفسهم على فشل الإنسان في المحافظة على الانسجام في العالم. ويجري تحقيق التوازن من خلال تقديم القرابين إلى المواقع المقدسة لكي يعاد إلى الأرض ما أُخذ منها”.
◙ مجموعات من السكان الأصليين لكولومبيا تعتبر نفسها مسؤولة عن الحفاظ على النظام الطبيعي للعالم بالغناء والتأمّل والطقوس
وتُطلق على قادتهم الروحيين تسمية “مامو”، مما “يعني في الثقافة الغربية الكاهن والمدرّس والطبيب معا”، بحسب المنظمة. وتضيف “سورفايفل” أنّ هذه المجموعات “مسؤولة عن الحفاظ على النظام الطبيعي للعالم من خلال الغناء والتأمّل والطقوس”. ويبدأ أفرادها بتعلّم هذه العادات في سنّ مبكرة فوق مرتفعات الجبال حيث يتعلّمون التأمل في العالم الطبيعي والروحي”.
وفي كتاب “أوردن ديل تودو” (نظام كل شيء) الذي يتناول هذه الشعوب، يكتب المواطن الأصلي نوربرتو توريس شارحا “إن فكرنا عالمي لأنه يشمل كل ما هو موجود، أي الأمور المرئية وغير المرئية، بالإضافة إلى الغموض الكبير في الطبيعة الذي لم يتوصل الإنسان حتى اليوم إلى إدراكه، لهوسه بالكيمياء والعلوم”. وتلعب أوراق الكوكا دورا أساسيا في حياة السكان الأصليين في سييرا نيفادا وتُستخدم في الطقوس والاحتفالات.
وتتولى سفيرة كولومبيا لدى الأمم المتحدة ليونور زالاباتا التي تنتمي إلى مجموعة أرهواكو، وتُعتبر أول امرأة من السكان الأصليين تمثّل كولومبيا أمميا، رفع صوت نحو تسعين مجموعة من السكان الأصليين في كولومبيا إلى العالم. ويشكل هؤلاء 4.4 في المئة من سكان البلاد البالغ عددهم 50 مليون نسمة.
كما دخل خبز الباغيت، الخبز الأساسي على مائدة الفرنسيين، قائمة الأمم المتحدة للتراث الثقافي العالمي. وصوتت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، ومقرها باريس، الأربعاء لصالح إدراج “مهارة صناعة خبز الباغيت وثقافته” على قائمتها للتراث الثقافي غير المادي التي تضم بالفعل نحو 600 ممارسة تقليدية من أكثر من 130 دولة.
وقالت رئيسة اليونسكو أودري أزولاي إن هذا “احتفاء بأسلوب الحياة الفرنسي حيث تناول خبز الباغيت طقس يومي ومكون لا غنى عنه في وجبات الطعام ومرادف للمشاركة والمودة”.
وأضافت “من المهم أن تظل هذه المهارات والعادات الاجتماعية موجودة في المستقبل”. وخبز الباغيت، وهو رغيف طويل هش له قشرة مقرمشة، رمز لفرنسا في جميع أنحاء العالم، وهو مكون رئيسي على موائد الطعام الفرنسية منذ 100 عام على الأقل، ويعتقد البعض أن عمره أكثر من ذلك.
ثقافة الخبز
وتقول إحدى الأساطير حول نشأته إن خبازي نابليون بونابرت جاؤوا بفكرة تطويل رغيف الخبز لتسهيل حمله على جنود الجيش بينما تنسب أخرى فكرة الباغيت إلى خباز نمساوي اسمه أوغست تسانغ.
وتعني باغيت العصا أو الهراوة. ويباع الرغيف منه هذه الأيام بنحو يورو واحد (1.04 دولار أميركي). وعلى الرغم من تراجع استهلاك خبز الباغيت على مدار العقود القليلة الماضية، ما زالت فرنسا تنتج وفق تقديرات عام 2019 نحو 16 مليون رغيف منه يوميا أي نحو ستة مليارات رغيف سنويا.
ويقول الاتحاد الفرنسي للخبازين الذي يسعى جاهدا لحماية حصته بالسوق من المخابز الآلية إن عجين الباغيت، المكون من الدقيق والماء والملح والخميرة، يجب أن تبقى لمدة تتراوح من 15 إلى 20 ساعة في درجة حرارة بين أربع وست درجات مئوية.
◙ إدراج مهارة صناعة خبز الباغيت وثقافته على قائمة للتراث الثقافي يأتي احتفاء بأسلوب الحياة الفرنسي بثقافته العريقة
ورغم أن المكونات لا تتغير فإن لكل خباز دائما لمسته الخاصة وتقام منافسات سنوية في أنحاء فرنسا لأحسن باغيت في البلاد. وأوضحت منظمة اليونسكو أنها تعتمد في اختيار العنصر على ما يحيط به من عادات وتقاليد ثقافية، على سبيل المثال أن تسجيل الرغيف الفرنسي تراثا عالميا غير مادي لا يعني أن الرغيف في حد ذاته هو المعني بالحفظ، “وإنما المهارات التقليدية والثقافة المحيطة بصناعته”.
نفس الشيء بالنسبة إلى شراب الروم الكوبي، حيث سيتم الاحتفاء بصناعته وليس بالمشروب في حد ذاته. وتشمل القائمة عناصر ثقافية من مختلف أنحاء العالم مثل تقاليد الشاي الأذري / التركي، وتقنيات تقطير خمرة “سيلفوفيتز” من كحول الخوخ في صربيا.
وقال نائب المدير العام للثقافة في اليونسكو إرنستو أوتون إن الأمر “يتعلق بتراث حيّ تمثله المجتمعات المعنية بالحفاظ عليه، خلافا للتراث المادي، ويمكن أن يوجد في أكثر من بلد”. وسبق للمنظمة أن سجلت فنونا ثقافية من هذا النوع مثل طبق الكسكسي الشهير في المغرب العربي، بعد ترشيح مشترك للجزائر وموريتانيا والمغرب وتونس العام 2020.
وقال سفير المغرب لدى اليونسكو سمير الدهار الذي يترأس الدورة في تصريح له “كنا نأمل تقديم ملف مشترك حول فن الراي الجزائري، الذي يوجد أيضا في المغرب، لولا القطيعة الدبلوماسية بين البلدين”. وأضاف “نتمنى من الله أن نقدم ملفات مشتركة حينما تتحسن الظروف في يوم من الأيام”، مؤكدا أن فلسفة اتفاقية الأمم المتحدة لصون التراث غير المادي تتمثل في “التقريب بين الناس والثقافات”.